قرّرت جامعة الدول العربية أمس عقد اجتماع لجنة مبادرة السلام العربية يوم الاربعاء المقبل لاتخاذ موقف عربي حول مستجدّات المسار التفاوضي الفلسطيني الصهيوني خاصة بعد إعلان «الوسيط» الأمريكي عن عجزه وضعفه وعدم قدرته على اقناع الجانب الصهيوني بكل الحلول والتنازلات التي قدمت على طاولة التفاوض. ولعلّ أبرز الأحداث التي رافقت الانهيار الأخير للمسار التفاوضي هو اقتناع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بأن المفاوضات تقتضي وجود عامل دعم رئيسي، ولا يمكن التنازل عنه في أي حال من الأحوال وهو المقاومة. ربما يمكن أن نؤكد أن هذا التحول في طريقة تفكير القيادة الفلسطينية يعتبر انجازا كبيرا ينسب الى المماطلة الصهيونية والعجز الأمريكي عن تحريك ريشة من على طاولة المفاوضات إلا بإذن اسرائيلي. ولكن ولسوء طالعنا. فقد أتى حتى هذا التغيير مبتورا نوعا ما وبدت عليه آثار عقود من التفاوض والتنازل حيث بدلا من طرح الخيار الثاني (المقاومة) كاملا، لكي تصبح كل الاحتمالات واردة ويحتفظ الخيار بكل معانيه ومتطلباته ووزنه السياسي سواء على الصعيد الدولي أو الوطني وكل ما يختزله من تاريخ نضالي فلسطيني وعربي. فقد قرر عباس حصر هذا الخيار أيضا في «المقاومة السلبية». وهنا يمكن أن نسأل عن معاني المقاومة السلبية أو المدنية ومتى يمكن أن تصبح عامل ضغط فعلي وليس مجرد بديل مطابق للأصل للمفاوضات العبثية. المقاومة المدنية هي خوض جملة من التحركات والتظاهرات الشعبية السلبية، ويكون المتظاهرون عزلا تماما وهي تعدّ وسيلة فعّالة عندما يكون الهدف منها كسب تأييد دولي لقضية ما، لكن وفي حالتنا هذه قد أثبتت التجارب والتاريخ وكل المقاييس الأخرى أن هذا الخيار يعني المزيد من القتلى العزل لكسب ذلك التأييد الموجود منذ زمن يتجاوز أحيانا أعمار أغلب الساسة الفلسطينيين. كم مظاهرة سلمية يتم قمعها من قبل جنود الاحتلال أسبوعيا. وكم جريحا وشهيدا في تلك المظاهرات؟ هل كان لتلك المظاهرات والمسيرات أثر في مسار التفاوض؟ وكم شهيدا يجب أن تقدم السلطة الفلسطينية في خيار المقاومة السلبية، لكي تقنع المجتمع الدولي بوجوب الاعتراف بالدولة الفلسطينية؟ وهل أن المطلوب هو اقناع المجتمع الدولي أم دفع كيان الاحتلال الى القبول بحلول وضعها المجتمع الدولي أصلا؟ ربما كان من الضروري خاصة في هذه الفترة بالذات أن يلوح عباس بخيار المقاومة، لكن لم يكن خيارا حكيما أبدا أن يحصر مقاومة من رفضوا جميع التنازلات والحلول ومن ارتكبوا ويرتكبون يوميا أبشع المجازر في حق شعبنا الصامد. الحل اليوم هو طرح خيار المقاومة بكل وسائلها ووفق ما يكفله القانون والمجتمع الدوليان لا وفق ما يكفله البقاء في كرسي السلطة والحفاظ على احدى الضفتين، الضفة الغربية أو قطاع غزة. بعد غد سيجد الوزراء العرب أنفسهم أمام خيارين. إما العودة الى المفاوضات غير المباشرة التي اقترحتها أمريكا أو المضي في المقاومة، ولكم تتمنى الأرض المغتصبة أن يقرّر العرب ولو لمرة واحدة بعد سنوات من الذل والهوان العودة الى تقديم دمائهم الزكيّة لتحريرها لا لاقناع المجتمع الدولي.