مع حلول الذكرى الثانية للعدوان الاسرائيلي على غزّة عادت سفينة «مرمرة» التركية الى اسطنبول بعد سبعة أشهر على حادثة الاعتداء على «أسطول الحرية» وقتل 9 نشطاء أتراك كانوا على متنها، وهي الحادثة التي أدّت الى تدهور العلاقات التركية الاسرائيلية الى مستوى غير مسبوق. عادت «مرمرة» بعد أن تمّ إصلاحها في مرفإ اسكندرون التركي، لكن السؤال المطروح اليوم هل ستفتح هذه العودة الباب أمام اصلاح العلاقات بين أنقرة وتل أبيب؟ وحتى الساعة يبدو أن الأمور لا تسير في هذا الاتجاه، فتركيا لا تزال متمسكة بشرطي الاعتذار والتعويض، في حين أن الرد الاسرائيلي على هذه المطالب بلغ حدّ الوقاحة حيث صرّح وزير الخارجية في حكومة الاحتلال الاسرائيلي أفيغدور ليبرمان أمس بأن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته أحمد داود أوغلو «يكذبان» وأن موضوع الاعتذار «يصل الى الوقاحة وربما يتجاوزها» بل انه طالب الجانب التركي بالاعتذار لإسرائيل عن تعاونها مع عناصر وصفها بالارهابية. ولا شكّ أن هذا الخطاب الاسرائيلي الذي لم يتغيّر ولن يتغيّر يضع حواجز جديدة أمام عودة العلاقات الى طبيعتها مع أنقرة رغم أن تركيا أكدت مرارا (أواخرها أمس على لسان وزير خارجيتها) أنها لا تمانع في استعادة «صداقتها» مع اسرائيل إذا ما قبلت بشروطها، ويؤكد هذا الخطاب أيضا «وفاء» اسرائيل لعاداتها في معاداة الآخرين وافتعال الأزمات والحرص على استمرارها لأن في ذلك استمرارا لوجودها ووقودا لحروبها. اليوم تقف اسرائيل خصما للجميع، فلا هي راغبة في السلام مع الفلسطينيين بل تهددهم بعدوان جديد، ولا هي جادّة في ترميم علاقاتها بدولة يشهد الجميع أنها باتت تمثل مركز ثقل في المنطقة وأنه لا غنى عنها في حل مشاكل الشرق والغرب، ولا هي ماضية نحو إصلاح سياستها الخارجية والاعتراف ولو بشيء يسير من أخطائها وفظاعاتها بحق شعوب المنطقة. تلك هي اسرائيل تُمعن في أخطائها وتسرف في اعتداءاتها، فهي تعلم أن عدوانا آخر على غزة لن يقابل بمباركة تركية بل سيعمّق الأزمة معها وهي تعلم أن عدوان 2008 على القطاع المحاصر كان بداية لنهاية «سنوات العسل» مع أنقرة، ومع ذلك فهي ماضية الى طريق لا تعلمه إلا هي.. طريق العدوان والتحالفات المؤقتة، وخلق حالة من العداء بين دول تنتمي الى وحدة إقليمية واحدة.. وبذلك تبرر اسرائيل وضعها ككيان يحتاج الى الحرب ويعيش بها، وينبذ السلام ويحفر قبره بيده إن هو انخرط في سياقه.