قضت مؤخرا احدى الدوائر الجنائية بالمحكمة الابتدائية بتونس بإدانة امرأة متزوجة في عقدها الثالث، وسجنها مدة أربعة أعوام من أجل التدليس ومسك واستعمال مدلّس. وحسب وقائع القضية فإن المتهمة حرمت من نعمة الأمومة لعدم قدرتها على الانجاب بعد زواجها، فسعت بكل ما لديها من جهد لتتبنى طفلا ليلأ حياتها مرحا، فتعرّفت أثناء محاولاتها المتكررة على فتاة غير متزوجة تورطت في علاقة خنائية نتج عنها حمل غير مرغوب فيه ولكنها لم تكن قادرة على التخلص من تلك «الخطية» فالحمل في مراحله الأخيرة والجنين تشكل واكتمل، وليس أمامها غير الانجاب. إذن نحن ازاء امرأة متزوجة ترغب في أن تكون أما وفتاة عزباء لا تريد هذا الحمل، لذلك سعت للتخلص من الرضيع القادم. اتفقتا أمام أحد مستشفيات العاصمة على أن تلد العزباء الحبلى باسم المتزوجة العاقر، لذلك آوتها في منزلها بأحد أحياء مدينة تونس حتى بلغ المخاض وحلت ساعة الحقيقة.. انها الولادة، توجهت الامرأتان إلى المستشفى وقدّمت المتزوجة العاقر «رفيقتها» الجديدة على أنها هي وقدمت من جاءها المخاض، نسخة من بطاقة تعريف صديقتها، فقبلت في المستشفى بهوية غير هويتها. وبعد زمن قصير أنجبت الفتاة بنتا، وشفيت من اثار الولادة، ثم غادرت المشفى في اتجاه منزل «رفيقتها» فكل واحدة أنقذت الأخرى اجتماعيا. وظلت الوالدة بمنزل المتهمة في هذه القضية حتى بلغ المولود بعض الكبر واشتد عوده، فانتهى دورها وتركت البنت الرضيعة وغادرت إلى غير رجعة، هنا أصبح المولود تحت رعاية «الأم الجديدة» غير الوالدة فقدمت لابنتها من غير رحمها كل الحب والرعاية والمودّة، فأدخلت على حياتها الشيء الكثير من الحياة والمرح. بعد فترة توجهت الأم الجديدة إلى احد بلديات العاصمة وقدمت مطلبا في استخراج مضمون ولادة فحصلت على ذلك، وأرادت استعماله لرضاها النفسي، غير أن أمرها افتضح وتفطن الأعوان إلى عملية التلاعب، وأبلغت النيابة العمومية بالموضوع فأذنت بفتح محضر تحقيقي. وباستدعاء المتهمة إلى مركز التحقيق والتحرير عليها، لم تفكر في الانكار بل صرحت بكل تلقائية بأنها أرادت أن تكون أما، وتعبت من البحث والتداوي، فلم تجد غير فرصة تسجيل ابنة غيرها باسمها، وقالت لباحثيها، إنها لم تكن على نية سيئة وانها قامت بالعملية دون علم لديها بأن ذلك مجرّم قانونا. وبعد انهاء الأبحاث في شأنها وبالتحرير أيضا على شريكتها التي اعترفت هي أيضا. تمت إحالتها على أحد قضاة التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس لمزيد البحث حيث اعترفت المتهمة بما نسب إليها وتمسكت بأقوالها الأولى التي كانت قد أدلت بها لدى باحثها الابتدائي، وأكدت أيضا أنها لم تقترف ما قامت به عن سوء نيّة وأنها لم تحدث أي ضرر بأي شخص كان. ممثل النيابة العمومية رأى ان يوجه لها تهم التدليس ومسك واستعمال مدلّس إلا أنه قرر الابقاء على المتهمة بحالة سراح. ومن جهتها أيّدت دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف بتونس قرار ختم البحث وقررت احالة المتهمة على أنظار احدى الدوائر الجنائية المختصة بابتدائية العاصمة لمقاضاتها من أجل ما نسب إليها. وبمثولها أمام هيئة المحكمة تمسكت المتهمة بأقوالها واعترافاتها التي كانت قد أدلت بها خلال كامل أطوار البحث سواء لدى باحث البداية أو أمام قلم التحقيق وتمسكت أمام الهيئة القضائية بحسن نيتها ورغبتها الملحة في أن يكون لها ابن لذلك أقدمت على ما اقترفته دون وعي منها بخطورة أفعالها نظرا لعدم معرفتها بالقانون. وقد ساندها محامي الدفاع الذي أكد أن التكييف القانوني للوقائع لا يستقيم، إذ أن منوبته لم تقم بما ورد بقرار لائحة الاتهام، فجريمة التدليس هي جريمة مادية تقنية، في حين تؤكد وقائع قضية الحال أن التدليس لم يكن ماديا بل كان معنويا وطلب المحامي من هيئة المحكمة اعتبار الركن المادي للجريمة مفقود اضافة إلى غياب القصد الجنائي الخاص، وبالتالي طلب القضاء في حق منوبته بعدم سماع الدعوى، كما قدم المحامي مطلبا احتياطيا في صورة رأت المحكمة خلاف ما ذهب إليه، واعتبار ما نتج عن منوبته من قبيل جنحة افتعال وثيقة أصلها صحيح. ومن جهته تمسك ممثل النيابة العمومية بمقاضاة المتهمة طبقا للائحة الاتهام ونصوص الاحالة القانونية، فقررت المحكمة حجز القضية للمفاوضة والتصريح بالحكم، لتقر اثر ذلك في جلسة علنية إدانة المتهمة وسجنها من أجل ما صدر عنها من أفعال مدة أربعة أعوام. إلا أنها طعنت صحبة محاميها في هذا الحكم بالاستئناف وقد مثلت مؤخرا أمام الهيئة الاستئنافية في مادتها الجنائية كما أحضرت معها ابنتها الجديدة وقالت للمحكمة ان خوفها أن يقع تأييد الحكم الابتدائي فتضيع منها البنت التي ليس لها من راع غيرها، ولم تكف المتهمة طيلة لحظات المحاكمة عن البكاء، كما يقطع بكاء ابنتها هدوء المحكمة من حين لآخر، وتمسكت المتهمة باعترافاتها وكل تصريحاتها التي كانت قد أدلت بها خلال كامل مراحل التحقيقات والأبحاث، إلا أنها تراجعت في نقطة وحيدة وهي تصريحها بأن الأم الأصلية لابنتها سرقت منها نسخة من بطاقة تعريفها وقدمتها لادارة المستشفى، وطلبت المتهمة في الختام من الهيئة الفضائية مراعاة ظروفها ورحمتها هي وابنتها، كما صرحت بأنها لن تتخلى عن ابنتها رغم انها ليست الولادة فالأمومة رابط اجتماعي وليست صلة رحم. وطلب محاميها من جهته القضاء في حق منوبته بعدم سماع الدعوى أصليا واحتياطيا اعتبار ما اقترفته من قبيل افتعال وثيقة أصلها صحيح، وطلب على أساس ذلك القضاء في شأنها بأخف العقوبات الممكنة قانونا وتمتيعها بعقوبة مؤجلة التنفيذ فيما طلبت النيابة العمومية تأييد الحكم الابتدائي واقراره، فقررت هيئة المحكمة بعد الاستماع إلى كافة أطراف القضية حجزها للمفاوضة والتصريح بالحكم في وقت لاحق.