بقلم: فاطمة بن عبد الله الكراي «خذلنا الحسين (بن علي)... وظللنا نبكيه 14 قرنا... والآن ها نحن نخذل العراق... لكن سنبكيه الدهر كله»... على وقع هذه الكلمات، ودعت عبد الله الحوراني، المناضل القومي، الذي صادق وصدق مع كل العرب... وكل الفصائل الفلسطينية، ديدنه الوفاء إلى الأمة... ومقت أعداء الأمة... كنت التقيته وقتها، في العراق... أسابيع قبل الحرب والإحتلال في 2003... بعد الحوار الصحفي الذي أجريته معه لفائدة «الشروق» بدا «أبو منيف» منزعجا... متألما يحمل على كتفيه تراجيديا الأمة... تراجيديا هي بقياس الموازين أثقل من حجرة سيزيف... قال لي تلك الكلمات، التي تحولت إلى عنوان رئيس، لحوار عن العراق وما ينتظره وقتها... فكان الحوراني أن وصف وضع العراق... ومواقف العرب، الذين أضاعوا العراق تماما كما أضاعوا فلسطين وصفا مؤلما.. ومحزنا وحقيقيا.. غالب الوضع الفلسطيني ووضع الأمة الذي ازداد تشرذما... فغلبه الغبن... وعصف بكيانه المرهف... تجاه كل أذى أصاب أو يمكن أن يصيب الأمة... لا يتملكه الغرور، حين يناصر الأمة بالبرهان، ولكنه ينفرد بسمة خاصة، هو أنه يلبس آلام الأمة... وتقصير العرب لبوسا... بحيث لا يتوانى في أن يقول ما قاله من أننا كعرب نخذل العراق... كما خذلنا الحسين حتى وان كان بريئا من هذه التهمة... فهو يتحمّلها... الأستاذ عبد الله الحوراني، وضع حدا لتواجده المؤسساتي ضمن قيادة م ت ف، عندما تم إمضاء «إتفاقيات أوسلو عام 1993»... فقد تربى على مبدإ ونضال حق العودة إلى «يافا» أين ولد، بقرية من قراها «المسمية»... لجأت عائلته إلى غزة إبان النكبة الكبرى في 1948، وكان عمره عشر سنوات... فتماهى مع «سيزيف» وجعل من قضية فلسطين قضية كل العرب... وآمن بأن كل قضية عربية هي قضية فلسطين... بإحساسه المرهف، كقومي حالم... دونه والتحرير الكامل لفلسطين، عمل بالشام... كأول مدير عام للإذاعة السورية... فانتقل من التعليم إلى الإعلام... يرنو من خلال رسالة إعلامية شريفة ومناضلة، إلى تحرير القلم... وتحرير العقل... في أحد اللقاءات الأخرى، والحوارات الكثيرة، التي أجرتها معه صحيفتنا «الشروق» بصفته مناضلا ومسؤولا فلسطينيا وصديق «دار الأنوار»، كان الموضوع المتناول في الحوار، يخص نكسة 1967، فقال لي في معرض إجابته عن سؤال حول الهم القومي من 1948 إلى 1967، وهما تاريخا، احتلال فلسطين، إنه ولما ضربت القوات الصهيونية محطة الإذاعة المصرية بالقاهرة «تناولت» «الميكروفون» في إذاعة دمشق وقلت : هنا القاهرة...» كان الحوراني يروي هذه الحادثة التي تدلل مدى الإلتحام الذي كان يحدث بين أجزاء الأمة وكامل جسمها، تغرورق عيناه بالدموع... كما الطفل الذي خرج لتوه من «يافا» لاجئا... من وطنه، وطن كل العرب : فلسطين... آخر مكالمة لي، مع الفقيد العزيز، كانت منذ 3 أسابيع، لما كانت قافلة «شريان الحياة» تلج التراب الفلسطيني عبر غزة... كان الرجل يتهيأ للقدوم إلى تونس... وإلى جريدة «الشروق» لينزل ضيفا عزيزا علينا... ولكنه اعتذر وقال لي إنه أحس بوعكة صحية... وأنه قادم إن شاء الله إلى تونس التي أحبها كما لم يحب بلدا قبلها... شاءت الأقدار أن يفارقنا المناضل العزيز... صديق كل الفصائل الفلسطينية المناضلة، يوم ذكرى صدور قرار التقسيم 181، الذي رفضه حد الممات... رحم الله الفقيد العزيز، وقد ترك لنا جميعا... أثرا... طيّبا... سواء كان ذلك في مستوى سيرته أو في مستوى كتاباته... ومؤلفاته العديدة... التي تركها بين أيدينا... تصويب في ركن (نصف الكلام) من عدد «الشروق» ليوم أمس الصفحة 10، تسرب خطأ مطبعي في الفقرة الأخيرة من مقال «اليوم ذكرى تقسيم فلسطين: فأين هي فلسطين؟»، أن قرار التقسيم هذا جاء ليؤكد (...) ثورة فلسطين، والصواب أن القرار جاء ليئد (...) ثورة فلسطين التي انطلقت مسلّحة في وجه الاحتلال البريطاني.. لذلك وجب التصويب والاعتذار..