... بناية حديثة المولد، جزء منها فقط متجدد.. ارتسمت البسمة على جدرانها بألوان زاهية.. شملت قاعات انتظار جديدة عنوانها التصوير الطبي الرقمي... جلست اليها بعض النسوة.. ينتظرن دورهن للحصول على حصص تصوير بالآلة الحديثة القدوم الى القسم... التصوير الطبي أوفحص الثدي بواسطة الأشعة رقميا (Mamographie numérique)... هذه الآلة المولود الجديد داخل مؤسساتنا الاستشفائية.. الاولى من نوعها في تونس الكبرى، اعتبارا لكون توأمها الوحيد تم تركيزه بمستشفى صفاقس. هذه الآلة الرقمية المواكبة لآخر المستجدات الطبية الحديثة في عالم الطب جاءت لتعزز أسطول التجهيزات الطبية التي تم تركيزها ولا يزال داخل مستشفياتنا العمومية على غرار أجهزة (IRM) والمعجّل الخطي الثالث وآلات الجراحة بالمنظار. أي جدوى لهذه الآلة... وما هي الاضافة التي يمكن ان تقدمها فعلا لمكافحة سرطان الثدي الذي يعتبر المرض السرطاني الاول المسبب لوفاة النساء في تونس؟ وكيف ستساهم عملية التقصي المبكر بالرقميات في العلاج السريع لاستئصال المرض في مرحلة مبكرة جدا وبالتالي توفير أموال طائلة جدا لعلاج باقي الامراض السرطانية التي تتطلب بدورها تقنيات مكلفة جدا؟ الدكتورة الاستاذة نجلاء منيف اختصاصية في التصوير الطبي ورئيسة قسم التصوير الطبي بمستشفى شارل نيكول الجامعي حيث تم تركيز هذه الآلة الحديثة... وتجهيزات أخرى مكمّلة لها... للتصوير بالصدى وبالرنين المغناطيسي تحدثت ل«الشروق» مقدمة فريقها الطبي وشبه الطبي على نفسها والذي اعتبرته الركيزة والمكمّل الأساسي لتلك التجهيزات بحكم الخبرة التي يكتسبها سواء كانوا أطباء أو تقنيين او ممرضين». «لا أحد ينكر طبيا ما أضحت عليه الأورام التي تصيب الثدي سواء كان المصاب رجلا او امرأة.. فالكلام موجه للجنسين. لأن سرطان الثدي قد يصيب الرجل كما يصيب المرأة وهو ورم متنوع جدّا بعضه أورام حميدة وأخرى أورام خبيثة... أضحت اليوم تعالج والحمد &.. لكن العلاج الحقيقي هو التقصي المبكر للمرض لاستئصاله وهو في حجمه الصغير قبل ان يستفحل في الجسد». ما هو المرض؟ وتضيف الاستاذة نجلاء منيف: «لمن لا يفهم مرض سرطان الثدي فإنه ورم يبدأ بخلية واحدة تصاب وكأنها بالجنون... وتتحول الى خلية سرطانية تكبر وتنمو لذاتها ولا تراعي أداء عملها الطبيعي لذلك تبدأ في تكوين كيان جديد مختلف جدا عن الذي حوله ولا يؤدي اي وظيفة مع باقي العضو الذي هو منه... ويتحول الى ورم غريب يكبر ويدمّر كل الخلايا التي تجاوره ومن ثم العضو الذي هو منه... لذا يكون الفحص الطبي المبكر على الثدي أمرا ضروريا لكل امرأة بلغت الاربعين، مرة كل عامين على أقصى تقدير..» غرفة خاصة بالرقميات داخل القسم المخصص للتصوير الرقمي.. كل طاقمه من العنصر النسائي تقول عنه الاستاذة نجلاء: «المرأة بصفة عامة تشعر بالاحراج حين القيام بعملية الماموغرافيا (تصوير الثدي) لذلك نحافظ على خصوصية المكان المغلق وإفراد كل حالة بنوع من الاستقلالية حتى تكون المرأة مرتاحة نفسانيا وهي تقوم بعملية التقصّي... اليوم وبفضل هذه التقنية الحديثة جدا وهي آخر ما توصلت اليه التقنيات الطبية عالميا يمكن لكل امرأة اجراء عملية التقصي بدقة كبيرة وفي ظرف زمني وجيز جدا... بحيث يمكن للمرأة الخضوع للتصوير ولتشخيص الصور رقميا... الى حين مغادرتها القسم مرفوقة بكل المعطيات عن ثديها طبيا دون الحاجة الى أن تبقى في انتظار الصور او العودة مجددا الى القسم». «الماموغرافيا الرقمية» داخل غرفة «الماموغرافيا الرقمية» هذا المولود الجديد في هيكلنا الصحي العمومي قدّمت مراحله الدكتورة نجلاء بالقول: «التمتع بخدمة الماموغرافيا الرقمية مفتوح للعموم دون استثناء فقط بشرط ان تكون بطلب من طبيب سواء كان مختصا او طبيبا عاما. اذ يمكننا من خلال رسالة الطبيب تحديد عدد الوافدين ووضع أهداف هذه الآلة في اطاره وتكون الخطوة الاولى تصوير الثدي (وهذا الكلام موجه للجنسين معا) بالاشعة غير المؤثرة... ومن ثم تدوين كل البيانات كمرحلة ثانية وكل هذا رقميا... وتضيف الاستاذة نجلاء منيف وهي تشير الى المرحلة الثالثة من عملية الماموغرافيا الرقمية: «مثلا الدكتورة ريم بالناصر متخصصة في هذا المجال وهي من ضمن الفريق الطبي في القسم حيث تقوم بدراسة الصورة وتشخيصها التشخيص الدقيق بفضل الصورة الواضحة وهذه المراحل الثلاث مهمة جدا قبل المرور الى المرحلة الرابعة (في حالات استثنائية فقط) حين نجد جسما غريبا فإننا ولمزيد التوضيح نقوم بعملية التصوير بالصدى». الصورة الرقمية مميّزة اي فرق بين الماموغرافيا الرقمية وغير الرقمية؟ تقول الاستاذة نجلاء: «بالتأكيد الرقمي اكثر دقة ووضوح فالمرأة قبل سن الاربعين تكون صورة الاشعة لثديها غير واضحة بفعل كثافة الخلايا حيث يصعب التدقيق في تفاصيلها وتصبح الصورة غير الرقمية واضحة بعد سن الاربعين لكن بفضل الصورة الرقمية يمكن اليوم فحص نساء شابات بكل دقة وهذه الدقة تسمح بتحديد الحالة وبتسهيل مهمة عملية «البيوبسي» Biopsie اي الحصول على عيّنة من الأنسجة بواسطة ابرة مباشرة من الخلية المشتبه بها لعرضها على التحاليل دون الحاجة الى التدخل الجراحي». توجيه حركة المنظار «الأشعة ايضا أقل... ولا مجال لصور غير صالحة» أضافت الدكتورة نجلاء وهي تتنقل بين الغرف المخصصة للتصوير: «الصورة الرقمية للماموغرافيا مثل آلة التصوير للأشخاص تكون صافية وواضحة بعكس الصور التي تحتاج الى تحميض حيث تفقد جزءا من نقاوتها او تكون غير صالحة... ثم ان فحص الثدي بالرقمي يساعد الطبيب ليس على التشخيص السريع لتحديد نوعية المرض فحسب بل هو يوجّه حركة التدخل بالمنظار ويفسح المجال ايضا لما بين 30 و40 امرأة يوميا للحصول على هذا الفحص وعلى النتائج أيضا معا. هذا دون اعتبار اهمية ان تبقى تلك المعلومات والصور مخزّنة رقميا تساعد المريض على إبقاء ملفه صالحا مدى الحياة وتساعد الأطباء وأهل الاختصاص على القيام بالدراسات والبحوث ايضا». عزيمة سياسية تضيف الدكتورة نجلاء متحدثة عن هذا المرض الخبيث الذي اضحى يشكّل عبءا صحيا وشغلا شاغلا للمرأة: «لا أحد يُنكر العزيمة السياسية القوية اليوم للحدّ من الوفيات بسبب سرطان الثدي... في تونس مثلا العلاج باهظ جدا لذا فإن التقصّي المبكر للنساء من خلال الفحص والتصوير أضحى أمرا ضروريا وإن لزم الأمر اجباريا اذ هو الوحيد النقطة المضيئة للحصول على العلاج الكامل والتام في مرحلته المبكّرة». آمال سفطة أبدعت ... «آمال سفطة الفنانة اعتبرها امرأة شجاعة جدا لقد ساهمت ومضاتها الاشهارية فعلا في تحريك مشاعر النساء وصرن يتقبلن فكرة التقصي المبكّر.. لان تلك الومضات كانت صادقة ومعبّرة جدّا وقوية في نفس الوقت... وكل تلك الحملات التوعوية جعلتنا نستقبل يوميا العشرات من النساء بمختلف الأقسام المخصصة للتقصي عن المرض وهذه هي الغاية التي نصبو إليها وأعتقد ان جمعية «السيدة» ستكون هي الأخرى سندا مهما لتقرّب منظومة التقصي المبكّر للمرأة أينما كانت بكامل تراب الجمهورية. هكذا ختمت الأستاذة نجلاء حديثها عن هذه الآلة التي تم توريد اثنتين منها في انتظار تعميمها على المراكز المتخصصة هذا دون اعتبار القسم الجديد الذي هو اليوم في طور التركيب والخاص بالمعجّل الخطي الثالث للعلاج بالكيمياء والذي يعتبر هو الآخر ثورة في عالم الطب يمكن للمرأة من خلاله ان تحصل على حصص علاج مدتها قصيرة جدّا ودون ان تفقد من جمال وجهها أو شعرها شيئا».