الحديث عن إلتهاب الكبد الفيروسي بأصنافه الثلاثة «أ» و«ب» و«س» يكثر من سنة الى أخرى لدى التونسيين حدّ الخلط بين الفيروسات الثلاثة وحدّ الخلط أيضا بين أسباب الاصابة وبين سبل الوقاية منها وكذلك بين علامات المرض (الأعراض) وكيفية تطوّره في الجسم. ورغم أن الوقاية من هذا المرض ممكنة في بلادنا بفضل بعض التلاقيح شأنها شأن التشخيص والعلاج والدواء ورغم أن الاطار الطبي التونسي المتخصص في هذا المجال تكونت لديه الخبرة اللازمة للتعامل مع هذا المرض خاصة بفضل حرص السلط الصحية على الحدّ من انتشار المرض، إلا أن إلتهاب الكبد الفيروسي في تونس مازال يثير مخاوف الناس بالنظر الى عدّة اعتبارات أهمّها عدم ظهور أعراض المرض لدى الجميع... فما هي الأسباب الحقيقية لهذا المرض؟ وما هي العلاقة بين الأصناف الثلاثة منه (أ وب وس)؟ وما هي أعراضه؟وكيف يمكن أن يتطور داخل الجسم وما هي سبل الوقاية منه؟ حسب الدكتور توفيق النجار (رئيس قسم أمراض الجهاز الهظمي بمستشفى شارل نيكول) فإن إلتهاب الكبد الفيروسي لا ينتقل بالوراثة... والطريقة الوحيدة للاصابة بهذا المرض هي العدوى عن طريق شخص مصاب بالفيروس. فبالنسبة الى النوعين «ب» و«س»، تكون العدوى عن طريق الدّم (أثناء التبرع) أوعن طريق استعمال موس حلاقة أو فرشاة أسنان أو مقص أظافر لشخص مصاب... كما تنتقل العدوى أيضا عند تبادل الحقن (مثلا بالنسبة الى مدمني المخدّرات) أو تبادل معدّات الوشم او عند استعمال آلات طبيّة سبق استعمالها لعلاج شخص مصاب ولم يقع تعقيمها جيدا (مثلا آلة المنظار آلات العمليات الجراحية آلات علاج الفم والأسنان...). ويمتاز الفيروس «ب» بأنه ينتقل عن طريق العلاقات الجنسية وكذلك من الأم الى المولود أثناء الولادة (عندما يختلط دم كل منهما) وليس أثناء الحمل. أما الفيروس «س» فلا ينتقل بهاتين الطريقتين... وحول القبل بأنواعها، قال د. النجار إنها لا تنقل العدوى. وبالنسبة الى الفيروس «أ» فإنه يصيب أساسا الاطفال الصغار عند شرب مياه أو تناول أغذية ملوثة بالفضلات البشرية (لأن الفيروس «أ» يمرّ من الشخص المصاب عبر فضلاته أي عبر الأمعاء). علامات بصفة عامة، فإن أعراض إلتهاب الكبد الفيروسي بأنواعه الثلاثة «أ» و«ب» و«س». لا تظهر الا لدى 10٪ من المصابين وهنا تكمن الخطورة حسب د. توفيق النجار حيث أن 90٪ لن تظهر لديهم الأعراض. هذه الأعراض التي ستظهر لدى ال 10٪ من المصابين (أعراض الالتهاب الحادّ) هي أولا «الفشلة» الملحوظة أي الاعياء الحاد وكذلك الاوجاع في الرأس وارتفاع حرارة الجسم وآلام بالمفاصل والعضلات الى درجة أن يذهب في اعتقاد المصاب أنه تعرّض لنزلة برد... وهذه الأعراض قد تكون منفردة (أحدها فقط) أو متجمّعة، وهذا هام. وبعد ذلك، يتفطن المصاب الى أن لون البول أصبح يميل الى البنّي أو الأصفر (مثل لون الشاي) ثم يظهر بعد ذلك اصفرار في أبيض العين وفي الجلدة وفي حالات نادرة جدّا يحصل الاغماء... تلقائي يؤكد رئيس قسم أمراض الجهاز الهضمي بشارل نيكول أن كثيرا من الأشخاص الذين تظهر عندهم الأعراض المذكورة (أعراض الالتهاب الحاد) يتعافون منه تلقائيا وتدريجيا.. فمثلا 90٪ من المصابين بالفيروس «ب» يتعافون تلقائيا دون تناول أي دواء حيث تقل لديهم الأعراض وينقص الاصفرار شيئا فشيئا وتعود شاهية الأكل... أما ال 10٪ المتبقين، فإن الالتهاب يتحوّل عندهم من حاد (اي تسبب في ظهور العلامات) الى مزمن.. أما الفيروس «أ» فإنه نادرا ما يتحول الى التهاب حادّ وطبعا لا يمكن ابدا ان يتحول الى التهاب مزمن وعادة ما يقع الشفاء منه تلقائيا. لكن في بعض الحالات قد يتسبب في الإغماء أو في نزيف دموي وفي إصابة أعضاء أخرى على غرار الكلى والنخاع العظمي.. شأنه شأن الالتهابات الفيروسية الأخرى. وبالنسبة الى الفيروس «س» حسب د. النجار فإنه الأخطر لأن 80٪ من المصابين به سيتحول لديهم من إلتهاب حاد الى مزمن. ويؤكد د. النجار في هذا المجال على أهمية دور جهاز المناعة فكلما قويت المناعة قلّت نسبة تحوّل الالتهاب من حاد الى مزمن.. تليّف... وسرطان عندما يتحول الالتهاب في صنفي الفيروس «ب» و«س» من حادّ الى مزمن فإنه بعد فترة تتراوح بين 10 و15 عاما يصاب الشخص بتليّف الكبد وهو ما يعرض المريض على المدى الطويل الى آثار خطيرة أهمها الاصابة بالسرطان. 3 أصناف حسب د. النجار فإن المصابين بأحد فيروسات التهاب الكبد («أ» و«ب» و«س») 3 أصناف: صنف اول يشفى تلقائيا بشكل تدريجي من الفيروس دون علاج او تناول دواء (90٪) من المصابين وصنف يتحول لديهم الالتهاب من حاد (بعد ظهور الأعراض) الى مزمن ثم يصابون على المدى الطويل بتليّف الكبد وبالسرطان... وصنف ثالث تختفي لديهم علامات الالتهاب الحاد ولكنهم يواصلون حمل الفيروس دون ان يشكل خطرا عليهم ويسمى هؤلاء «حاملين غير نشطين»... لكن في صورة التعرض لنقص في المناعة يسترجع الفيروس نشاطه ويشكل خطرا عليهم وقد تظهر لديهم علامات الالتهاب الحاد من جديد وقد يتحول لديهم الامر الى التهاب مزمن... ويجب الاحتياط من كل أسباب العدوى عند التعامل مع هؤلاء الأشخاص. علاج لا يوجد الى حد الآن علاج ناجع للالتهاب الفيروسي الحاد للكبد... ويوجد اليوم تلقيح ضد الفيروس «أ» والفيروس «ب» لكن بالنسبة الى «س» لم يقع التوصل الى تلقيح الى حد الآن... وعندما يمرّ الالتهاب من حاد الى مزمن يمكن مداواته بنسبة نجاعة تفوق 50٪ وتوجد اليوم في بلادنا عدة أدوية مستعملة مثل «أنتارفيرون» و«ريبا فيرين»... وحتى في صورة فشل الدواء في العلاج فإن فائدته تكمن في أنه يمنع الفيروس من التسبب في سرطان الكبد.. وبالنسبة الى الفيروس من نوع «ب» فإنه يمكن علاجه بعدة أدوية أخرى أغلبها موجود في تونس. وفي بعض الحالات النادرة للالتهاب الحاد للكبد يمكن ان تتم عملية زرع الكبد (ممكنة في تونس). لا علاقة يخلط كثيرون بين الأصناف الثلاثة من الفيروس... وفي الحقيقة لا توجد حسب د. النجار أية علاقة، إذ لا يمكن ان يتحول «أ» الى «ب» ولا يمكن ان يتحول «ب» الى «س»... لكن يمكن الاصابة مثلا ب «ب» و«س» معا أو يمكن الاصابة بالفيروسات الثلاثة على التوالي.