عرفته طفلة في منزلنا في دمشق، كانت تربطه بوالدي صداقة حميمة، ثم توطدت صداقتنا عندما كان مسؤولاً عن دائرة الثقافة والإعلام في تونس، التي جمعت أهم الأسماء الثقافية الفلسطينية،وكان الوسيط لإستقدامهم إلى تونس، تعودت لقاءه كل يوم جمعة حول فنجان قهوة بالهيل في مكتبه، أذكر حين عارض أوسلو وخرج من اللجنة التنفيذية، تغيب فترة عن الدائرة، هاتفني الصديق الشاعر وليد خزندار ليعلمني أن عبد الله الحوراني عاد إلى تونس، ذهبت لأسلم عليه، وأنا اصعد السلم للطابق الأول حيث مكتبه، إعترضني أحد الشعراء الشبان الذي عمل عبد الله الحوراني جاهداً لمساعدته في القدوم إلى تونس والإقامة، سألني : وين رايحة، أجبت : عند أبو منيف. قال : يالله شو بدك فيه صار برة، أجبته : لأنه صار برة أنا رايحة لعنده، وكأن الوضع المنقسم والمصالح الشخصية بدأت منذ ذاك، بعد رحيله من تونس إلتقينا عديد المرات عبر العواصم العربية، لكنني رغم مرضه لم أتوقع رحيله، رغم أن الرحيل أصبح عادة، لكننا ننسى أن الموت حق وأنها قدر كل بشري، نرفض التفكير أن من نحب ونحترم لا يمكن أن يرحل فجأة، فنؤجل... نؤجل ما لدينا من قول وكل ما نريد أن نسأل، هاتفني منذ فترة قصيرة يسأل عن عنواني الجديد ليرسل لي كتابه الأخير (فلسطين في حياة عبد الناصر، يروى فيه جمال عبد الناصر، الشاب والضابط الثائر المقاتل والزعيم السياسي المفكر، قائد ثورة 23 يوليو 1952 في مصر، لم يكن فقط مجرد رئيس بين الرؤساء, وقائد مصري عربي عالمي بين القادة، الذين ساقتهم الأقدار إلي الانغماس في معارك تحررية وتنموية جبارة في دنيا العرب عموماً وفي غمرة الصراع ضد قوى الاستعمار والصهيونية بخاصة. . بل كان ظاهرة متفردة. . نسيجاً وحده.. من قماشة قيادية كارزمية صنعها التاريخ وساهمت في صنع التاريخ) وخبرني أيضاً أنه سيكمل كتاباً عن صدام حسين ويبحث عن ناشر لأنه لا يملك مالاً لنشره، لم أطل المكالمة وإختصرت الحديث على أساس أننا سنتقابل في مصر أو الأردن خلال سفري المقبل. كم كنت أتمنى أن يحضر عبد الله أسمى إنجازات مشاريعه: وهو تأسيس حركة قومية موحدة تمتد من موريتانيا الى عمان، تقود الجماهير نحو النصر بعد التخلص من تشرذم الطائفية والتطرف الديني اللذان ضربا الأمة في الصميم وحولا الصراعات التحررية الى صراعات طائفية وعرقية وعشائرية وجهوية. كان ومازال بالنسبة له الحل القومي هو الخيار الناجح الوحيد لأزمة الأمة العربية. في زمن تشتتت فيه الرؤى وتناقضت المواقف كتب عبد الله الحوراني مقالات تحت عنوان «حين يتحول تمر العراق إلى جمر» كان يتحدث بمنطق جيل الثورة والتحدي الذي امتشق سيفه في الخمسينيات وقاد الامة الى اعظم انتصاراتها، وغير مجرى التاريخ الحديث، بصعود عبد الناصر بعد العداون الثلاثي على مصر، وتلاقي البعث وعبد الناصر على طريق بعث الامة العربية وتوحيدها وتحقيق نهضتها الحديثة. وكان عبد الله من مناضلي البعث الذين تنقلوا من قطر الى آخر وهم ينشرون الفكر القومي العربي، وفي مصر عبد الناصر كان عبد الله طالباً مع رفاق له شارك بعضهم برسم خطوات التاريخ ومنهم صدام حسين الذي كان مسؤول عبد الله في الحزب، ومن ثورة الطلاب إلى الثورة الفلسطينية التي شارك فيها مناضلاً صلباً متمسكاً بالمبادئ القومية وبالكفاح المسلح بصفته طريق التحرير وليس المساومات والحلول السلمية. بعد هزيمة حزيران عام 1967 قدم عبد الله الحوراني استقالته من وظيفته كمدير عام للاذاعة والتلفزيون في سوريا، وكان قراره منسجماً مع قناعاته، فالمسؤول الذي قاد حملة التبشير بالنصر، لا يستطيع أن يقدم تبريرات للهزيمة. لقد رفض عبد الله الحوراني أن يدخل في دوّامة المحاور والصراعات والانقسامات الفلسطينية التي ترتبت عن اتفاقية أوسلو، وبقي يعمل ليل نهار من غزّة ومن عمّان لرأب الصدع الفلسطيني وإعادة اللحمة والحياة إلى منظمة التحرير الفلسطينية وإلى ثوابتها الوطنية في التحرير والعودة. كان شديداً حازماً في عمله وحياته حتى قال عنه محمد الماغوط مازحاً عندما كان مديراً للإذاعة والتلفزيون السوري: «إنه سيكون سعيداً بتحرير فلسطين لا حباً في فلسطين بل للتخلص من عبد الله الحوراني وصرامته، هكذا سيعود إلى بلاده ونرتاح منه». كان عبد الله الحوراني ( أبو منيف ) أباً لأربعة أولاد من مواليد قرية المسمية في غزة. . أكمل دراسته الإعدادية والثانوية في قطاع غزة. حاصل على الإجازة الجامعية في الآداب. بدأ تجربته النضالية أواسط الخمسينات في التصدي لمشاريع توطين اللاجئين، ثم ضد الاحتلال الصهيوني لقطاع غزة عام 1956 في العدوان الثلاثي، واعتقل لفترة. عمل في مجال التدريس، مدرساً ثم مديراً لمدرسة في مخيم اللاجئين بخان يونس، وعرفت باسمه حتى الآن، بسبب دورها في النشاط الوطني. أُبعد من قطاع غزة عام 1963 بسبب نشاطه السياسي. عمل في دبي في مجال التدريس لمدة سنتين، من 63 1965، ثم أبعد منها ورحل بسبب نشاطه السياسي أيضاً، حيث كانت دبي تخضع لسلطة المعتمد البريطاني. عمل في سوريا في حقل الإعلام وكان مديرا لإذاعة فلسطين ثم مديرا لهيئة الإذاعة والتليفزيون السوري، ثم مديرا عاما لمعهد الإعلام بسوريا ثم التحق بالثورة. عمل مديرا عاما لدائرة الإعلام والتوجيه القومي منذ 1969 ثم عضوا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية من 1984 – 1996. رأس وأسس الدائرة الثقافية في منظمة التحرير الفلسطينية، وأشرف على كل الأنشطة الثقافية الفلسطينية. عارض أوسلو وخرج من اللجنة التنفيذية بناءً على ذلك. لكنه لم يغادر منظمة التحرير، فهو رئيس اللجنة السياسية في المجلس الوطني الفلسطيني. أسس المركز القومي للدراسات والتوثيق في غزة / فلسطين ويتولى رئاسته. مهتم بالقضايا القومية، فكرياً وسياسياً، وجل نشاطه في مجال الكتابة والندوات والمحاضرات، والمؤتمرات القومية، مكرس لهذه القضايا. وله عدة مؤلفات في هذا المجال. في التاسع والعشرين من تشرين الثاني، ذكرى تقسيم فلسطين، رحل ابو منيف وهو موزع القلب بين القدس وبغداد. رحل وهو منهمك في إعداد مشروعه الاخير : توحيد القوى القومية العربية، في اطار جبهة واحدة على مستوى الوطن العربي، والذي بدأ العمل به منذ بضع سنوات، وهو يرى ضخامة الهجوم المعادي على الامة العربية بعد غزو العراق وتعدد الاطراف المشاركة فيه مقابل تشتت القوى القومية العربية وعدم توحدها.