تكمن أهمية كتاب محمد السواعي في التصحيح والتصويب للمعلومات التي أثارها كلّ من تحدث عن الشدياق، سواء كان عماد الصلح، أو محمد الهادي المطوي، أو جورجي زيدان، أو أسعد خياط وغيرهم، معتمدا على الكثير من المصادر والمراجع، سواء العربية أو الفرنسية، أو الأنقليزية أو حتى الألمانية. واعتمد أيضا على العديد من المراجع التونسية حول الموضوع وحتى الوثائق الأرشيفية. ولكن، هنالك ثلاث ملاحظات لا بدّ من إدراجها. فرغم الاستطرادات التي اتبعها محمد سواعي بين الحين والآخر، فقد وقع في زلات بسيطة، وسهو في إحالة وهو الذي أراد، حسب ما طالعناه، أن يلم بكل المصادر والمراجع الخاصة ببحثه القيّم. أوّلا، لم يذكر لنا محمد سواعي الملف الذي أودعت فيه هذه الرسائل العشر، فلم يذكر لنا أي سلسلة وأي حافظة وأي ملف وُضعت فيها في خزائن الأرشيف الوطني حتى يتسنى للقارئ أو الباحث العودة إليها للتثبت فيها. وتعميما للفائدة نوضح بأنّ هذا الملف موجود في السلسلة التاريخية، الحافظة 0078، ويحمل رقم 0936، وبه 10 وثائق تراوحت تواريخها بين 1263 1282 ه/ 1846 1865 وهي تخص «مراسلات صادرة عن أحمد فارس الشدياق تعلقت بعضها بتعريب مقالات صحفية وبطلبه إعانة مالية من الدولة لتعلم اللغة لفرنسية». فالأمانة العلمية تقتضي أن نذكر مصادرنا الأرشيفية بدقة. ثانيا، أنّ جريدة «الجوائب» التي أصدرها الشدياق في إسطنبول ظهرت سنة 1861 (ص 54)، والحال كما هو معروف أنّ هذه الجريدة ظهرت في سبتمبر 1860. وربما هذا الخطأ يندرج في إطار خطإ مطبعي لم يتفطن إليه محمد سواعي عند مراجعته النسخة النهائية. ثالثا، يشير محمد سواعي في الهامش 18 من الصفحة 67 معتمدا على ما أورده محمد بن الخوجة في كتابه «صفحات من تاريخ تونس» الذي نشرته دار الغرب الإسلامي سنة 1986 بتحقيق للمرحومين حمادي الساحلي والجيلاني بالحاج يحي، إلى أنّ اليهودي لياه المليح، هو لياه المليّح، مؤكدا على الشدّة فوق الياء باعتباره أحد باعة الكتب في باب البحر. وغفل محمد سواعي بأنّ هذه الدراسة لمحمد بن الخوجة كانت قد نُشرت في «المجلة الزيتونية» في عدد ماي جوان 1938 حيث ذكر اسم لياه المليح، معتمدا في ذلك على ما أورده «الرائد التونسي» عندما كان يعلن عن المكتبات الموزعة للكتب في العاصمة. فلياه هذا لقبه هو الماليح، حسب الملفات الخاصة به في الأرشيف الوطني، وليس المليّح بالشدة فوق الياء. وهو من عائلة يهودية من أصل قرني أي من يهود القرنة، وهي المدينة الإيطالية ليفورنو، ومعظمهم يعتبرون أنفسهم من الإيطاليين، حتى وإن لم يتمتع معظمهم بحماية القنصلية الإيطالية. ولياه الماليح هذا، والمسمى في ليفورنو الإيطالية باسم ليون المليك، وربما هذا ما جعل أوزيب فاسال Eusèbe Vassel، في دراسته عن «الأدب الشعبي ليهود تونس» الصادر سنة 1907 صفحتي 18 و19، بعد أن نشره في حلقات متتالية منذ 1904 في «المجلة التونسية» Revue Tunisienne، ص 286 و288، يذكره تحت اسم إيلي (وهو الترجمة الفرنسية لاسم لياه) المالِك، بكسر اللام، ويعلمنا أيضا بأنه اشترك مع مردوخاي طابيا Mardochée Tapia، وموسى أو بيشي شمامة في جلب الحروف العبرية وتمكن الثلاث من طبع كتاب «قانون الجنايات الجارية أحكامه على من بمملكة تونس» باللغة العبري-عربية في سنة 1277 ه/ 1861، إذ نجد في الصفحة الأخيرة عدد 228 الإشارة إلى أنّ الكتاب «طُبع في مطبعة الدولة التونسية بمدينتها المحميّة سنة 1277». تفنيد هذه الإشارة تفند مزاعم أوزيب فاسال من أن هؤلاء الثلاث قد أنشؤوا أوّل مطبعة بالأحرف العبرية، بما أنّ هذا الكتاب، وكذلك كتاب «قانون الدولة التونسية» الذي طبعوه في سنة 1862، وهو النسخة المترجمة إلى العبري عربية لعهد الأمان الصادر في سبتمبر 1857، طبعا في «مطبعة الدولة التونسية» أي المطبعة الرسمية. وهذه الإشارة تثير الكثير من التساؤلات، وهي هل أنّ المطبعة الرسمية في بداياتها كانت لها مجموعة من الأحرف العبرية، وإن كان الأمر كذلك إن اعتمدنا على تلك الإشارة المذكورة، فكيف وقع التخلي عنها ولمن بيعت فيما بعد. ليس لدينا إلى حدّ الآن وثائق كافية تمكننا من الإجابة عن هذا التساؤل. أما في خصوص لياه الماليح أو المالِك حسب أوزيب فاسال، فإننا لا ندري إلى أي عائلة ينتمي. لكننا نلاحظ أنّ لقبي الماليح (أي الجيد) والمالِك (أي صاحب الأملاك) متواجد لدى يهود تونس، ومتداول لدى اليهود من الأصول القرنية أو الأوروبية، وقد أشار إلى ذلك بول صباغ في كتابه «ألقاب يهود تونس» الصادر عن دار الهارماتان بباريس في جوان 2002، ص. 101، وهو دراسة قيمة عن مجمل ألقاب العائلات اليهودية في تونس وخاصة القرنية منها. ولكن ما يمكننا تأكيده، وحسب الملفات المتعلقة بهذا الشخص المودعة في الأرشيف الوطني بتونس فهو لياه الماليح، إذ كان يمضي بنفسه بهذا الاسم. وهو بالإضافة إلى أنه صاحب مكتبة وناشر، فقد عمل منذ 1863 كاتبا خاصا لأمير الأمراء حسين، وتحول معه إلى إيطاليا لمتابعة قضية تركة القايد نسيم شمامة، ثم تقدم بشكوى ضد الحكومة التونسية مطالبا منذ 1883 بأتعابه التي قدرها ب 50.000 فرنك وبالمصاريف التي تكبدها وقدرها ب 40.000 فرنك (انظر الأرشيف الوطني، السلسلة التاريخية، الحاوية 104، الملف 254). ويظهر أنه توفي في بداية القرن العشرين، لأنّ أوزيب فاسال أشار في كتابه المذكور إلى أنّ تركته أثارت مشكلة قضائية بين فرنسا وإيطاليا بقيت قضيتها عالقة إلى حدود 1907. هذه معلومات إضافية أردنا أن نوفرها للقراء، وهي على كلّ حال لا تنقص من أهمية الكتاب الذي مكننا منه محمد سواعي، باعتباره مرجعا أساسيا لمعرفة أحمد فارس الشدياق وعلاقاته بتونس. وهي دراسة تؤكد لنا أنّ الأرشيف الوطني بتونس يضمّ الكثير من الذخائر والملفات العديدة التي لم يقع بعد استغلالها.