تحصل شريط «شامة النخيل الجريح» على «جائزة الأطفال» في الدورة الأخيرة لأيام قرطاج السينمائية وقد سعى مخرجه عبد اللطيف بن عمار إلى تحريك المياه الراكدة بتناوله موضوعا جريئا ومتشظيا: التاريخ وتزييفه من خلال فتح دفاتر الماضي النضالي واختار صفحات «معركة الجلاء ببنزرت سنة 1961» فمضينا معه ومع الشخصية الرئيسية «شامة» في مسيرة البحث عن الحقيقة الغائبة: حقيقة أبيها المناضل النقابي والوطني الشهيد المظلوم الذي لم يتم إنصافه في تاريخ يكتبه الجبناء والمتخاذلون أمثال الهاشمي عباس. ويتشظى الموضوع في اتجاهات مختلفة: نحو تركة الاستعمار والعدوان على العراق وحقبة العنف في الجزائر. «النفق والقطار والموسيقى والبحر» رموز تحكم مسار الشريط باتقان في دائرة محكمة، ينفتح الشريط بدخول في النفق حيث العتمة شديدة: إنها الحقيقة المغيبة ليموت الشهداء مرات كثيرة بعد موتهم، لكن النهاية حملت خروجا من النفق: من العتمة إلى النور بعد اكتشاف الحقائق وكنا نحن نرافق الشخصية الرئيسية في الحركتين المتضادتين دخولا في النفق وخروجا منه. والقطار هو حركة التاريخ غير المتوقف، إنه حركة «شامة» في مسيرة البحث الشاقة عن الحقيقة بل نحن الذين نمطتي عرباته لنتابع الصراع بين العتمة والنور، بين البطل والخائن، بين الحقيقة والزيف. البحر ارتبط بالانطلاق وبالنور ليحمل معنى الانكشاف لذلك ارتبط بشخصية شامة، في المقابل كان عالم الهاشمي عباس متميزا بالانغلاق والعتمة الشديدة من خلال الاغلاق المحكم للنوافذ وحبس الابن في البيت. الموسيقى وقع انتقاؤها بعناية لتوائم النسق الدرامي المتصاعد فهي تبدأ هادئة (هدوء السكون) ثم تبلغ ذروتها في مشهد الرقص المتوثب على شاطئ بنزرت ثم هي تعود إلى هدوء في النهاية في دعوة إلى الخيال البعيد والحلم.. الشريط يهتم بحدث مؤثر في تاريخ البلاد التونسية (معركة الجلاء) ولكن هذا الحدث لم ينل الاهتمام المناسب لأهميته على مستوى الانتاج الدرامي وما يحسب للمخرج ببساطة أنه وجه الكاميرا إلى تلك المرحلة للكشف عن البطولات المنسية والدماء الغالية التي أريقت من أجل الوطن، ووجه دعوة لإعادة كتابة التاريخ كتابة تنتصر للحقيقة وتزيل الزيف والتزوير، إنها دعوة إلى التفكير والنقد والمراجعة. أهمية ذلك الحدث لم تفصلها رؤية المخرج عن حدث أقرب وهو حرب الخليج الثانية سنة 1991 بالعدوان على العراق في ربط مباشر بين الدماء العربية المسكوبة والاعتداء الاستعماري عليها. وهذا الربط يحيل على ارتباط آخر بين تونسوالجزائر من خلال الصداقة الوثيقة بين شامة وصديقتها نبيلة وزوجها نور الدين بل كانت الإشارة واضحة إلى ساقية سيدي يوسف التي شهدت امتزاج الدماء التونسيةوالجزائرية يوم 08 فيفري 1958 . قد توجد في الشريط بعض الهنات خاصة على مستوى الحكي: كثرة الصدف: صدفة عمل «شامة» عند من خان أباها وتسبب في موته، صدفة اللقاء بالصديقة «نبيلة» على القنطرة وبالنسبة لعدد الضحايا فالأمر مختلف فيه بحسب مصادر الاحصائيات من 700 إلى الآلاف من الشهداء.. ولكن عموما قدم المخرج عملا متقنا وعميقا إلى حد كبير يحترم أخلاق المشاهد وعقله فغابت السذاجة والسطحية والبذاءة وهذا الاحترام قابله الجمهور باحترام مماثل له أثناء عرض الشريط في أيام قرطاج السينمائية 2010 بالإقبال الكثيف على العرضين الأول والثاني وبالمتابعة الراقية ثم بالنقاشات التي فتحت حول جوانب العمل. نهاية الشريط، كما ذكرنا، قامت على خروج القطار من النفق إلى النور ونتمنى أن يكون هذا العمل إعلانا عن خروج الانتاج السينمائي التونسي من رتابة المواضيع السائدة والتناول الممجوج لها: الشذوذ والاغتصاب والبكارة والحرمان الجنسي.. فالأسئلة الاجتماعية والحضارية والسياسية والاقتصادية.. كثيرة وتنتظر من يطرحها طرحا لائقا.