نظم إتحاد الكتاب التونسيين يوم السبت 27 نوفمبر 2010 لقاء احتفائيا بالدكتور عبد السلام المسدي نشطه الأستاذ حاتم الفطناسي في إطار أمسية الوفاء لعلم من أعلام الجامعة التونسية بمناسبة حصوله على جائزة سلطان العويس للآداب. ويعد هذا اللقاء أول لقاءات «صالون الوفاء» الذي أحدث أخيرا إلى جانب بقية نوادي اتحاد الكتاب، وتشرف الكاتبة مسعودة بوبكر على هذا الصالون. وقد افتتحت الأستاذة جميلة الماجري رئيسة اتحاد الكتاب التونسيين اللقاء بالإشارة إلى «أن هذا الصالون الجديد يحمل معناه في اسمه أريد به التعبير عن الوفاء لرموز تونس العلمية والثقافية : الذين خدموا الثقافة الوطنية من جهة وتكريما لمؤسسي اتحاد الكتاب من جهة أخرى»، ويعتبر الدكتور عبد السلام المسدي أحد الأعضاء القدامى للاتحاد في الهيئة المديرة. وقد أشارت الأستاذة جميلة الماجري في حديثها عن الدكتور عبد السلام المسدي إلى موقعه العلمي العربي خلال عرضها لرسالة الأستاذ يوسف وغليسي التي وجهها للضيف المحتفى به وقد جاء في الرسالة «إن الدكتور عبد السلام المسدي هو تلك النخلة الأسلوبية الشامخة، أستاذ الأجناس...» وقد كان كتاب «إشكالية المصطلح في النقد العربي الجديد» خربشة بخجل عارم مهداة إليه واشتغلت على نماذج حية من تجربته. وفي مداخلة الكاتبة مسعودة بوبكر منشطة الصالون لاحظنا الجهد البحثي في السيرة العلمية للدكتور عبد السلام المسدي الذي لم تصرفه السياسة عن الثقافة فللمسدي أكثر من ثلاثين مؤلفا في اللغة والنقد والأدب وهو أستاذ العلوم اللغوية ومناهج النقد الحديث في الجامعة التونسية منذ 1972، وهو عضو لأهم مجامع اللغة في الوطن العربي وهو عضو المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون منذ 1997 كما أنه تقلد الأمانة العامة لاتحاد الكتاب التونسيين ثم وزيرا سابقا لوزارة التعليم العالي. ولعل من أهم كتبه التي تعد محطات هامة ومراجع في النقد نذكر «الأسلوبية والأسلوب (1977) ومراجع اللسانيات (1989) والأدب العجيب (2000) و«نحو وعي ثقافي جديد (2010) والعرب والانتحار اللغوي (2010) وأحيلت الكلمة إلى الأستاذ حاتم الفطناسي فاستفاض في الحديث عن المسيرة العلمية للأستاذ عبد السلام المسعدي فأشار إلى أنه من أنبغ أساتذة الجامعة وصاحب مذهب ومشروع فكريين وقد كان مراعيا للمنهج ونجح في تطويع ما لا يطوع مشغولا بالجدل الحاصل حول الهوية أطلق في اللحظة الراهنة العربية صيحة فزع حول اللغة ودورها في الحرب الثقافية القائمة التي من ملامح حضورها الاحتواء اللغوي والصدام. «إن شخصية عبد السلام المسدي مركبة شديدة التعقيد». إثر ذلك أحيلت الكلمة إلى الضيف المحتفى به ليطلق كلمة في الحضور كشفت فصاحة الرجل وإمساكه بمقاليد اللغة ليعبر عن مدى سروره بتكريمه في منظمة عريقة كانت من أهم المشاريع التأسيسية لتأهيل الأرضية السانحة لتركيز أسس المجتمع المدني فقد كان اتحاد الكتاب حاضن المدينة الأول». فكرة لقد ركز الضيف عبد السلام المسدي على وضع المثقف العربي وحال اللغة العربية وراهن الدرس الأسلوبي العربي وتاريخية اتحاد الكتاب التونسيين وتجربته مع السياسة ليستمع بعد ذلك إلى أسئلة الحاضرين من كتاب وصحفيين وقد جاء في مداخلته : «إن فكرة اتحاد الكتاب فكرة وافدة ومنهلها شرقي ليس غربيا وهذا ليس غريبا هي فكرة نمت في الدول الاشتراكية، ولم تكن الثقافة الليبرالية تتقبل مؤسسات الكتاب والمثقفين وقد جاءت إلى قطرنا العربي لتتلقفها بعد ذلك كل الأقطار وقد كانت تعبيرا عن الصوت الثقافي للمجتمع. كان السؤال صامتا وخفيا، وظهرت نماذج تطرح علاقة اتحاد الكتاب مع السلطة السياسية، وبحكم التواصل والتعارف بين الكتاب والمثقفين ظهرت الصورة المتصادمة بين انتماءين، الأول كان جزءا من تركيبة النظام القائم (مثل اتحاد كتاب سوريا) والثاني كان يمثل الصوت المضاد للنظام القائم (مثل اتحاد كتاب المغرب)». وبغض النظر عن مدى التمثيلية في الانتماءين فإن المسدي ركز على الصورة المغايرة المتمثلة في المعادلة الصعبة كما لم يتم ذلك مطلقا. ويعود المسدي بما يختزنه من طاقات تحليل الخطاب السياسي بالقول إن «من طينة المثقف التونسي أن يتبين تلقائيا أن الكتاب يتعايشون وكلهم يحملون حساسيات انتمائية وإيديولوجية وكان اتحاد الكتاب الإرهاص الأول لإمكانية تعايش أبناء الوطن تحت قباء واحد... انتمينا إلى اتحاد الكتاب إلى أن أشرفت شخصيا عليه». تعايش وقد رافق المسدي في هيئة اتحاد الكتاب كل من محمد العروسي المطوي والميداني بن صالح وجلول عزونة ومحمود طرشونة، ولم يكن هذا الاختلاف الانتمائي مانعا من التعايش، مقدمين للمجتمع أنموذجا من التعايش السلمي ولم يكن قد ظهرت بعد سطوة المجتمع المدني. وقد عرض المأزق التاريخي الذي عاشه والمتمثل في كونه أمينا عاما للإتحاد من جهة ومقبلا على خطة حكومية من جهة أخرى فعز عليه أن يترك الإتحاد فطلب الأعضاء الاعتذار لأن السياسة قد طلبته وحتى لا تختلط الأوراق. وختم المسدي حديثه بالقول إن اتحاد الكتاب مؤسسة لها تاريخ ولها خصوصية نأمل أن يتواصل مشوارها التاريخي خدمة للمجتمع. ويشير المسدي جوابا عن الأسئلة التي وجهت إليه إلى علاقة المثقف بالسلطة وبالمؤسسة فأشار إلى أن ثمة جدلا حاصلا فالفرد ينتعش صوته من خلال المؤسسة فتصنع نجما ومن جهة أخرى يوصل الجهد الفردي صاحبه إلى الشهرة ثم تتبناه المؤسسة. ولكن الحاصل اليوم هو زهد المؤسسة في الفرد وسعي المثقف إلى تبرير ماكيافيليته وهو ما يبرر هجوميته التي أصبحت تمثل حيفا على المجتمع. ويستفيض الدكتور المسدي في الحديث عن تجربته السياسية ليشير إلى أن المثقف الحقيقي الباقي هو المثقف الذي تناديه السياسة وليس ذلك الساعي إليها يخلع سترة الثقافة إذا لبس سترة السياسة في حين أن المسألة معقودة في الحوار الثقافي السياسي ويقول المسدي في هذا السياق : «لا أرى وجها لاكتمال المثقف إلا بقدر عمق وعيه السياسي فالسياسة ليست ترفا ولا بذخا إنها ضرورة مطلقة وإذا عنّ للمثقف أنه خارج أسوار الوعي السياسي، فسيخيب طموحه. وكان من حظي أني عشت السياسة». إلمام ولعل رشاقة تدخلات المسدي وإجاباته أكدت حسن إلمامه بعالم الثقافة والسياسة الشائك جعلته يشد الحضور بحسن منطقه وبلاغته. وأمام الإنذار بتكسر مراكب أجيال المثقفين والعلماء صار على المثقف أن يلبي الدعوة السياسية لأن جزءا من الإلمام بواقع المجتمع التعبير عن الإقامة فيه في لحظة تاريخية موسومة «بتعذّر اللباس الثقافي السياسي». وعن علاقته باللغة وراهن الدرس اللساني العربي يحلل المسدي الإشكالية بالعودة إلى ذاته قائلا : «أوصي نفسي : «إياك أن تظن أنك فهمت، أترك نفسك تتمثل، بوسعك أن تتجاوز، لابد للمعرفة من التلقي، لابد من إعادة إنتاج المعرفة... إننا كثيرا ما نقفز على المراحل». إن المتأمل في مداخلة المسدّي لا يسعه إلا التأمل في اللغة راهنها السياسي وسياقها الثقافي وهو ما حدا بالمسدي إلى السؤال عن اللغة. ما سلطة اللغة علينا، على سلوكنا، يزداد جبروتها بقدر وعينا بكون سلطة اللغة علينا ضعيفة ومتراجعة. إن اللغة هي المفتاح السحري لقلعة المعرفة. بها نفك شفرة المجتمع والسلطة عليه. إنه يقول «نخشى أن نبقى في حدود التعريفات» في زمن الخطاب المغشوش والخطاب المخاتل وعلينا أن نحسن إدارة تفكيك اللغة وتفكيك الآلة التي نعبر بها عن المضمون، إنه علم تفكيك الخطاب والخطاب النقدي على وجه الخصوص. هكذا النقد الذي يكون إما بالثقافة وإما النقد من خارج النقد، وعليه فإنه علينا أن ننهل من مراجع التكوين الأكاديمي». لقد فتح المسدي باب إشكاليات كبيرة في الدرس اللساني الذي لاحت بوادره منذ 1940 وعلاماته جيل من الرواد المصريين من علماء اللغة الذين هاجروا في ما بعد إلى الخليج بسبب طفرة البترول سنة 1970 وأفرغت الجامعة المصرية من علمائها ليتقدم جيل من النقاد واللسانيين في المغرب العربي لإثبات حضورهم العلمي. والخلاصة أن لقاء مع علم من أعلام الجامعة التونسية يعد إنجازا ثقافيا مهما لما حصل من إفادة نرجو أن تتكرر في صالون وفاء قادم.