يتناقص عدد محلات الانترنيت العمومية، ويتناقص مع كل شهر عدد الموظفين فيها مع تناقص مردوديتها، وهي رغم ما قيل عن هشاشتها تظل توفر مواقع شغل هي بصدد الضياع بعد وعود كبيرة في هذا القطاع، خصوصا لحاملي الشهائد العليا. يقول لي صديق يشتغل في محل أنترنيت عمومي بإحدى الضواحي الشمالية للعاصمة: «إننا نغرق، نغرق في الديون وفي تقادم المعدات وفي ظروف العمل التي لم تعد تجلب الناس، بعد محلات التاكسيفون ها أن محلات الانترنيت على باب الإفلاس». قبل ذلك، أخذني محدثي في جولة عبر العديد من المقاهي والأماكن العامة في العاصمة وبعض ضواحيها، وفي قلب العاصمة، يمكن تلقي إشارات التدفق العالي لشبكة الانترنيت في العديد من المقاهي والمطاعم، مجانا للحرفاء وحتى للعابرين. يعتمد محدثي على جهاز هاتف جوال من الجيل الثالث لالتقاط نقاط البث مجانا حتى في الشارع للنفاذ إلى شبكة الانترنيت. كما أن أغلب النزل حتى المتوسطة منها أصبحت توفر الارتباط بالانترنيت مجانا لحرفائها ولعابري السبيل. انخفاض محدثي الذي هو حاصل على الأستاذية في الإعلامية بتونس يقول معلقا على ذلك: «ننظر طبعا بكثير من الفخر إلى انتشار الانترنيت ذات التدفق العالي في بلادنا، كما نفخر بأسعارها المنخفضة أو المجانية في المقاهي والنزل، لكننا نحن أصحاب محلات الانترنيت العمومية لم نعد نجد نصيبا في ما يحدث، لم يفكر أحد في أمرنا». يفسر لي كيف أن ثمن ساعة الانترنيت في المحلات العمومية أصبحت لا تكفي لسداد كلفة تشغيل المحل، والحرفاء تناقصوا أصلا إلى حد كبير، «لنقل إنهم انخفضوا إلى النصف مقارنة بعام 2000»، يقول لي بأسى قبل أن يضيف أنه من النادر أن يقدر صاحب محل عمومي للانترنيت على تجديد أسطول الآلات التي أصبحت متهالكة وكثيرة العطب لعدم توفر التمويل وحتى الجدوى. «ما فائدة أن تنفق عشرة آلاف دينار لتجديد آلات لن توفر ثمنها حتى في أربعة أعوام، ثم إن أغلبنا يرزح تحت الديون المتراكمة منذ أعوام ؟». أما على مستوى الأرقام فقد انخفض عدد هذه المحلات من 400 عام 2004 إلى 173 عام 2007. والواقع أن أغلبها يصارع ببسالة للاستمرار وسداد الديون. توجد حالات حسنة قرب المؤسسات الجامعية والثانوية والمبيتات، خصوصا إذا كانت كلفة الكراء معقولة. يضيف محدثنا: «مع كل تخفيض جديد لنظم الانخراط ذي التدفق العالي للانترنيت في تونس، يزداد أصحاب المحلات العمومية للانترنيت اكتئابا وخوفا من المستقبل». التدفق تعاني أغلب محلات الانترنيت العمومية من تقادم الحواسيب وبقية المعدات، وخصوصا اضطراب نسق التدفق والارتباط بالشبكة. يقول لنا أحد المشرفين على محل للانترنيت في العاصمة: «12 حاسوبا تتقاسم 2 ميغا بايت لا غير، لذلك يطول انتظار المستعمل هنا. تذكر أن أغلب الناس يتمتعون بنسبة 2 ميغا في بيوتهم لحاسوب واحد». صاحب هذا المحل اضطر للتخلي عن شابين من خريجي الجامعة كانا يساعدانه في العمل، يقدمان المساعدة والإرشاد لمن تنقصهم المعرفة، ينظمون الصفوف أيام كان الطلبة والموظفون ينتظرون في صفوف أمام الحواسيب. يقول عن الوضع اليوم: «لم أعد أجد دخلا شهريا مناسبا حتى لي، لكني مضطر للمواصلة لسداد ديون المشروع». كما يعترف أنه انخرط في عمليات البحث في الانترنيت للتلاميذ عما يطلبه الأساتذة وطبعها لهم، «عندي ملفات كثيرة للبيع للتلاميذ بعد أن أصبحت أعرف ما يريدون» يقول لنا. وتبدو نسبة التدفق أهم مشكل تواجهه محلات الانترنيت العمومية في تونس. بعضها ما يزال يدفع تكاليف خيالية مقابل الحصول على خدمة الخط الخاص، فيما انخفضت كلفة الارتباط بالانترنيت للعموم إلى حدود رمزية، وارتفعت نسبة التدفق إلى 4 ميغا بايت وهو ما يجعل من انتظار وصول صفحات الانترنيت أمام حاسوب قديم عملية غير مشجعة لا يقدم عليها إلا المضطر. أما محدثنا الذي قادنا في الحديث عن هذا الموضوع، فقد كشف لنا أن محلات الانترنيت العمومية في دول مماثلة لتونس ما تزال تمثل مجالا اقتصاديا ناجحا ومهما... تجارب للانقاذ يذكر محدثنا أن العديد من الدول العربية توفر لأصحاب محلات الانترنيت تدفقا استثنائيا يجعلهم يفضلون هذه المحلات على بيوتهم. «قوة التدفق هي أهم شيء، وهي التي تضمن نجاح المشروع» كما يقول. أما في الدول المتقدمة، فإن هذه المحلات تنظم مسابقات الألعاب عبر شبكة الانترنيت اعتمادا على قوة تدفق خرافية تبلغ 30 ميغا بايت في الثانية، وهو ما يجعلها قبلة الشباب الباحث عن السرعة والتواصل مع الآخرين في الوقت الحقيقي. في البرتغال مثلا، تشغل محلات الانترنيت العمومية أكثر من 30 ألف شخص وهي تتميز بتنوع خدماتها ولا تقتصر على الارتباط بالشبكة، بل تتنافس في عرض أحد البرامج والألعاب والأفلام، كما تبيع العديد من مكملات الحواسيب لتكون بذلك مشروعا متكاملا. وحول عدم تنوع خدمات هذه المحلات في تونس لإنقاذ نفسها، يقول محدثنا: «أغلبنا غارق في الديون، والحل يبدأ من جدولة هذه الديون أو تمتيعنا بعفو جزئي عن بعضها حتى يفتح لنا باب الأمل على الأقل. ثم إننا بحاجة إلى معالجة مسألة العقود التي تربطنا بمؤسسة اتصالات تونس، نحو صيغة تفاضلية تمكننا من توفير خدمة أقل كلفة». «إننا نغرق كما غرقت قبلنا محلات التاكسيفون، رغم أن الحل موجود وهو صيغة تجارية خاصة مع اتصالات تونس وغيرها من المتدخلين في مجال الانترنيت، مع توفير تدفق خاص قوي، عندها سوف تفي محلات الانترنيت بوعودها في التشغيل، تشغيل ما لا يقل عن 10 آلاف شخص جامعي».