حداثة الأديب بالمفهوم الشامل لمعنى الأدب باعتباره رؤية وسلوكا ابداعيين وخلاقين وسواء كان المبدع روائيا أو قاصا أو شاعرا أو رساما أو موسيقيا أو مسرحيا أو ممارسا لشتى مجالات الفنون فإن حداثته مرتبطة بمدى تطور أساليبه التعبيرية والابلاغية الفنية ولا يتأتى التطوير الا من خلال أشياء عديدة منها: أولا: اطلاعه الكافي على ما قطعه الفن الممارس من مراحل وما وصل اليه من انتاجات بناءة. ثانيا: استيعابه واتقانه للوسائل الفنية المستعملة والضرورية. ثالثا: محاولاته الذاتية لتجاوز السائد والمنجز بما يكسب عمله الابداعي التفرد والريادة وفق ثوابت وأصول يكون قادرا على بلورتها وابرازها والتعريف بها بما يمكن المتقبل من فهمها وادراك سماتها أو الافادة منها واستغلالها. لقد قطعت مجالات الابداع من خلال مختلف العصور مراحل هامة وثرية تختلف أساليب وغايات ولكنها تلتقي كلها في التعبير عن خوالج وأحاسيس ذات المبدع تجاهه أو تجاه الآخر أيا كان ساكنا أو متحركا، محسوسا أو افتراضيا وغيبيا تساير أو تنافي السائد المعرفي والقيمي غير أنها تدعي جميعا خدمة الانسان ومزيد اسعاده وخلاصه لو حاولنا تحديد المواضيع التي تم التطرق اليها منذ الابداعات الأولى لوجدناها تبحث في المقابلة الدائمة بين الخير والشر وبين المفيد والضار والجميل والقبيح والزائل والباقي وما إلى ذلك من المتناقضات ولكن باختلاف الطرق والأساليب والمحامل فيكتب الخلود لأكثرها صدقا واتقانا ومعرفة وافادة ويمحي غيرها مما يحمل في تركيبته الأولى أسباب زواله وفنائه. ان للأديب والمبدع عامة مجالات فسيحة ومتجددة في المواضيع والأساليب قد لا تلتقي عندها كل الأذواق والمشارب ولكن الثابت منها هو ما يهدف الى ملامسة العقل والوجدان الجمعيين والفائدة الانسانية العامة ولو من خلال مصلحة فئوية ضيقة فكم من عمل فني وأدبي كتب له الخلود والبروز وهو يعالج مشكلة فردية لكن تلتقي حولها المشاعر والآراء. ولذلك نقول ان حداثة المبدع والأديب تتجاوز إلمامه بمجالات فنه «وروافده الى التعبير الصادق عن اهتمامات مجتمعه وشواغله تعبيرا يفتح مغالق العقل للروية الواعية والنقد الحصيف ويلامس المشاعر الانسانية الخالدة معتمدا الاصالة والجدة والطرافة والجادة والفرد والجماعة والتفرد والالتقاء. فالحداثة في كلمة لا تعني الارتماء في المجهول من باب خالف تعرف ولكنها الاضافة الواعية والفاعلة.