بقلم: فاطمة بن عبد الله الكرّاي تونس «الشروق»: تمكنت الولاياتالمتحدةالامريكية، وفي أوج الحرب الباردة التي كانت تجمعها مع الاتحاد السوفياتي من «انتصار» كبير في مجال الجغرافيا السياسية عندما اقتلعت واشنطن ورقة «كامب دايفد» فاقتلعت معها القضية الفلسطينية وامكانيات الحل من رحاب الأممالمتحدة... كان الانتصار واضحا في واشنطن، بحيث بدا الرئيس «جيمي كارتر» وكل الساسة والزعامات الأمريكية يتنفسون الصعداء بعد امضاء الرئيس المصري أنور السادات والوزير الاول الصهيوني ميناحيم بيغين على اتفاقيات كامب دايفد... بات واضحا اذن ومن خلال النص الذي أفضت اليه المفاوضات بين مصر واسرائيل، أن القضية الفلسطينية أضحت شأنا أمريكيا اسرائيليا، وأن الثورة كعنوان للقضية الفلسطينية أضحى أمرا متقادما استوجب محاصرتها أكثر من ذي قبل وأن الشعب الفلسطيني تحول الى أقلية لا تستحق سوى «حكم ذاتي» مثلما نص عليه اتفاق كامب دايفد!. الولاياتالمتحدة التي ستتحول الى القطب الاوحد زمن العولمة وابان انهيار الاتحاد السوفياتي والكتلة الشرقية ككل (بداية التسعينات) أزاحت باعتقادي، أهم عقبة يمكن أن تمثل أمام قوة امبريالية تقيم تحالفا عضويا مع «اسرائيل» المزروعة زرعا في المنطقة، وتتمثل هذه العقبة في درء الحرب النظامية عن «اسرائيل» من لدن العرب... اذ بخروج مصر نهائيا ووفق وثيقة قانونية أي تخضع لتطبيقات القانون الدولي ونقصد «كامب دايفد» و«معاهدة السلام» تكون واشنطن قد ضمنت، والى الابد وضع اللاحرب لحليفتها اسرائيل... أما بخصوص الأشكال الأخرى من الحروب، مثل الانتفاضة وحرب العصابات والحرب المقاومة فإن «اسرائيل» وبفضل الكم الهائل من السلاح الأمريكي الذي يصلها تباعا وبلا شروط، وبفضل المعونة الامريكية المخصصة لهذا الكيان، سوف تتمكن من تسوية هذه الملفات على طريقتها..! وسوف تكون الولاياتالمتحدةالأمريكية، وعلى مرآى من الجميع، اليد «الديبلوماسية» الحديدية، التي ستضرب بها كلما اقترب «أذى» من اسرائيل... وطبعا هذه اليد «الديبلوماسية» الحديدية، سنجدها تتبدل تبديلا، فمرة تكون في شكل ضغط اقتصادي على الدولة التي تساند الثورة الفلسطينية ومرة، تظهر هذه اليد في شكل ضغط سياسي على النظام الذي يفكر في مناصرة الثورة الفلسطينية على حساب استعمار استيطاني لا تزال تمارسه «اسرائيل» الى اليوم... ويمكن التقديم هنا، بأن الاستفادة الكبرى التي حصلت عليها الولاياتالمتحدةالأمريكية كقوة مهيمنة على شق من العالم، هي أنها بسحب مصر الى مدارها تكون قد أرهبت وهذا ما حصل فعلا بقية الدول العربية، التي ستنعتها بالدول المعتدلة، وسوف تعمد الى تصوير الثورة الفلسطينية، «بعبعا» تخيف به الانظمة التي لا تجلس على عروشها بفعل اختيار الشعوب لها... من جهة أخرى حصل أن الاتحاد السوفياتي، القطب الثاني المهيمن على جزء من العالم، رد الفعل بطريقة مغايرة للتي صدرت عن القطب المقابل: واشنطن... ذلك ان الاتحاد السوفياتي وبحكم أسسه الايديولوجية والفكرية، فقد كان يتخندق» في خانة الثورة ورد الفعل على رأس المال الاحتكاري، عماد القطب الليبرالي الذي تتزعمه الولاياتالمتحدةالأمريكية... لكن الاتحاد السوفياتي ومعه، كوكبة الدول التي يسوسها (ضمن حلف فرصوفيا، أو ما يسمى بالبلدان الشرقية لأوروبا) لم يصل به الغضب على «اتفاقيات كامب دايفد» حد الدخول في حرب مع الولاياتالمتحدةالامريكية، ولا كذلك مع الثورة الفلسطينية... فقد كان رفض السوفيات والكتلة الشرقية لاتفاقيات كامب دايفد، ترتكز على أمرين اثنين: أولهما غضب على فقدان «صديق» في المنطقة هو من أكبر الدول العربية على الاطلاق، حيث تحول «الجمل بما حمل» من هذا الفضاء الى ذاك المعادي له... أو الذي يعمل بالضد مع سياسة الاتحاد السوفياتي في المنطقة العربية... فقد حملت مصر وهي تسير في ركاب «كامب دايفد» كل ما تمكنت منه من أسلحة وتقنية في جميع المجالات التي كانت تتيح لها أفضل الاتفاقيات والعلاقات مع الاتحاد السوفياتي وبقية المنظومة الشرقية... هذا الأمر أثر سلبيا على استراتيجية الاتحاد السوفياتي في المنطقة العربية، منطقة تعمل واشنطن جاهدة لكي تبعدها عنها وتمسح أي أثر لسياستها هناك... الاتحاد السوفياتي والكتلة الشرقية عموما، انضمت الى رفض الثورة الفلسطينية لاتفاقيات «كامب دايفد» 1979، ولكن ليس لنفس الأسباب ولا الأهداف... فالاتحاد السوفياتي، تحكمه استراتيجية القوة، فيما تحكم الثورة الفلسطينية والقوى التقدمية استراتيجية التحرير على ان مبدأ عدم الانحياز هو الاقرب الى القوى التقدمية العربية وفصائل الثورة الفلسطينية... سوف تتواصل الحرب الباردة ولكن بأشكال وأساليب أخرى، غير التي عهدناها فترة الستينات... لكن النظام العربي الرسمي، سوف يواصل نهجه الذي قد تكون رسمته له واشنطن وهي ترعى مفاوضات «كامب دايفد»... أو على الأقل، كانت واشنطن واسرائيل، على يقين برد فعل العرب، على خروج مصر من الجامعة العربية ومن دائرة الصراع العربي الاسرائيلي... وهو رد فعل سيراوح مكانه لسنوات، وعندما يتحلحل سوف يتراجع القهقرى... في موضوع الثورة... والمفاوضات... والسلام...