الى غاية شهر جويلية الماضي بلغ العدد الجملي للمشتركين في شبكات الهاتف الجوّال في تونس أكثر من 11 مليون مشترك. وتقدّر وزارة تكنولوجيات الاتصال نسبة نمو الكثافة الهاتفية الخاصة بالجوّال ب 105٪ ما بين عامي 2001 و2010. ويتوقّع خبراء في الاتصال زيادة في هذه النسبة قد تصل 150٪ في السنوات المقبلة. «كثافة» يمتدحها خبراء الاقتصاد وتنتقدها أصوات أخرى بعد بروز «أضرار» اجتماعية، على حدّ وصفها، رافقت نموّ عائدات الاتصال. فما هو الوجه الآخر لنجاح سوق الاتصالات؟ تشير أرقام وزارة تكنولوجيات الاتصال الى أن العدد الجملي للمشتركين في شبكات الهاتف الجوّال باعتبارها خطوطا مستغلة بلغ عام 2001 حوالي 375 ألف مشترك... وأن نسبة الكثافة الهاتفية الخاصة بالجوّال قدّرت خلال نفس العام ب 4٪ عن كل 100 ساكن. هذه الأرقام قفزت عام 2006 أي بعد حوالي ثلاث سنوات من دخول شركة «تونيزيانا» ثاني مزوّد خطوط الهاتف الجوّال في تونس الى أكثر من 7 ملايين مشترك في الشبكة وإلى 72٪ كنسبة بديلة للكثافة الهاتفية للجوّال. وتواصلت زيادة «عدّاد» المشتركين لتبلغ الى غاية النصف الأول من العام الجاري ومع دخول شركة «أرونج» ثالث مزودي خطوط الهاتف الجوّال في سوق الاتصالات التونسية أكثر من 11 مليون مشترك... ولتتجاوز نسبة الكثافة الهاتفية 104٪ عن كل 100 ساكن. مشترك في 4 شبكات!! «في منزلنا هناك هاتف جوّال لكل فرد من أفراد العائلة» هكذا يقول الطالب الجامعي سفيان مؤكدا ان امتلاك رقم شخصي بات أمرا ضروريا داخل العائلات التونسية لتيسير الاتصال. فشقيقه الطفل الذي يخوض سنته الأولى دراسة هذا العام يمتلك بدوره رقما شخصيا يسهّل إمكانية اتصال العائلة به طيلة اليوم. أما سفيان الشقيق الأكبر والذي يستعدّ للتخرّج هذا العام ورغبة في الضغط على نفقات مكالماته الشخصية ففضّل امتلاك رقمين شخصيين لتخفيض كلفة الاتصال بالتخاطب مع أصدقائه على نفس الشبكة. وينتظر سفيان امكانية توفّر هواتف جوّالة في السوق تسمح بامتلاك ثلاثة أرقام شخصية في نفس الجهاز للتمتّع بفرصة التخاطب مع معارفه على الشبكات الثلاث طمعا في الضغط على مصاريف مكالماته... و«لم لا جهاز يسمح باستخدام أربعة خطوط في نفس الوقت للتمتع بالعروض التجارية والتخفيضات التي توفّرها خطوط «اتصالات تونس» و«عليسة» و«تونيزيانا» و«أورونج»! هكذا يضيف سفيان بنصف ابتسامة. وبعد صمت قصير وبنصف ابتسامة أخرى ساخرة يقول وهو يغادر «أي كان عدد الخطوط التي أستخدمها وإن كان ذلك في جهاز واحد أو أجهزة عديدة سأحتاج لذلك عسى الجوّال يتيح لي فرصة العثور على شغل بعد التخرّج فالارساليات القصيرة تنبئ بالفرص الجميلة أحيانا». هستيريا شهادة يصفها محمد الموظف الحكومي والأب لأربعة أبناء «بالفوضى» قائلا: إننا نبالغ في استخدام «الحكمة» لتفسير هستيريا الإقبال على استخدام الجوّال، موضحا ان الجميع يستخدم على الأقل رقمين بذريعة الضغط على النفقات لكن التخاطب عبر نفس الشبكة يورّط الجميع في عدم الانتباه لمدة المكالمة وبالتالي «تضخّم» في الكلفة وليس «تقشّفا» في المكالمات. وبعد تفكير تغيّرت معه ملامح وجهه يعترف المتحدث انه يواجه صعوبة في اقناع أبنائه، أحدهم طالب جامعي والبقية تلاميذ، باستخدام هواتف جوّالة رخيصة الثمن تصلح فقط لإجراء مكالمات والردّ عليها. لكن هذه الأجهزة تكون غالبا خالية من التطبيقات (Options) مثل عدسة التصوير والألوان والانترنات وقارئ الموسيقى واللقطات المصوّرة بالفيديو وغيرها من التطبيقات التي تسهم في الغالب في تضخيم سعر الجهاز مشيرا الى غلاء سعر الهواتف الجوّالة ذات الابتكار الحديث. الجوّال الصيني ارتفاع تلك الأسعار فتح للتنين الصيني طريقا الى سوق الاتصالات التونسية.. فيتكاثر يوما بعد آخر عدد المحلات التي تعرض هواتف جوّالة، تتطابق شكلا مع احدث الابتكارات، صينية الصنع وبأسعار تتراوح ما بين 60 و100 دينار. يقول سفيان الذي يمتهن بيع الهواتف الجوّالة في سوق المنصف باي منذ عام 2000 إن «99٪ مما توفّره المحلات في المنصف باي من هواتف جوّالة بضاعة صينية تضمن توفّر أحدث التطبيقات في الجهاز». ويدافع سفيان عن العرض الصيني فيقول «إنضافت السلعة». ويقصد ان الجوّال الصيني اكتفى في البداية بتقليد الشكل الخارجي للجوّال الأصلي لذلك يصيبه العطب سريعا. لكنه اليوم يتشابه مع باطن الاصلي فأصبح بالامكان استخدامه لمدة أطول. بدوره يقول حمادي الباجي الذي يمتهن بيع إكسسوارات الهواتف الجوّالة منذ سنوات في سوق المنصف باي ان أسعار الهواتف الجوّالة الصينية تتراوح ما بين 45 و60 دينارا اي بفارق حوالي 50 دينارا على الأقل عن أسعار الهواتف الجوّالة الاصلية. كما لا يتجاوز سعر بطاريات الشحن الصينية، الأكثر إقبالا، 4 دنانير. «رُغما» عن أضرار الترددات ما تبقّى للجوّال الأصلي من فرصة للرواج في سوق المنصف باي اصطدم بقناعة «مفاجأة» بدأت تظهر لدى عدد من المستهلكين مفادها انه لا حاجة لامتلاك جوّال مرتفع الثمن إذ ان احدث الابتكارات في الجوّال الأصلي بلغ سعره 1300 دينار وهو ما لا يتحمّله البعض. «أمتهن بيع هذه الهواتف لكنني لست في حاجة لامتلاك واحد منها إذ ان ما احتاجه من خدمة في الجوّال وهو التواصل مع الآخرين يمكن لجهاز رخيص الثمن توفيره فلماذا أصرف مليونا ونصفا على جهاز إنه عبء استهلاكي لست مستعدّ لتحمله» هكذا علّق تاجر الهواتف الجوّالة أحمد مؤكدا بدوره ان الكل في تونس يمتلك رقما شخصيا وأحيانا رقمين مع وفرة عرض خطوط الجوّال وأن الاشكاليات الصحية التي قد تنتج عن الترددات مسألة غير مطروحة. هذه الاشكاليات قال عنها السيد محمد الناصر عمار وزير تكنولوجيات الاتصال ل «الشروق» إنها غير مثبتة علميا اذ «ليس هناك اي إثبات علمي للأضرار الصحية، لاستخدام الجوّال». ونفى الوزير امكانية إعداد دراسة وطنية في هذا الاتجاه خاصة مع الزيادة المتواصلة لعدد مستخدمي الجوال لأسباب مادية. خلل في الاتصال! الجميع يستخدم الجوّال ظاهرة اجتماعية لها ايجابيات كما ان لها سلبيات. ويضيف معز بن حميدة أستاذ علم الاجتماع بجامعة تونس ان السلبيات مصدرها كيفية الاستخدام. ويتساءل الاخصائي ما ان كان هذا الإقبال المفرط على الجوال مصدره الحاجة للاتصال أم هو مسألة تقليد وترف اجتماعي خاصة في ما يتعلق بامتلاك الاطفال لأرقام شخصية. وانتقد الاخصائي العروض التجارية التي يعتمدها المزودون خاصة منها عروض المكالمات المجانية في اتجاه رقم أو أكثر . وأشار الى أن تلك العروض ليس فيها اي حماية للمستهلك فالمتكلّم مجانا من الساعة العاشرة ليلا الى الساعة الثامنة صباحا عادة ما يكون تلميذا يجره التمتع بالعرض التجاري الى الحرمان من النوم وبالتالي فقدانه للتركيز في يومه الدراسي الموالي. وذكر الاخصائي في علم الاجتماع ان هناك خللا على مستوى استخدام الجوال في تونس اذ ان الجميع «يثرثر» في مكالماته دون إعطاء اي قيمة للزمن. مؤكدا ان الاقبال على العروض يفوق أحيانا انتظارات المزوّد حسب شهادات «اتصاليين» أشرف على تكوينهم. كما قال الاخصائي إن نمو استخدام الجوال له انعكاس اجتماعي ايجابي ومنه التواصل وإمكانية مراقبة الأطفال وغيرها لكنه ايضا تسبب في تقلّص العلاقات المباشرة بين الاشخاص وذلك ملمح آخر من ملامح سلبياته... وبدل التواصل المباشر يتبادل أفراد العائلة أحيانا في الأعياد ارساليات قصيرة. ٭ أسماء سحبون السيد الحبيب العجيمي ل «الشروق»: نطلب من المستهلك الكف عن «الثرثرة» تونس (الشروق): قال السيد الحبيب العجيمي ممثل منظمة الدفاع عن المستهلك ان أسعار الاتصال انخفضت بنسبة 2.3٪ خلال شهر أوت الماضي مقارنة بشهر أوت من عام 2009، مشيرا الى أن المنافسة بين المستغلين انعكست إيجابيا على أسعار المكالمات مما يجعل المستهلك مستفيدا. وعن حماية المستهلك من العروض التجارية قال ان العرض التجاري عقد يمكن رفضه كما يمكن قبوله مشيرا الى تهافت المستهلك على الانفاق على المكالمات. وأبرز السيد الحبيب العجيمي أن المنظمة تطلب من المستهلك ترشيد استهلاك المكالمات عبر الجوال لأن طبع الثرثرة الذي يتمكّن من البعض يعرّض المستهلك الى تكبّد مصاريف إضافية شهريا بسبب تلك المكالمات. وأشار الى أن نجاح «ثرثرة» التونسيين عبر فرع أوراسكوم في تونس على سبيل المثال أسهم في تغطية عجز الشركة الأم في مصر. وعن التهافت على اقتناء هواتف محمولة مرتفعة الأسعار قال السيد الحبيب العجيمي ان التونسي يعاني من عقلية التباهي لذلك يتنافس البعض على استخدام نوعية من الهواتف الجوالة ل«الهراء» و«الثرثرة» مؤكدا أن عقلية التباهي تعدّ أبرز أسباب تداين المستهلك واقترضه. أسماء سحبون من طرائف اصلاح الجوال: توفر قطع الغيار قبل توفر الجوال تونس (الشروق): اقتصر تصليح الهواتف الجوالة في البداية (ما بين 1999 و2001) على فكّ شفرة المحمول (Soft) حسب قول المهني رضا، ذلك أن أغلب الهواتف التي يتمّ عرضها للإصلاح تكون من الخارج ومشفرة. ومع زيادة نمو سوق الاتصالات في تونس ووفرة عرض الخطوط كما الهواتف تزايدت وظيفة الاصلاح لتشمل الى جانب فكّ الشفرة الاصلاح التقني. ويشير رضا أقدم مصلحي الهواتف الجوالة في سوق المنصف باي الى أن المهنة تتطلب جانبا معرفيا دقيقا نظرا للحساسية التكنولوجية لما يتم اصلاحه مؤكدا أن التقدم السريع لتكنولوجيا الجوال اليوم وخاصة سحر التطبيقات والابتكارات المتطورة جدا تتطلب مواكبة دقيقة ومستمرة. كما قال رضا ان النمو السريع لسوق الجوال سمح بدخول سماسرة الى مهنة اصلاح الجوال خاصة وأن أغلب هؤلاء يجهل ما تعنيه كلمة «جي. آس. آم» كما يجهل ما يعنيه رقم السلسلة وما تعنيه التطبيقات والشفرة. وذكر من الطرائف أن سرعة نمو سوق الجوال تسمح أحيانا بظهور «قطاع غيار» للجوال قبل توفّر الجوال ذاته، كما انتقد المتحدث التكوين السريع في الاختصاص الذي يتم تقديمه للراغبين في امتهان اصلاح الجوال قائلا انه لا يكفي لإتفان المهنة.