يسعى الإنسانُ منذ بدء الخليقة إلى الكسب والارتزاق ضمانا لعيشه وتأمينا لسيرورة حياته، واختلفَ الناس منذ العصور الغابرة بين كادح وعاطل وبين متوكّل ومتواكل، وقد نصح بعضهم بالسفر والهجرة شرقا وغربا إن عزّ الرزقُ وضاقَ العيش هنا أو هناك ومن ذلك قول صالح عبد القدوس في قصيدته الزينبيّة الشهيرة: وإذا رأيتَ الرزقَ عزَّ ببلدة وخشيتَ فيها أن يضيق المكسبُ فارحلْ فأرضُ الله واسعةُ الفضا برّا وبحرا شرقُها والمغربُ والتربية الإسلامية ترفضُ التواكلَ وتأمرُ بالتوكل والأخذ بالأسباب فقد نهى سيدنا عمر بن الخطاب جماعة اعتكفوا بالمسجد وانقطعوا إلى العبادة ليلهم ونهارهم وانتهرهم بقولته المشهورة: انهضُوا واعملُوا فقد علمتُم أن السماءَ لا تُمطرُ ذهبا ولا فضّة وقد اشتهر في تاريخ الأدب العربي كثير من الشعراءِ والأدباءِ الذين عُرفوا بصلاحهم وتقواهم وتفويض أمر رزقهم إلى الله خالقهم ومن هؤلاء عُروة بن أذينة الذي يقول: لقد علمتُ وما الإسرافُ من خُلقي أنّ الذي هو رزقي سوفَ يأتيني أسعى إليهِ فيُعييني تطلبه وإنْ قعدتُ أتاني ليس يُعْيِيني وشاءتْ الأقدارُ أن يتنكّرَ الدهرُ لعروة ويمسَّهُ الفقرُ وتُحوجه الخصاصة إلى السؤال فقصد هشامَ بن عبد الملك أمير المؤمنين يسأله المعونة والمساعدة فردّهُ خائبا ولم يُعطه شيئا وذكّرهُ ببيتي الشعر السابقتين فندم عروُة على سؤاله وقال له: يا أمير المؤمنين وعظتَ فأبلغتَ الموعظة ثم ركب راحلته وعاد إلى الحجاز بخفيّ حنين. وفي الليل عند النوم تذكّر الخليفةُ هشام ما كان منه مع عروة وندِمَ على أن ردّهُ خائبا وقال لنفسه قصدني رجل من قريش كان قد قال حكمة رددته بسببها خائبا وعليّ أن أتدارك الأمرَ وأُحسنَ إليه، وفي الصباح أوفد رسولا بألف دينار إلى المدينةالمنورة وأوصاهُ بأن يقرع بنفسه باب عروة ويسلمه المال يدا بيد ولما تسلّم عروةُ المال قال للرسول: أبلغْ عني أمير المؤمنين السلام وقل له: كيف رأيتَ قولي؟ سعيتُ فأكديْتُ فرجعتُ خائبا وجلستُ في داري فأتاني رزقي ساعيا وهذا صدقُ قولي: لقد علمتُ وما الإسرافُ من خُلقي أنّ الذي هو رزقي سوف يأتيني أسعى إليه فيُعييني تطلبه وإنْ قعدتُ أتاني ليس يُعْييني على أنّه من الآداب الإسلامية أن نعتبر التوكّل اعتمادا على الله أولا وتعاطيا للأسباب ثانيا ونهيا عن التوكل على غير الله ثالثا يقول أحد الشعراء وما ثمّ إلا اللهُ في كل حالة فلا تتّكلْ يوما على غير لُطفه فكمْ حالة تأتي ويكرهها الفتى وخيرتهُ فيها على رغمِ أنفُهِ وممّا ينسب للأبشيهي صاحب المستطرف قوله: توكّلْ على الرحمان في الأمر كله فما خاب حقّا مَنْ عليه توكلا وكُنْ واثقا باللهِ واصبرْ لحكمه تفُزْ بالذي ترجوه منه تفضّلا عزَّ الرزق: صعب حُصوله أكديتُ: تعبتُ في السعي