ولد المناضل المرحوم الناصر بن صالح بلقاسم شبيل في 18 أكتوبر 1918 بطبلبة وتوفي بها في 12 أكتوبر 1987. زاول دراسته الابتدائية بمدينة السواسي، حيث كان أبوه كالكثير من أهالي طبلبة في أوائل القرن العشرين يستقرون بالسواسي يفلحون الارض. ثم التحق في أواخر الثلاثينات بالمدرسة المهنية بباب الجديد بسوسة التي رفت منها بعد أن قضّى فيها سنة فقط (السنة الدراسية 34/1935) لمشاركته في الإضراب احتجاجا على عدم تمتع التلاميذ التونسيين بعطلة مدرسية خلال بعض الأعياد الدينية. ثم التحق بالجامع الأعظم جامع الزيتونة المعمور حيث قضى قرابة الأربع سنوات يدرس بالجامع ويسكن بالمدرسة الحسينية بالقرب من تربة الباي والتي تكفل لمرتاديها المبيت وأحيانا الاكل وغسل الثياب، الى حين احرازه على السنة الرابعة من المرتبة الابتدائية سنة 1939. ثم تابع تكوينا في التمريض بمستشفى شارل نيكول والرابطة بتونس، لينتدب على إثره ممرضا للصحة العمومية، فعمل بعين دراهم ثم بنفزة (جبل الابيض سابقا) كممرض متجول.وبعد انقطاع لمدة ثلاث سنوات عاد الى سالف عمله بمثل خطته فعمل بجبنيانة والمنستير حيث كان يعمل صباحا بالمستشفى ثم يرافق الطبيب الفرنسي BONISSI مساء ليجوبا مدن جهة المنستير قصد معالجة المرضى، كما يكلف بعد التشخيص بالتمريض وتوزيع الأدوية على المرضى متنقلا من منزل الى آخر.ثم انتقل للعمل بأغلب مستوصفات مدن جهة المنستير الى ان استقر به المطاف بطبلبة. وبعد احالته عل شرف المهنة، فتح محل تمريض قصد مداواة المرضى غالبا ما يقدّم خدماته دون مقابل مراعاة للظروف الاجتماعية للمرضى. انخرط المناضل المرحوم الناصر بلقاسم شبيل في صفوف الحزب الدستوري القديم منذ سنة 1932، واثر الانشقاق الذي حصل بين قيادة الحزب الحر الدستوري القديم بزعامة الشيخ عبد العزيز الثعالبي ومجموعة من الشباب التونسي الذين انضموا اليه، ومن بينهم الشاب الحبيب بورقيبة نتيجة اختلافهم في أسلوب ادارة الحزب وعمله وبالتالي اقامة حزب جديد «الحزب الحر الدستوري الجديد»، كان المناضل الناصر بلقاسم شبيل من الدستوريين الاوائل الذين انضمّوا الى الحزب الدستوري الجديد، حيث حضر يوم 2مارس 1934 مؤتمر البعث المنعقد بمدينة قصر هلال صحبة علي بن ساسي زوج شقيقته فاطمة ورئيس الشعبة القديمة. كما كان المناضل الناصر بلقاسم شبيل من بين الذين أمضوا بتاريخ 12 مارس 1934 على عريضة تحمل 119 امضاء نشرت بجريدة «الصواب» يعلنون فيها عن ولائهم لمبادئ الشاب الحبيب بورقيبة ورفاقه. ثم انخرط بالشبيبة الدستورية منذ سنة 1947 وعايش كل محطات نشاط الشعبة الدستورية بطبلبة منذ انبعاثها فكان من الدستوريين المتحمسين للحزب والملتزمين بمبادئه والمتعاونين مع الشعبة والشبيبة الدستورية ماديا ومعنويا، ومن المشجعين للشباب قصد الانخراط الفعلي في العمل النضالي من اجل تحرير الوطن من الاستعمار.وقد كان هذا التجاوب والتعاون والتفاعل كثيرا ما تكتنفه السرية حفاظا على وظيفته، الا انه سنة 1952 غامر بوظيفته واندمج علنا مع الشبيبة والشعبة فأصبح مواكبا لاجتماعات الشعبة وتهيئة الظروف الملائمة لمثل هذه الاجتماعات، بل كانت له مساهمات جليلة في الاعداد لمعركة 23 جانفي 1952 حيث فتح منزله لهيئة الشعبة الدستورية لعقد اجتماعها الطارئ السري يوم 19 جانفي 1952 للنظر في الترتيبات وتحديد التحركات المزمع القيام بها لاعتبار أن العمل النضالي سيدخل مرحلة المواجهة المسلحة. وتم فيه اختيار هيئتين سريتين للشعبة الى جانب الهيئة الرسمية حتى يتواصل النضال إذا تم اعتقال اعضائها. وقد أختير المرحوم الناصر بلقاسم شبيل عضو هيئة الشعبة السرية الثانية مكلفا بالمسائل المالية والتي كانت تتكون من السادة: الحاج محمود الشبعان وعبد الحميد بالغالي والناصر بالقاسم شبيل (المترجم له) وقاسم حدادة ومحمد بن خليفة وفرج بن فضل واحمد بن فضل ومختار بن فرج الشبعان. يقول المناضل محمود الشبعان في شهادته الشفوية... «ليلة الواقعة دعانا الاخ فرج جمعة لدار الناصر بلقاسم شبيل. كنا تقريبا عشرين شخصا، قال سي فرج الهيئة الاولى (للشعبة لا كلام عليها) علينا ترتيب هيئتين أخريين...». كما كان المناضل الناصر بلقاسم شبيل سندا للمناضلين والمقاومين وعائلاتهم حيث كان يقوم بمداواة الفارين ويسهر على صحة المرضى منهم بحكم معرفته بالتمريض. كما كان من بين اعضاء الهيئة المكلفة بإعانة المناضلين وأهاليهم قبل وبعد معركة 23 جانفي 52 حيث قام بتوزيع الاعانات المقدمة من طرف قرى ومدن الايالة التونسية. يقول المناضل عبد السلام شبيل في مذكراته: «... يوم 19 جانفي 1952... قررت هيئة الشعبة عقد اجتماع سري لتكوين هيئة ثانية وثالثة لإتمام الكفاح، لأننا توقعنا اعتقال الهيئات الموجودة. وذلك بأمر من الديوان السياسي. وعيّنا دار الناصر شبيل مقرا للاجتماع. وكانت السابعة مساء حين حضر الرجال الذين لدينا فيهم أمل في اتمام الكفاح المرير... وكانت (على اثر المعركة) اعانة أولى من مدينة تونس، أتى بها الشيخ النيفر بصحبة الاميرة زكية (الامين باي)... حتى اتصل بهما الاخوان امحمد القائد وسالم بن محمد بن تقية والناصر شبيل وامحمد بالغالي والشيخ محمد المستيري (لتوزيعها)...» وبعد حصول تونس على استقلالها واصل المناضل المرحوم الناصر بلقاسم شبيل نضاله في هياكل الحزب، فأنتخب عضوا في الشعبة الدستورية التي تولى أمانة مالها في عديد الدورات. كما كان من ضمن الهيئة المؤسسة لشعبة حومة السوق سنة 1976. ولم يقتصر نشاط المناضل المرحوم الناصر بلقاسم شبيل على النضال السياسي، بل كان له نشاط اجتماعي وجمعياتي متميز حيث انخرط بالاتحاد العام التونسي للشغل منذ انبعاثه سنة 1946. كما كان من مؤسسي فوج الكشافة التونسيةبطبلبة منذ تأسيسها تحت اسم «الكشافة الاسلامية» في أوت 1946، بقيادة التيجاني الشبعان وعضوية كل من محمد المرعوي وفرج بن فضل وعلي بلغيث وحسن بن عمار ومحمود بن صالح عمار. كما أنتخب عضوا بهيئة جمعية النسر الرياضي بطبلبة منذ تأسيسها سنة 1948 حيث ان كثيرا من المقاومين كانوا اعضاء في هيئتها التي كانت تتجدد باستمرار منهم سالم بالحاج عمر والصادق نويرة... وساسي بن سوسية والهادي بن علي نويرة والتيجاني بن سالم وعلية بن شبيل بالفقيه والحاج علي لحمر والناصر بن يوسف بلال. وكان المناضل الناصر بلقاسم شبيل عضوا نشطا ب«الفرع المحلي للتضامن الاجتماعي» حيث وكلّت له مهمة أمانة مال الفرع برئاسة الحاج علي لحمر، وكان الفرع يهتم بتأطير التلاميذ والانفاق على الفقراء منهم فيما يخص مصاريف الدراسة والنقل والمبيت والذين كانوا يواصلون دراستهم الثانوية بمعاهد مدن المهدية والمنستير وسوسة وتونس. كما تولى عضوية تعاضدية «السعادة» للخدمات الفلاحية منذ تأسيسها الى سنة 1987. وتحمل عضوية لجنة بناء جامع ومستوصف الفضلين. وقد منح المناضل المرحوم الناصر بن صالح بلقاسم شبيل الصنف الرابع من وسام الاستقلال جزاء لجليل أعماله من اجل تحرير الوطن واسترجاع عزته وكرامته بتاريخ 3 أوت 1979 تحت عدد 5855. المراجع : «كراس الأسرار»، مذكرات المناضل عبد السلام بن الحاج صالح شبيل، «طبلبة التقليدية والحداثة في المجتمع العربي»، رمضان بن ريانة وعادل بالكحلة، مطبعة توب للطباعة 2003 ج5. رمضان بن ريانة وعادل بالكحلة «طبلبة التقليدية والحداثة في المجتمع العربي» مطبعة توب للطباعة 2003 ج5. عبد الحميد العلاني، «لم يناموا على الذلّ»، شركة فنون الرسم والنشر والصحافة، تونس 2006. الدكتور عادل بالكحلة، التحولات النحلية في الاجتماع المحلي التونسي الحديث، المغاربية لطباعة واشهار الكتاب، تونس 2009. تمت مراجعة هذه المعطيات بمساعدة أبنائه محمد المنصف وهشام وسامي وحضور صهره الدكتور الزعيم البدوي بتاريخ 12 سبتمبر 2010، والمناضل الحبيب بالغالي بتاريخ 16 سبتمبر 2010.