يستمر الحديث عن فوائد البرمجيات الحرة ودورها في تنمية ميدان التقنيات الحديثة في تونس، لكن على مستوى الواقع ما تزال البرمجيات الجاهزة مدفوعة الثمن هي الأكثر انتشارا في تونس رغم جهود الدولة في هذا المجال ومنها بعث كتابة دولة خاصة بالبرمجيات الحرة بالإضافة إلى جملة من الإجراءات التشجيعية والحوافز على النهوض بهذا القطاع. وللتذكير، نوضح أن البرمجيات الحرة والمفتوحة هي برامج إعلامية عادية، إنما مجانية، وهي تتميز بفتح لغة برمجتها للعموم، أي أنه بإمكان أي متخصص أو هاو في البرمجة أن يأخذ النسخة الأصلية ويطورها ويضيف إليها على عكس برمجيات «مايكروسوفت» أو «آبل»، التي تباع مغلقة ومحمية الحقوق بالقانون الدولي. لذلك فإن البرامج الحرة تعتبر ثمرة جهود جماعية عبر العالم والبعض يتحمس لها نكاية في البرامج التجارية التي تحتكر قرابة 95 بالمائة من أنظمة التشغيل في العالم وتعتمد على حملات إشهار جبارة. وكل ما يطلبه المبرمجون الذين يتحمسون لكل ما هو حر ومجاني هو تقاسم الجهود ونتائج التطوير مجانا على شبكة الانترنيت حيث يمكن تحميل آخر النسخ من هذه البرمجيات مجانا. ومن أشهر البرمجيات المفتوحة نظام التشغيل المجاني «لونكس» المنافس الأول لنظام تشغيل «مايكروسوفت» «ويندوز»، و«أوبن أفيس» المتخصص في المكتبية والمنافس الأول لبرنامج «أوفيس» الذي تبيعه «مايكروسوفت»، هذا بالإضافة إلى المئات من البرامج الأخرى في مختلف مجالات الإعلامية. وتعمل العديد من الدول والمجتمعات على تطوير مثل هذه البرمجيات ليس فقط لأنها مجانية، بل خصوصا لما توفره من تكوين وتحكم عال في هندسة الإعلامية، بالإضافة إلى الصلابة والمتانة الكبيرة لأن تصميمها يمكن مشغلها من التحكم في كل الثغرات. ومن شأن المجتمعات التي طورت البرمجيات الحرة أن تفسح المجال لتطوير برامج خاصة كثيرة وذات قيمة مالية كبيرة. وفي تونس، يعود اهتمام الدولة بالبرمجيات الحرة إلى بداية الألفية، غير أن الجهود الكبيرة التي تبذلها مختلف المصالح الحكومية والجامعات، ما تزال لم تعط أكلها. وكانت السيدة لمياء الشافعي الصغير، كاتبة الدولة للإعلامية قد أعلنت منذ عام عن تخصيص مساحة 200 ألف متر مربع مهيأة ومجهزة لتطوير البرمجيات الحرة، كما أعلنت كتابة الدولة عن تخصيص جائزة سنوية لأفضل مشروع تونسي في مجال البرمجيات الحرة. كما أمرت بإجراء دراسة ميدانية تشمل عددا كبيرا من المؤسسات التونسية الحكومية والخاصة حول آفاق استعمال هذه البرمجيات. لكن الواقع أن النقلة أو ما يسميه المختصون في الإعلامية «الهجرة نحو البرمجيات الحرة» لم يحدث بعد، وفي هذا المجال نذكر أن الدولة قد أمضت مؤخرا على عقد استغلال مع «مايكروسوفت» بلغت قيمته 20 مليون دينار، ويقول إطار حكومي متخصص عن هذه الصفقة: «الدولة مضطرة لذلك، وليس من السهل إنجاز الهجرة التي تتحدث عنها نحو البرمجيات الحرة، الدولة تشجع على تعليم ونشر هذه البرمجيات، لكنها بحاجة الى تشغيل حواسيبها فورا، لذلك تمر عبر «مايكروسوفت» مثل أغلب دول العالم». وجاء في إحصاء يقوم به موقع«dudalibre.com» اعتمادا على الحواسيب التي تتصل بشبكة الانترنيت أن في تونس هناك 175 حاسوبا فقط يعمل بنظام «لونكس»، أي نسبة 0.1 بالمائة من عدد الحواسيب الجملية وهو رقم ليس بعيدا عن معدل العالم العربي. ويجب التوضيح هنا أن نظام «لونكس»، ليس موجها في الأصل إلى عموم الناس أو إلى المستعمل البسيط الذي لا تتجاوز حاجياته اليومية الأعمال المكتبية والانترنيت أو معالجة الصور، بل هو موجه خصوصا الى تشغيل الشبكات وهندسة المعلومات، بالإضافة إلى أنه يتطلب جملة من المعارف العميقة في الإعلامية، لذلك لا يمكن الاعتداد بهذه الإحصائيات إلى حد كبير. والحقيقة أن بعض المعلومات التي تتسرب من بعض المؤسسات العمومية تبعث على التفاؤل، مثل الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية الذي يشغل منذ أعوام عددا من حواسيبه على نظام «لونكس»، أو الشركة التونسية للكهرباء والغاز التي اعتمدت منذ مدة على نظام «لونكس» مع موزع أباش، وهي كلها برمجيات حرة ومجانية. أما في القطاع الخاص، فقد ظهرت في الأعوام الأخيرة مؤسسات تونسية رائدة في مجال تطوير البرمجيات والحلول الإعلامية اعتمادا على البرمجيات الحرة، وإحدى هذه المؤسسات تقول في موقعها على الشبكة إن نسبة 60 بالمائة من منتوجاتها تعمل وفق هذه البرمجيات. ويقول أحد أساتذة هندسة الإعلامية بتونس إن نسبة كبيرة من الطلبة في تونس يختارون التوجه نحو البرمجيات الحرة والمفتوحة خصوصا وهي تفتح لهم الباب واسعا في مجال تطوير تطبيقات لهواتف الجيل الثالث التي ملأت الدنيا وتستعد لتتخذ موقعا واسعا في حياة الناس.