تونس (الشروق) محسن عبد الرحمان: بين مغاور الهوارية بالوطن القبلي، حطّ فريق فيلم «مملكة النمل» للمخرج شوقي الماجري، يوم الاثنين الماضي، رحاله بعد رحلة مضنية في سوريا تم خلالها تصوير أكثر من 70٪ من مشاهد الفيلم. ولم يختر المخرج شوقي الماجري تونس لتصوير جزء من الفيلم من منطلق انتمائه إليها فحسب، وإنما لما تحمله في جوفها من تاريخ وحياة، يقول عنها المخرج إنها الحياة الحقيقية للانسان بعيدا عن مساوئ الحضارة وما يمكن أن تخلفه من دمار. وتدور أحداث فيلم «مملكة النمل»، وهو فيلم تونسي سوري مدعوم من وزارة الثقافة التونسية، بين عالمين: عالم خارجي فوق الارض، وعالم باطني تحتها أو بالاحرى في جوفها، يعكسان الحياة الثنائية للشعب الفلسطيني في نضاله اليومي من أجل استرداد أراضيه المستعمرة من قبل الصهاينة، من جهة أخرى. «الشروق« زارت مواقع تصوير الفيلم في مغاور الهوارية بالوطن القبلي حيث التقت عددا من فريق الفيلم يتقدمهم المنتج نجيب عياد (منتج الفيلم) والمخرج شوقي الماجري والممثل السوري جميل عواد، أحد الابطال الرئيسيين في الفيلم، الذي يشارك فيه كل من صبا مبارك وعابد الفهد وجولييت عواد ومنذر ريحانة. العرض الأول في 10 دول عربية لم يخف المنتج نجيب عياد الارهاق الكبير الذي لحق الممثلين والتقنيين في الفيلم بسبب الاماكن الصعبة التي يجرى فيها التصوير، والرحلة الطويلة التي قطعوها سواء في سوريا (من شمالها الى جنوبها) أو من سوريا الى تونس اذ كشف احد التقنيين في الفيلم أنهم ضاقوا ذرعا من الرطوبة المرتفعة جدا داخل الكهوف التي يصورون فيها، ومع ذلك، التجربة كانت ممتعة رغم ما فيها من تعب يؤكد أن ظروف التصوير كانت طيبة، وخالية من كل العراقيل خصوصا المادية إذ تقدر ميزانية الفيلم بأكثر من مليارين ويأمل المنتج أن يلاقي الفيلم، الذي سيجهز حسب قوله خلال النصف الأول من العام القادم، مقابل الاتعاب التي تكبدها فريق العمل مشيرا الى الموضوع الذي قد يؤثر على حظوظه في المشاركة في المهرجانات الدولية مثل «كان» ويحمل الفيلم كما هو معلوم موقفا واضحا من القضية الفلسطينية اذ فيه مساندة كبيرة للمقاومة وبقدر تمنياته قبول مشاركة الفيلم في المهرجانات الدولية وخصوصا الأوروبية، يقول المنتج أن هدفه الأول هو توزيع الفيلم في أكبر عدد ممكن من الدول العربية، ويذكر أن عرضه الأول سيكون في 10 دول عربية بالتوازي. مشكل مع مفهوم الدفن واذ كانت رغبة المنتج هي توزيع الفيلم في كامل الوطن العربي، فإن رغبة المخرج شوقي الماجري الذي ظل ينتظر طويلا هذا المشروع، هي النجاح في التعبير عن مواقفه الفنية والفكرية من خلال هذا العمل، ورغم انشغاله الكبير بالتصوير اذ كان غارقا في الاعداد لتصوير أحد المشاهد لما فاجأته «الشروق» داخل مغاور الهوارية أبى المخرج أن لا يتحدث الينا كاشفا انه ما استفزه لكتابة هذا الفيلم بالاشتراك مع السيناريست خالد الطريفي ، هو مراسم الدفن التي يحرم منها عادة، المقاومون الفلسطينيون حتى أن جثثهم تبقى مفقودة في الغالب ويقول المخرج إن له مشكلا حقيقيا مع مفهوم الدفن كما يستفزه تدمير المقابر في الاراضي المحتلة من قبل الصهاينة ومن هذا المنطلق يضيف، كانت الفكرة الأولى للفيلم الذي تدور أغلب احداثه في الأنفاق حيث يعيش المقاومون الفلسطينيون والحياة في الانفاق أو تحت الأرض في نظر شوقي الماجري هي الحياة الحقيقية بسحرها وحميميتها وأمانيها اذ فيها يينع الحب ويتم التزاوج وتنسج العلاقات بين الأفراد. أما ما يحدث فوق الارض فهو في رأيه مرعب ومليء بالدمار والقتل وهو ما نراه يوميا في نشرات الأخبار على شاشة التلفزيون، كل هذه الأفكار يقول شوقي الماجري انه يصعب الحديث عنها ولكن يمكن تصويرها مثلها مثل الفيلم يشاهد ولا يحكى عنه. وعن مراحل الإنجاز يقول الماجري إن 80٪ من الفيلم جاهز فهو يصوّر ويقوم بعملية التركيب بالتوازي حتى يجهز العمل بسرعة لأن لديه التزامات أخرى عملية. وبالتالي فهو مطالب بتجهيز الفيلم بسرعة حتى يتفرّغ الى أعمال أخرى تلفزيونية. أبو النمل وتعود سرعة الانجاز لدى المخرج شوقي الماجري كما يبدو من خلال ما عايناه خلال زيارتنا لموقع التصوير الى حب الممثلين والتقنيين له اذ يذكر الممثل السوري جميل عواد ان شوقي متميّز خلقا وفنّا وهو يتفرد عن كل المخرجين العرب بتمتعه بأخلاق عالية وثقافة أكثر علوّا... فالفنان في نظره يكون في العادة مهنيا ولكن شوقي جمع الاثنين المهنية والأخلاق. ومن هذا المنطلق يضيف الممثل السوري: أنه كان يتمنى العمل مع شوقي، خصوصا أنه عمل معه في مسلسل «أبو جعفر المنصور». ويذكر أنه جاء الى «مملكة النمل» لإيمانه بمواهب وقدرات المخرج ويعترف أن سنه وحالته الصحية لا تحتمل مثل هذه الأفلام التي تتطلب قدرات بدنية كبيرة لمجابهة الرطوبة، والعمل الليلي وحياة المغاور والجبال. ومع ذلك حرص على المشاركة في الفيلم أملا في تحقيق إشارة أو علامة في حياته الفنية التي تعدّ أكثر من مائتي عمل فني بين أفلام ومسلسلات. وعن دوره، يقول جميل عواد، أن من ضمن الأربعة أدوار الكبرى في الفيلم فهو يجسد شخصية أبو النمل ساكن الأنفاق. وعلى ايقاع كلمات «أبو النمل» ودّعنا فريق فيلم «مملكة النمل» الذي كان منشغلا بتصوير آخر المشاهد في مغاور الهوارية التي قد يكونون ودعوها بدورهم في اتجاه المهدية لاستكمال تصوير بقية مشاهد الفيلم.