قالت السيدة لمياء الشافعي الصغير كاتبة الدولة المكلفة بالإعلامية والانترنيت والبرمجيات الحرة إن الدولة التونسية تعمل على تنفيذ خطة طموحة لإيصال الانترنيت ذات التدفق العالي إلى نصف العائلات التونسية في موفى عام 2014 ونشر الألياف البصرية في شبكات الاتصال في تونس. جاء ذلك في افتتاح الدورة السادسة من الندوة الوطنية حول البرمجيات الحرة التي جاءت هذه المرة تحت عنوان «الذكاء الجماعي لبناء مجتمع المعرفة والتجديد»، وسط حضور كثيف من أصحاب مؤسسات الإعلامية والمسؤولين الإداريين والباحثين الجامعيين والطلبة وهو ما أسعد كثيرا السيد «مارك شوتلورث» مؤسس نظام «أوبنتو» المجاني والمفتوح والذي دعته وزارة تكنولوجيات الاتصال ليتحدث عن تجربته في هذه الندوة. وقالت كاتبة الدولة إن تونس تمر بمرحلة حساسة وجديدة تعتمد فيها على صناعة الذكاء لتحقيق النمو الاقتصادي، وأن الدولة قد أعدت خطة وطنية لتشجيع البرمجيات الحرة تقوم على عدة محاور منها تطوير التدفق العالي في تونس وتوفير الظروف الملائمة لتطوير صناعة المحتوى، وتوسيع مساحات الأقطاب التقنية وإنشاء قطب تقني في كل ولاية. كما ذكرت بأن عدة مصالح حكومية مثل الصحة والتعليم قد اعتمدت البرمجيات الحرة في تشغيل حواسيبها وتطبيقاتها. ودعت كاتبة الدولة في مختلف فقرات تدخلها الشباب خصوصا لاغتنام الفرصة والمساهمة في هذا الانتقال نحو مجتمع الذكاء. وبدا السيد مارك شوتلورث مؤسس نظام أوبنتو (أنظر المقال الخاص به) سعيدا جدا بالحضور الذي يكشف عن اهتمام كبير بالبرمجيات الحرة والمفتوحة، مذكرا أنه يمثل جيل الشباب (من مواليد 1973) في السنة الدولية للشباب، وأن الكثير من طموحاته وهو يطور برنامجه الشهير هي التعاون مع بلدان شمال إفريقيا، لذلك يحس بالسعادة لوجوده في تونس حيث يكتشف العناية الكبيرة التي توليها الدولة والمختصون في الإعلامية للبرمجيات الحرة. أحاديث جانبية وعلى هامش الندوة، دارت أحاديث كثيرة عن مستقبل البرمجيات الحرة في تونس ودورها في صناعة الذكاء، خصوصا في ظل فتح سوق تطوير برمجيات الهاتف الجوال في تونس وإعلان عدة مشغلي هاتف عن مشاريع لتشجيع المبرمجين. وقال موزع أحد أشهر علامات الحواسيب للشروق إن مؤسسته تقدم مجانا نسخة مثبتة من نظام لونكس، لكن أغلب الحرفاء ينتهون إلى إلغائها لنقص ثقافة الإعلامية لديهم ولنقص التطبيقات التي تشتغل عليها، ثم يلجأون إلى نظام مايكروسوفت لتوفر التطبيقات في كل مكان في تونس وبأسعار لا تقبل المنافسة. غير أن أستاذا جامعيا متخصصا في الإعلامية قال لنا: «الدور الآن على المؤسسات العمومية والخاصة، لفسح المجال أمام البرمجيات الحرة، حيث يمكن للجامعيين والباحثين والطلبة التونسيين أن يطوروا تطبيقات قوية وصلبة اعتمادا على البرمجيات المجانية». ويقدم هذا الأستاذ نماذج عن ذلك مثل التعليم الذي يستعد وفق البرامج الحكومية للانتقال الكامل تدريجيا نحو اعتماد الإعلامية، وكذلك تطبيقات مراكز النداء أو الهاتف الجوال وأنظمة التصرف بمختلف أنواعها، كما يذكر أن العديد من المؤسسات العمومية قد بادرت بتطوير وتبني برمجيات حرة. تونس رائدة ومثل استدعاء مارك شوتلورث مفاجأة سعيدة للمشاركين في هذه الندوة، فهو يكاد يصبح أسطورة في عالم الإعلامية والانترنيت، كما يمثل أنموذجا ناجحا لكل شباب الإعلامية وتطوير البرمجيات في العالم منذ أن كان عمره 22 عاما حين أسس شركة للسلامة المعلوماتية في جنوب إفريقيا. وفي 2004 أطلق نسخة جديدة من نظام لونكس المفتوح والمجاني والمنافس لنظام ويندوز المغلق ومدفوع الأجر، وأطلق على نسخته المجانية اسم «أوبنتو» التي تعني بلغة السكان الأصليين في جنوب إفريقيا «الإنسانية»، أو «أنا كإنسان» فلقيت ترحيبا كبيرا في عالم الإعلامية واعتمدتها العديد من المؤسسات التجارية الرائدة على مستوى العالم مثل محرك البحث غوغل. وفي الأعوام الأخيرة، أصبح مارك شوتلورث نجم منتديات تطوير البرمجيات الحرة في العالم، حتى أنه في عام 2002 شارك في رحلة إلى الفضاء وقضى عشرة أيام في المحطة الدولية للعمل على تطبيقات إعلامية هناك. وأبدى مارك شوتلورث إعجابه بما اكتشفه من مراهنة الدولة على البرمجيات الحرة مؤكدا أن ذلك سوف يعطي ثماره خلال خمس سنوات على الأكثر وقال: «سوف تصبح تونس بلدا رائدا في هذا المجال، ولكم مني كل الدعم والتشجيع». وكان لابد أن يطرح السؤال المحرج على السيد مارك شوتلورث: كيف يمكن أن تعيش المؤسسة التي تطور برامج مجانية ؟ طريق تونس يقول السيد شوتلورث إن ثمن البرنامج في حد ذاته ليس مهما، بل المهم هي الخدمات التي تباع معه في ما بعد ومنها تكوين الإطارات التي سوف تشغل تلك البرمجيات، وبيع الاستشارات للمؤسسات. وفي حوارات أخرى، كان السيد شوتلورث قد ذكر أن مؤسسته تعيش من التحالف مع العديد من صانعي الحواسيب لتصميم برمجيات خفيفة ومتلائمة مع كل نوع من أنواع الحرفاء، ومن تقديم الاستشارات لكبريات المؤسسات العالمية التي تشغل حواسيبها ببرمجيات حرة. كما سئل عن أفضل الطرق لنشر البرمجيات الحرة في تونس فقال: «أول شيء هو نشر الانترنيت ذات التدفق العالي للجميع حتى تقدر المؤسسات التونسية على مواجهة منافسيها في أوكرانيا أو أي مكان آخر على قدم المساواة، والبنية التحتية المناسبة وهو ما هو متوفر في تونس. ثم إقرار البرمجيات الحرة في التعليم بمخلف مراحله ليتوفر المجال للشباب لممارسة التطبيق». وكرر السيد شوتلورث أنه يعتقد أن تونس سوف تحقق قفزة كبيرة خلال خمس سنوات في مجال صناعة الذكاء. أعادتنا كلماته إلى محور الندوة وهو «الذكاء الجماعي لبناء مجتمع المعرفة والتجديد»، خصوصا وقد جددت السيدة لمياء الشافعي الصغير كاتبة الدولة للإعلامية والبرمجيات الحرة التذكير بأول جائزة تونسية لأفضل تطوير في هذا الميدان والتي سيتم الإعلان عنها إثر الندوة مباشرة.