٭ بقلم: فاطمة بن عبد الله الكرّاي في خضم الأخبار المتواترة من «شرم الشيخ» حول ما قيل عنها انها الجولة الثانية من المفاوضات المباشرة بين عباس (رئيس السلطة الفلسطينية) ونتنياهو (رئيس وزراء إسرائيل) بحضور هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية، كان الموعد المؤلم الذي يحاول الإعلام الغربي ان ينسينا إياه... وأن يمسح الجريمة وتداعياتها من ذاكرة الانسانية... كان الأمر فظيعا في مثل فجر أمس من سنة 1982 حيث أفاق العالم على بشاعة الصهيونية وأذنابها من حلفاء السوء في المنطقة، وأقصد جريمة «صبرا وشاتيلا»... وسوف نرى عبر هذه السلسلة كيف ان مجزرة «صبرا وشاتيلا» مثّلت أحد أنماط تدجين القضية الفلسطينية وأحد تداعيات عملية الغدر التي أصابت الثورة الفلسطينية بعد غزو الكيان الصهيوني لبيروت والحرب التي قادها «شارون» على لبنان المقاومة الوطنية (لبنانية فلسطينية) حرب حوّلت النظام الرسمي العربي الى سرب من النعام، تغرس رأسها في الرمل تباعا، بحيث ضربت إسرائيل عمق بيروت، عاصمة الثقافة العربية لمدة ثمانين يوما ولا حراك في صفوف الأنظمة العربية، الا متى استوت الطبخة وجاءت «قمة فاس» العربية (1) و(2) وقبلهما جدّت كارثة «صبرا وشاتيلا»... ٭ ٭ ٭ تاريخ الثورة والمفاوضات والسلام حول فلسطين القضية، طليعة القضايا العربية والعالمية لما حاق بها من ظلم وغطرسة واستبداد لا يزال متواصلا... فإلى يوم الناس هذا، مازال الحديث جائزا بل ومطلوب عن الثورة. ولئن غابت «الثورة» كمفهوم مستجدّ في تاريخ الانسانية الحديث، بحلول العولمة وانتهاء الثنائية القطبية، فإن القضية الفلسطينية تعد من القضايا التحررية التي لا يمكن ان تحلّ الا عن طريق الثورة والفعل الثوري.. بداية السبعينات من القرن الماضي ولما تسارعت الأحداث، من حرب الاستنزاف التي حاول ان ينتقم بها عبد الناصر ومن ورائه الجيش المصري لما حلّته النكسة بالبلاد والأمة الى حرب 1973 التي حضّرها نفس النظام وطبّقها بكثير من التشويه النظام الذي تلاه، كانت منظمة التحرير الفلسطينية، قد بدأت تتجه مرة بإرادات داخلية لبعض الفصائل الرئيسية في المنظمة والتي اختارت قياداتها العليا نهج التفاوض دون التفريط كليا في نهج البندقية ومرة تتجه المنظمة المنضوية تحت لوائها أعداد من الفصائل المناضلة شيوعيين وقوميين أساسا، نحو العمل الثوري الذي بدأ يتخذ من الساحات الحليفة للكيان الصهيوني أماكن لتنفيذ عملياتها الفدائية.. المشهد السياسي الفلسطيني بدأ فترة بداية السبعينات يسير على اتجاهين، كثيرا ما وقع خلاف حدّ التصادم بينهما: اتجاه براغماتي، يرجّح كفة المفاوضات للوصول الى تطبيق القرارين الأمميين 242 و338، واتجاه يرفض هذا التمشي جملة وتفصيلا ويعادي من قبل بقرار التقسيم (181) الصادر عن منظمة الأممالمتحدة سنة 1947 .. ٭ ٭ ٭ بدون الاتكاء على شماعة «المؤامرة» فإن التخطيط كان جيّدا ومحكما ذاك الذي دبّرته مراكز البحث الاستراتيجية التي تنهل منها دوائر الحكم والسلطة في الولاياتالمتحدةالأمريكية: تُقحم العرب والفلسطينيين في جدل هو عبارة عن دائرة مغلقة، حول «ثنائية» الكفاح المسلّح والمفاوضات وأيهما أفضل لبلوغ الهدف المنشود، والمتمثل في تحرير فلسطين وإعلان الدولة الفلسطينية و«تُترك» «إسرائيل» طليقة اليدين، تقيم التحالفات وتحاصر الثورة، وتشوّه رموز الثورة، الى أن نصل الى ما وصلنا إليه الآن: تقادم الفعل الثوري بل وربط الكفاح المسلّح ورمزية البندقية التي تواجه الاستعمار اي استعمار بالارهاب... فيصبح التنازل والعودة بيد فارغة وأخرى لاشيء فيها من «شرم الشيخ» (مقر المفاوضات الأخيرة التي انطلقت منذ يومين) أمرا مسعدا للطرف الفلسطيني، أو هو يحب ان يكون كذلك، لأن «الموضة» الآن هي التحاور ثم التفاوض بين إسرائيليين وفلسطينيين الى أن تنتهي الجولة تلو الجولة يقبض فيها الفلسطيني على الماء والاسرائيلي يتمكّن من كل فلسطين ويسقط عن نفسه سمة الاحتلال وتتحول إسرائيل الى دولة يهودية.. هكذا ترى واشنطن «راعية» السلام في الشرق الأوسط و«الوسيط» في المفاوضات المباشرة شأن الثورة .. والسلام... والمفاوضات.. هذه النتائج التي نستقرئها اليوم ليست سوى النتيجة الحتمية لتغيير وجهة القضية الفلسطينية بعد حرب 1973، ومؤتمر القمة العربية بالرباط وبداية مفاوضات «كامب دايفد»... وحتى لا تقع مغالطة الرأي العام، بأهداف وأسباب وهمية من قبيل ان ل «كامب دايفد» حسنات، لعل أهمها تلك التي ارتكز عليها السادات في تبرير حظوته «العنيفة» بزيارته القدسالمحتلة ثلاث سنوات فقط من تاريخ انتهاء حرب الأيام الستة، حيث حاول دون جدوى، أن ينفذ خطابه الى وجدان العائلة المصرية التي أرّقتها الحرب... من أجل فلسطين... وكأن أمن مصر غير مرتبط بالقضية الفلسطينية، أو أن الصهيونية العالمية ومن ورائها الدوائر الاستعمارية، حلّت بفلسطين من أجل فلسطين... فقط. فإلى حلقة أخرى من ثلاثية الثورة والسلام والمفاوضات... وكيف ان النظام الرسمي العربي تبيّن، انه حفظ شيئا وغابت عنه أشياء... وأشياء...