تونس «الشروق»: اعتبر الدكتور عدنان أبو عامر المحلل الفلسطيني المختص في شؤون الكيان الصهيوني أن العودة الى المفاوضات المباشرة جاءت بطلب أمريكي وبضغط منها على الرئيس «أبومازن» الذي فقد كل أوراقه السياسية العربية والفلسطينية، مؤكدا أن المفاوضات التي انطلقت الخميس الماضي هي مجرد مسرحية من أجل إيهام المجتمع الدولي بأن الرئيس باراك أوباما قادر على القيام ببعض الانجازات. كما أنها جاءت لتمنح كيان الاحتلال المزيد من الوقت لمواصلة مشاريعه الاستيطانية. وأشار الدكتور أبو عامر في حديث مع «الشروق» الى أن حذف خيار المقاومة من الخارطة السياسية الفلسطينية هو ما جعل المفاوضات التي دامت لأكثر من 20 عاما تكون عبثية. ورأى في المقابل أنه على حركات المقاومة أن تتوحد وتستغل الهبة الشعبية لتقطع الطريق على التنازلات التاريخية التي قد تقدمها السلطة الفلسطينية للاسرائيليين وفي ما يلي نص الحوار: دكتور كيف تفسرون عودة الفلسطينيين الى طاولة المفاوضات المباشرة رغم سحب جامعة الدول العربية للغطاء الذي منحته للمفاوضات غير المباشرة ورفض منظمة التحرير؟ أنا أعتقد أن العودة جاءت بطلب وضغوطات أمريكية، فالرئيس باراك أوباما في أزمة خانقة وعلى أبواب انتخابات والكل يعلم أن شعبيته في نزول متواصل منذ توليه الرئاسة. كما أن مستوى آدائه الدولي في تراجع خاصة بعد الهزيمة التي منيت بها القوات الدولية في أفغانستان وحرب العراق والأزمة المالية. أوباما كان يبحث عن أي انجاز ولو كان صوريا ليقنع الناخبين الأمريكيين والمجتمع الدولي بأنه قادر على حلّ القضايا المماثلة، لذلك العودة كانت أمرا لا بد منه بالنسبة له رغم أنها انجاز شكلي لا أكثر. كيف ترون تأثير العودة الى المفاوضات المباشرة في الانقسام الفلسطيني الذي يظهر أنه بدء يتغلغل حتى داخل الحركة نفسها؟ كما سبق وذكرنا فإن قرار العودة الى التفاوض اتخذه شخص واحد دون مراعاة الشروط التي كان من المفترض أن يحترمها الجميع. ومن هنا أعتقد أن حركة «فتح» هي المتضرر الأكبر من تلك العودة، فقد فقدت جزءا كبيرا من قاعدتها اثر اتخاذ القرار وبتلك الطريقة. أرى أن «فتح» لم تضع لنفسها خط رجعة حقيقي مثلما تضع كل الحركات خطوطا لنفسها وبذلك لم تعد هناك حدود لمواقفها. كما أنها ضيقت الخناق على نفسها بجعل خيارها الاستراتيجي المفاوضات واقصاء كل الخيارات الأخرى. ومن هنا كان اشكال عباس «ففتح» لا ترى لنفسها خيارا آخر غير الذهاب الى التفاوض ودون مراعاة الشروط الفلسطينية أو العربية. ما الذي تفهمونه من الموقف العربي تجاه قرار العودة الى المفاوضات المباشرة والذي اكتفى برفض توفير الغطاء لها؟ إذا كانت العودة التي حصلت الأسبوع الماضي تراجعا في المستوى والأداء الفلسطيني فإنها أيضا تعتبر تراجعا كبيرا في الموقف العربي الذي ربط بين العودة الى المفاوضات المباشرة وأن تحقق المفاوضات غير المباشرة التي وفر لها الغطاء نتائج ملموسة، لكن لم يقع الالتزام بهذا الموقف ولم يذهب أحد الى مجلس الأمن مثلما وعدوا واكتفوا برمي الكرة الى عباس وقالوا له تصرف. أنا لا أشك أن هناك دولا عربية تريد أن تكون عرابا للموقف الأمريكي في هذه المفاوضات، لذلك لن يكون غريبا أن نجد نجم المفاوضات في الأيام المقبلة أحد القادة العرب. وإضافة الى ذلك هناك اعتبارات داخلية تجعل بعض الدول ترفض استضافة المفاوضات لكنها لا ترفضها بصفة عامة ومبدئية. منذ اليوم الاول من المفاوضات تبرأت أمريكا من كل الضمانات التي تحدث عنها الجان بالفلسطيني، كيف تفسرون ذلك؟ الأمريكان كما قلت في حالة أزمة خانقة وفي سبتمبر الجاري اتموا 20 شهرا دون نتائج تذكر على كل المستويات. وما يجب ان يعلمه الجميع هنا هو ان أوباما وفي ظل ضعفه الحالي لا يمكن ان يفرض ضغوطا على نتنياهو، لذا فهو يكتفي باستعراض الجانب الاسرائيلي. ومن بين ما تسرب من قاعة المفاوضات ولا يعلمه كثيرون الى حد الآن هو ان الادارة الامريكية أشارت الى موافقة اسرائيلية على صيغة شكلية لتجميد الاستيطان، كما حصل أثناء المفاوضات غير المباشرة. الحقيقة التي يتجاهلها كثيرون ممن يعلقون آمالا على المفاوضات هي أن أمريكا لا تستطيع ان تعطي ضمانات وذلك لاعتبار بسيط وهو ان المفاوضات الجدية هي الوحيد التي انطلقت لا تعدو كونها شكلية او مسرحية، فأمريكا حققت بذلك ما تريد والصهاينة يريدون مفاوضات فقط من اجل التفاوض وليس لتحقيق السلام. اذن فهذه المفاوضات هي من أجل التفاوض لا غير. ما الذي يمكن ان تحقق هذه المفاوضات للجانب الفلسطيني؟ وهل يمكن ان يحصل مفاوضوه على ما يحفظ ماء وجههم؟ إن قرار العودة اتخذ عن طريق الرئيس محمود عباس وهو رجل سياسي لم تعد لديه أوراق في الداخل ومستواه آخذ في الانحدار، كما أن الفلسطينيين على قناعة بأن هذه المفاوضات لن تحقق لهم أي شيء لذلك لم يتوجه أبو مازن اليهم خاصة بعد أن لخص خياراته في واحد فقط وهو التفاوض. داخليا أبو مازن في حالة سياسية ضعيفة ولا يمكن أن يحظى بمفاوضات جدية مع الاسرائيليين ثانيا هو لا يستطيع ممارسة سلطته في قطاع غزة وهو ما يجعله لا يمثل كل الفلسطينيين، إذن فكل ما سيحصل عليه هو مسرحية من أجل أن يربح الصهاينة الوقت. خرج الفلسطينيون يوم الخميس الماضي في مسيرات شملت مختلف الاراضي المحتلة، ماذا يعني ذلك؟ الفلسطينيون فهموا معنى خيار التفاوض منذ عشرين عاما، وهم يعلمون أيضا أن أوباما لا يستطيع أن يعيدهم الى هذا الخيار لانه ضعيف ولا يمكنه الضغط على الاسرائيليين. الفلسطينيون في حالة حيرة والدليل على ذلك التحركات الاخيرة التي قمعتها السلطة الفلسطينية بقوة. كيف يمكن أن تتعامل حركات المقاومة الفلسطينية مع هذا الظرف؟ حركات المقاومة لديها واجب تاريخي في هذا الحال وهو كبح جماح هذه العملية التفاوضية. السلطة الفلسطينية من شأنها أن تقدم على تقديم تنازلات تاريخية في هذه المفاوضات العبثية ومن سيتحمّل مسؤولية ذلك من بعد. إن القوى الفلسطينية مطالبة بوضع حد لهذه المسرحية، وما حصل في الضفة منذ أيام من إطلاق نار على المستوطنين رسالة مفادها أن من يملك الارض والميدان هو من يفاوض ووفق شروطه أيضا. حركات المقاومة مطالبة بمحاولة تجنيد الرأي العام ضد ما يحصل، وقبل ذلك هي مطالبة بالتوحد على قاعدة صيغة توافقية تعيد تجميعهم. المطلوب اليوم العودة الى الخيارين المفاوضات والمقاومة وليس أحدهما فقط.