بعد 33 سنة بالتمام والكمال تداعى العرب والأفارقة الى قمّتهم الثانية بمدينة سرت الليبية للبحث في سبل وصيغ دفع التعاون والتكامل بين الفضاءين. ومن حيث المبدأ فإن أكبر فضاءين اقليميين مؤهّلين للمضي بعيدا جدا في مدّ جسور التعاون بينهما الفضاء العربي والفضاء الافريقي... وذلك لأكثر من سبب... لعل ابرزها التداخل الجغرافي حيث توجد دول وشعوب عربية كبيرة في الفضاء الافريقي... وهو عنصر يكفي لوحده لتوفير ارضية مثلى من الفهم المشترك ومن الوشائج المشتركة ومن التاريخ المشترك والاحلام الواحدة... وهي ارضية نادرا ما تتوفر لفضاءات اقليمية أخرى... وهو ما يجعل الشعوب العربية والافريقية لا تفهم كيف يهدر القادة العرب والافارقة 33 سنة كاملة ليلتقوا مجددا ويتدارسوا مسائل كان يفترض أنها الآن من قبيل تحصيل الحاصل. ومع ذلك فإن هذه الارضية كفيلة الآن ومتى وضع قطار العمل العربي المشترك على سكة الفعل والانجاز بتمكين الدول العربية والافريقية من تدارك ما فات واختصار الزمن والمسافات في تحقيق الاهداف المرسومة وانجاز ما يطمح اليه مئات الملايين من العرب والأفارقة وفي مدّ الجسور اللازمة لربط الفضاءين في اطار من التعاون الاستراتيجي الذي يجيّر امكانات الفضاءين في بناء التنمية الشاملة وتحقيق النقلة الحضارية المطلوبة التي تمكن العرب والافارقة من استعادة زمام المبادرة وتوظيف خيراتهم لبناء أوطانهم واللحاق بركب الدول المتقدمة. ولقد كانت للخطاب القيّم الذي ألقاه الرئيس بن علي في القمة العربية الافريقية الثانية اصداء ايجابية في كامل انحاء القارّة... حيث نجح بحكمته المعهودة وببعد نظره في وضع الوصفة الملائمة لتدارك ما فات ولتحقيق الآمال والطموحات في زمن لم يعد يعترف بغير التكتلات والتجمعات الاقليمية والجهوية. فقد دعا الى التركيز خاصة على ما ينفع الناس في الفضاءين العربي والافريقي وذلك من خلال دعوته الى أن «تستأثر الميادين الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية والثقافية بما تستحقه من تعاون وتكامل باعتبارها عناصر جوهرية في تأمين التقدم لشعوبنا والمناعة لدولنا». لقد اهدرت دول الفضاءين وقتا ثمينا وفرصا نادرة للمضي على درب التعاون والشراكة الحقيقية، وقد آن الأوان لننكبّ جميعا على الفعل والانجاز في اطار شراكة استراتيجية شاملة تعبئ الموارد والامكانات وتوظفها في صالح الانسان العربي والافريقي وتمكنه من السيطرة على مقدراته وعلى خيراته وتسخيرها لتحقيق التنمية الشاملة في عالمنا العربي وفي قارتنا السمراء.