الأستاذ أحمد السماوي أستاذ محاضر بكلية الآداب و العلوم الإنسانية بصفاقس اختصاص »سرديات« سبق أن كتب عن المرحوم الكوني في مجلة قصص عدد 152 أفريل جوان 2010 مقالا تحت عنوان : »الأقصوصة بين الوضوح و الغموض« هداه إلى روح الفقيد سمير العيادي الذي فارقنا في 31 ماي 2008. التقته الشعب لتقف معه عند أبرز الخصائص الأدبية التي تميزت بها كتابات رضوان الكوني الذي قال فيه: »الصديق المرحوم رضوان الكوني أستاذ العربية ثم متفقدا رجل حيي خجول و لطيف دمث الأخلاق ذو ثقافة واسعة و لسن. هو من مؤسسي نادي القصة أبو القاسم الشابي و رواده الذي تصدر عنه مجلة قصص. عرفته في الملتقيات التي يعقدها نادي القصة في الحمامات . وتعززت صلتي به في السنة الماضية في المهدية. كان نشط ورشة لكتابة أقصوصة للطلبة. و عرفته أيضا في ملتقى »الأقصوصة في تونس بعد الدوعاجي« في السنة الماضية«. * إلى أي نهج في الكتابة السردية ينتمي الكوني؟ صاحبنا أساسا يكتب الأقصوصة و لذلك عنده مجموعتان: مجموعة الكراسي المقلوبة و مجموعة النفق و يمكن أن نعتبره ممثلا لنهج في الكتابة الأقصوصية جديد شاركه فيه أساسا المرحوم سمير العيادي و هو من سماه صديق العمر و كتب فيه مقالا في قصص عدد 149 جويلية سبتمبر. يتمثل هذا النهج في إعطاء اللاوعي و الحلم و ما يعتمل في النفس عميقا من مشاعر و هو ما عده كتابة تنخرط في الغموض في الأقصوصة. و قد عبر عن هذه الفكرة في مقدمة النفق: »بلغنا أن قصصنا غامضة موغلة في الغموض و أنها لا تعدو أن تكون تجارب مخبرية لم تتجاوز عتبة المخبر« ولسمير العيادي مجموعتا »صخب الصمت« 1970 ، »وكذلك يقتلون الأمل« 1985 ، تجسيد لمثل هذا النهج التجريبي في الكتابة. وهذا النهج في الكتابة الأقصوصية متأثر بطابع الرواية الجديدة الفرنسية و بالذات بما نسبته ناتالي ساروت عما قبل الوعي . وهو يواكب ما عرفته الساحة السردية في مصر مما يسمى الحساسية الجديدة التي يمثلها ادوار الخراط و يحيى الطاهر عبد الله و إبراهيم أصلان. * إلى أي مدى التزم الكوني مقومات الكتابة الأقصوصية؟ الأقصوصة تقوم على ركنين رئيسين هما: الارتباط بالواقع و الأزمة الدرامية. و الكوني باعتباره مجددا في الكتبة الأقصوصية حافظ على هذين الركنين انسجاما مع ما في ذهن المتلقي من »قواعد« فنية يفرضها هذا الجنس السردي الوجيز إلا أنه لم يلتزم بما تفرضه الواقعية الوصفية من مباشرة و إنما أعطى للإيحاء و التكشف القيمة الجلى في أقاصيصها لذلك غلب على هذه الأقاصيص في الظاهر بعدها الواقعي و لكنها تشف عن أبعاد رمزية يقتضيها التأويل المنوط بعهدة القارئ. هذا يعني أن للتلقي دورا كبيرا في إضفاء الدلالة على النص و شانه في هذا واضح في أكثر من أقصوصة ومن أشهرها الكراسي المقلوبة والنفق وكلتاهما سميت بهما مجموعتاه . فعلى سبيل المثال تعطي »النفق« انطباعا بأن ثمة عالمين: عالم شرب الشاي والهذر والنوم والبكاء من جهة وعالم الفؤوس تفتح فرجة في الجبل نحو الكهف. لكن تأولا بسيطا لهذا الازدواج يشف عن أن المقصود ليس القوم الذين يشربون الشاي و قوم الكهف بقدر ما هو وضع الفلسطينيين المحاصرين و من يحيط بهم من إخوة و من أعداء. كل هذا يدل على أن الكوني بقدر حذقه فن الكتابة للأقصوصة يعمد إلى أن يجعل من الغموض سمتها المتميزة مما يقربها من الشعر أكثر. في ذلك جمع ما بين الركنين الأساسيين في مستوى حكاية الأقصوصة و أسلوب كتابتها في مستوى خطابها«.