منذ إنجاز السباح التونسي علي الغربي في 1975 ظلّت تونس تنتظر سنوات طويلة قبل أن تتمكن من صناعة بطل آخر في السباحة هو أسامة الملولي صاحب ذهبية بيكين في الألعاب الأولمبية سنة 2008 وبطل العالم في روما 2009 وبطل العالم في دبي منذ أيام بإحرازه الميدالية الذهبية في اختصاص 1500م. والملفت للانتباه أن اسم الملولي أصبح يحتكر حاليا الأضواء في دلالة واضحة على أننا لا نملك في تونس من هو قادر على حمل الراية الوطنية في السباحة باستثناء أسامة لكن الأمل يبقى قائما في السباح المثلوثي أو تقي المرابط، أو سارة لجنف. إن السؤال المطروح في خضم نشوتنا بفوز الملولي لماذا عجزنا الى حدّ الآن عن «صناعة» بطل آخر في قيمة الملولي..؟ كيف يمكن أن نصنع أبطالا آخرين في هذه الرياضة؟ وأيّ مستقبل لها في تونس؟ السباحة موهبة طبيعية ولكن... حسب بعض المعلومات التي تحصلنا عليها من مصدر مسؤول في الجامعية، فإن التونسي مؤهل بطبعه للتألق في رياضة السباحة وخاصة المسافات الطويلة وذلك وفق دراسات علمية وهو ما يفسّر تألق علي الغربي ومن بعده أسامة الملولي في اختصاصات المسافات الطويلة (1500م).. لكن رغم ذلك لم نستثمر هذه الموهبة الطبيعية المرتبطة بطول مسافة السواحل التونسية التي تمكن من اكتشاف العديد من المواهب والسبب في ذلك قلة المسابح مما جعل هذه المواهب لا تجد الاطار المناسب لصقل مواهبها. مشكلة المسابح حسب الاحصائيات الرسمية فإن عدد المسابح في تونس يبلغ 14 مسبحا مغطى و23 مسبحا في الهواء الطلق غير أن مصدرا في الجامعة أكد ل«الشروق» أن 14 مسبحا فقط من بين 37 صالحة للاستعمال وفي وضع استخدام في الوقت الحالي في حين أن البقية إما معطلة أو تنقصها التجهيزات الضرورية لتكون في المستوى.. هنا نطرح مشكلة أخرى تتمثل في ارتفاع تكلفة بناء المسبح الواحد والتي تصل الى 5 مليارات في حين أن كلفة استعمال المحروقات والغاز الطبيعي لتسخين المياه والتدفئة بالمسبح الواحد سنويا تقدر ب120 مليونا. أمام هذه المشكلة لم يجد السباحون المجال لصقل مواهبهم وتراجع عدد المجازين الذي بلغ أكثر من 5000 في 32 ناديا. وبالعودة الى مشكلة البناء والتهيئة نشير الى أن وزارة الشباب والرياضة وفي معرض حديثها وتحليلها لهذا الوضع، أشارت الى ضعف الموارد المالية للبلديات وعدم قدرتها على مجابهة مصاريف التسيير والصيانة إضافة الى ضعف العناية والصيانة وقلة المردودية المالية المتأتية من استغلال المسابح نظرا للصبغة شبه المجانية للاستغلال والتي لا تتلاءم مع الكلفة الحقيقية لتسيير مسبح رياضي. تطوير منظومة النخبة الوطنية السباحة هي من أهم الرياضات على مستوى الاحاطة والتربية البدنية الجيدة لأن ممارستها تبدأ في عمر مبكّر وفي سن 4 سنوات فمسبحا رادس والمنزه يستقبلان يوميا 1200 سباح في مختلف الأصناف العمرية. والى حدود سن الخامسة عشرة تسير الأمور على أحسن ما يرام بالنسبة الى السباحين لأن هدف الجامعة هو تكوين أفضل السباحين في شمال إفريقيا في هذه الفئة العمرية، لكن المشكلة تبرز عند بلوغ السباح سن السادسة عشرة حينها يصعب التوفيق بين الدراسة والرياضة وهنا تأتي أهمية تنمية رياضة النخبة من خلال إنشاء معاهد خاصة بالنخبة تراعي مصلحة السباح في الدراسة وفي الرياضة مثلما هو الحال للمعهد الأعلى للرياضة والتربية البدنية بالكاف والحي الوطني الرياضي بالمنزه. لكن المسابح بهذه الخاصية ليست كثيرة في تونس ولا تقدر على استيعاب كل السباحين مما جعل النخبة الوطنية في هذا العمر تتجه الى الخارج وخاصة الى أمريكا لأن هذا البلد هو الوحيد الذي يوازن بين الدراسة والرياضة على مستوى النخبة مما جعله يستقطب 4 سباحين تونسيين منهم أسامة الملولي وسارة لجنف ومروى المثلوثي في حين اتجه أحمد المثلوثي الى برشلونة وتقي المرابط الى فرنسا رغم أن أمريكا مازالت تبحث الى حدّ الآن عن بطل في السباحة في مسافة 1500م، لذلك علينا تشييد معاهد رياضية خاصة برياضة النخبة في المرسىورادس المناطق المعروفة بكثرة السباحين. بصفة عامة وجب تركيز مسابح أيضا على طول الشريط الساحلي حيث توجد مواهب متعودة على السباحة لمسافات طويلة وهي موهبة طبيعية.. على صيعد آخر وجب الاسراع بإصلاح مسبح قصر سعيد في اطار تدعيم رياضة النخبة وتكوين المدربين، إذ لا يوجد سوى 200 مدرب من بينهم 172 مدربا ناشطا وهذا رقم يستوجب التطوير ليتماشى مع تزايد عدد السباحين، خاصة وأن الجامعة التونسية للسباحة مازالت تبحث عن مدير فني..؟! علي عبّاس (رئيس الجامعة التونسية للسباحة): مشكلتنا في قلة المسابح ونقص الكفاءات تونس تحتفظ بتقاليد كبيرة في السباحة بحكم موقعها الجغرافي مما يجعل الطفل التونسي يميل الى السباحة بشكل طبيعي وهذا ما يجعلنا نستنتج أن الموهبة موجودة ولكن المشكل في اعتقادي يعود أولا الى قلة المسابح لأن السباحة تكاد تكون الرياضة الوحيدة التي تتطلب فضاء مجهزا لممارستها بشكل منظم. والسبب الثاني يتمثل في غياب الكفاءات التدريبية من مدربين شبان قادرين على تكوين جيل كبير من السباحين وفق مقاييس علمية حديثة وهنا يمكن أن نستدل بمدرب أسامة الملولي، فمدربه أجنبي ونحن كجامعة ننكبّ على معالجة هذا المشكل من خلال البحث أولا عن مدير فني له خبرة كبيرة. سارة لجنف (سباحة): عوامل عديدة تعرقلنا هناك العديد من العراقيل التي تحول دون نجاح السباح التونسي، بداية غياب التجهزات بسبب قلة المسابح مما يعني غياب الوسائل وآليات العمل كما أن مشكلة التوفيق بين الدراسة والرياضة مطروحة بشدة في غياب معاهد خاصة برياضة النخبة، كما أننا نفتقد لمدربين أكفاء وأصحاب خبرة في تونس لذلك نضطر كسبّاحين الى البحث عن بلدان أخرى للعمل فيها وتطوير مستوانا مثل فرنسا وإسبانيا وأمريكا. آدم العياري (سباح): وجب منح فرصة أكبر للشبان أعتقد أن الوضع تحسّن بالنسبة للسباحة التونسية مقارنة بما كان عليه سابقا والدليل بروز جيل جديد استطاع كسر احتكار أسماء بعينها لهذه الرياضة.. لكن من المشاكل التي نعاني منها هي غياب العناية بالشبان على المستوى الفني والبدني والصحي الى جانب نقص الامكانات لأنه ليس باستطاعة أي سباح شاب التعويل على نفسه والتحول الى الخارج لتطوير مستواه فهذا تقدر عليه إلا فئة قليلة، كما أن المسؤولين على هذه الرياضة عليهم تغيير طريقة التعامل وعدم العناية فقط بالأسماء الكبرى في هذه الرياضة ووجوب الالتفات الى الشبان. جاد التيجاني (مدرب درجة ثانية في السباحة): نعاني من أزمة هيكلة وليس من أزمة كفاءات لا نعاني من أزمة في الكفاءات والدليل أن أسامة الملولي تكوّن على أيادي مدربين تونسيين ولدينا جيل جديد «صنعناه» في تونس وقادر على التألق ونتحدث عن أسماء مثل يوسف الزينة وهيكل عبيد ومحمد علي الشواشي.. المشكلة تتمثل في الهيكلة وبالتحديد في التقصير في العناية بهؤلاء فالسباح التونسي يحتاج الى المنافسة على أعلى مستوى وهذا غير متوفر حاليا كما أننا نعاني من نقص في المسابح بما يجعل عدد السباحين قليلا مقارنة ببلدان أخرى تمتلك عددا كبيرا من المسابح فتنتج أبطالا بشكل مستمر. النوري بالحاج خليفة (رئيس نادي السباحة ببن عروس): غياب العناية بالناشئة إشكالية السباحة في تونس تتلخص في غياب العناية بالفئة الناشئة خاصة في عمر 16 و17 سنة، حيث عادة ما ينقطع عدد كبير من الشبان عن ممارسة السباحة في هذا السن نظرا لغياب الاحاطة والدعم ويفكر هؤلاء في الهجرة الى دول أوروبية لتطوير مستواهم لذلك وجبت العناية بهذه الفئة بتوفير الأطر والفضاءات المناسبة لتوجيههم وإرشادهم وتنمية مواهبهم. منير الساحلي (مستشار فني وطني مكلّف بالنخبة): المنشآت لا تخوّل لنا القيام بالعمل القاعدي الصحيح للإشارة فإن تونس لم تغب عن الصعيد القاري، حيث كانت تنجب بانتظام الأبطال.. المشكلة الآن أن القاعدة من السباحين الشبان اتسعت والمنشآت الرياضية في تونس لم تعد قادرة على استيعابها فعلى سبيل المثال نجد 10 فرق تتقاسم مسبحا واحدا للتدرب في مدة لا تتجاوز ثلاث ساعات من الساعة السادسة والنصف الى الساعة التاسعة والنصف، بالتالي ليس هناك مجال للعمل القاعدي الدقيق، فالسباح في سن 15 سنة يجب عليه أن يسبح لمسافة 5000 متر في الحصة الواحدة وهذا غير ممكن بسبب قلة المسابح وبالتالي نعجز كفنيين عن استقطاب المواهب أو اكتشافها أو العناية بها. كما أن الشبان عندما يبلغون مراحل متقدمة في دراستهم يعزفون عن التمارين ويركزون فقط على دراستهم وهذا مشكل كبير يتجاوزنا كفنيين فنحن نملك الكفاءة اللازمة والدليل أنه لدينا الآن بعض السباحين الشبان في مستوى الملّولي عندما كان في مثل سنهم.