بعد انتظار طويل سيعرض فيلم النخيل الجريح لعبد اللطيف بن عمار للجمهور في قاعات العاصمة بداية من اليوم الاثنين 5 ديسمبر قبل أن يشق طريقه إلى داخل الجمهورية وهو ما يستدعي تضافر جهود عدة أطراف على المستويين الوطني والجهوي لتوفير الحد الأدنى من الظروف التقنية الملائمة لعرض الفيلم فلا يمكن أن يتواصل حرمان الشباب التونسي في تالة وأم العرايس ومنزل بوزيان وقرقنة والرقاب وتطاوين والمنستير(نعم يا سادة لا توجد قاعة سينما في المنستير مسقط رأس الزعيم بورقيبة؟) من حقهم في الثقافة والفن وهو حق لا يقل أهمية عن حقهم في موطن شغل شريف يحفظ كرامة الإنسان... والنخيل الجريح إنتاج تونسي جزائري يشارك في بطولته كل من ناجي ناجح (ممثل تونسي مقيم ببريطانيا) وليلى واز(ممثلة وأستاذة مسرح) ومن الجزائر حسان كشاش وريم تاكوشت. ويضم الفيلم نخبة من ألمع وجوه المسرح والتلفزيون والموسيقى والثقافة في بلادنا شاركوا بأدوار صغيرة من حيث الحجم ولكنها حمالة دلالات ومن بينهم نذكر الشاعر الصغير أولاد أحمد والنوري بوزيد وعيسى حراث وفتحي المسلماني وفتحي العكاري ورضا بوقديدة وصلاح مصدق وجوهر الباسطي والأسعد بن عبد الله ونجا المهداوي كما يسجل المناضل رشيد التراس حضوره في النخيل الجريح الذي يفتح ملف حرب بنزرت ويقدم رؤية مغايرة للرواية الرسمية التي إستقرت عند عموم التونسيين منذ عقود.... وتدور أحداث "النخيل الجريح" في مدينة بنزرت شتاء سنة 1991، وحرب الخليج الأولى تدق طبولها ، يعهد "الهاشمي عباس" بمخطوط كتابه عن حرب بنزرت إلى "شامة" لرقنه ،وهي فتاة يتيمة الأب منذ كانت رضيعة، متخرجة حديثا من الجامعة التونسية بإجازة في علم الاجتماع لم تضمن لها العثور على وظيفة قارة . تحس "شامة" وهي ترقن المخطوط برغبة جامحة في الغوص أكثر فأكثر في أحداث حرب بنزرت التي فقدت فيها والدها العامل النقابي البسيط بالسكك الحديدية وأحد آلاف المتطوعين الذين ماتوا في الحرب ممن نسيهم المؤرخون وغفلت عنهم كتب التاريخ ... وخلال مراحل تقصيها تكتشف "شامة" بنزرت، دليلها في بحثها "خليل" إبن أحد أصدقاء والدها الذين يقدمون لها رواية مغايرة لوقائع حرب بنزرت مطلع الستينات ... رحلة يقترب فيها "خليل" شاب تونسي إبن عصره، من "شامة" فتتطور صداقتهما الهادئة إلى علاقة حب عميقة . وفي بنزرت "عاصمة الجلاء"، يتجدد لقاء "شامة" بصديقتها الجزائرية "نبيلة" وزوجها "نورالدين" ، الموسيقي الذي وجد في تونس الملاذ الآمن وجدار الصد الأخير ضد العنف والتطرف في تلك المرحلة من تاريخ الجزائر ... ومع كل ورقة من مخطوط "الهاشمي عباس" عن حرب بنزرت، تكتشف "شامة" كيف يعمد بعض "المثقفين" إلى تزوير التاريخ لينسبوا لأنفسهم مجدا لا نصيب لهم فيه وشرفا لا يستحقونه، فهل ستتوقف عند اكتشاف الحقيقة وهل ترضى "شامة" لنفسها برقن تاريخ مزور كتبه "المنتصرون" ؟ ويظل عبد اللطيف بن عمار من مراجع السينما التونسية إذ لا يمكن لأحد أن ينكر على الرجل خطابه السينمائي الجريء والمغاير للسائد في أفلامه وخاصة في "سجنان" و"عزيزة " كما أن تجربته الوثائقية تتضمن فيلمين عن حشاد سنة 1999 وعن بورقيبة سنة 2004 وهما فيلمان تعرضا للصنصرة من عدة أطراف حتى لا تكون السلطة زمن بن علي الشماعة التي تلقى عليها كل الكبائر . أما من ناحية الإنتاج فإن عبد العزيز بن ملوكة هو المنتج المفوض للنخيل الجريح ولا بد من الاعتراف لهذا الرجل بما يقدمه للسينما التونسية من دعم مادي وأدبي للمخرجين من كل الأجيال حتى تصور أفلامهم وتصل إلى الجمهور لا أن تبقى حبيسة العلب في خزائن وزارة الثقافة والتلفزة التونسية متى كانت مساهمة في الإنتاج ... يذكر أن النخيل الجريح حاز على عدة تتويجات رغم ما تعرض له –بفعل فاعل كما تتحدث بعض المصادر- في الدورة الأخيرة لأيام قرطاج السينمائية ، ومن أبرز هذه التتويجات الجائزة الكبرى في مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي(ديسمبر 2010) و جائزة أفضل إخراج في مهرجان السينما الإفريقية بالخريبقة المغربية وجائزة أفضل أداء نسائي لليلى واز في مهرجان مونتريال السينمائي الدولي .