عشية الذكرى الثانية للحرب الصهيونية على غزة، وعشية الذكرى السادسة والأربعين لانطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، ومع محاولات صهيونية حثيثة لتصفية القضية الفلسطينية، بالتهويد والتهجير والاستيطان والاغتيال والاعتقال، قامت في يوم واحد جملة فعاليات، وفي أماكن متعددة، تكشف عن قوة الحق الفلسطيني بكل عناوينه، في مواجهة مغتصبيه والمتآمرين عليه. أول الفعاليات كانت تظاهرة المتضامنين الأوروبيين أمام حاجز «قلنديا» الفاصل بين رام اللهوالقدس وما رافقها من اشتباكات مع الشرطة الصهيونية خصوصا لدى اعتقال كوكبة من المناضلين الفرنسيين الآتين من بلادهم البعيدة لينددوا بالاحتلال والنازية الجديدة وهم أكثر شعوب الدنيا علما بالنازية الأصلية، وأكثرهم مقاومة لها وأكثرهم تضحية في مواجهتها. وثاني الفعاليات كان الاستقبال الشعبي التركي الضخم لسفينة «مافي مرمرة» التي هاجمها العدو الصهيوني في 31/5/2010 وأغتال تسعة من روادها الأتراك الأبطال وجرح العشرات من أبطالها الموزعين على قارات الدنيا كلها، في هذا الاستقبال لسفينة عادت الى مينائها الأصلي، بعد أشهر من «الاعتقال» الصهيوني ثم من الترميم التركي للدمار الذي لحق بها، فارتفعت أعلام فلسطين جنبا الى جنب مع الأعلام التركية ليبرز تصميم المجتمع التركي كله على مواصلة النصرة لفلسطين، عموما، ولغزة خصوصا، بما في ذلك الإعلان الهام عن انطلاق أسطول الحرية 2 من تركيا في الذكرى الأولى للجريمة الصهيونية بحق سفينة «ما في مرمرة»، وهي جريمة ما زال العدو الصهيوني يتنصل من مسؤوليته عنها، ويرفض الاعتذار مطالبا الضحية التركية بالاعتذار للجلاد الصهيوني، وموجها عبر وزير خارجيته أقذع التعابير بحق تركيا الكاظمة لغيظها حتى الآن. أما ثالث الفعاليات، وربما أكثرها استحقاقا للتأمل والتحليل والدراسة، فهو انطلاق قافلة آسيوية لكسر الحصار عن غزة (تضم 170 متضامنا من 20 بلدا آسيويا) باتجاه غزة. لم يغب الآسيويون من أقصى الشرق الى أقصى غرب آسيا يوما عن حملات التضامن مع فلسطين وعن قوافل كسر الحصار، وعن ملتقيات النصرة لعناوين القضية لا سيما القدس، لكن أهمية هذه القافلة (التي اختار لها منسقها المناضل الهندي المعروف فيروز موتوبوروالا اسم «آسيا 1» تأكيدا على أنها خطوة أولى في رحلة مستمرة)، تكمن في انها جهد آسيوي خالص، بمشاركة آسيوية خالصة، وبخط مرور آسيوي خاص من الهند الى باكستان فإيران فتركيا فسوريا مع زيارة ذات دلالات رمزية الى لبنان. والقافلة التي اختارت الهند منطلقا لها، وانطلقت من أمام ضريح المهاتما غاندي بالذات، حملت رسائل هامة الى العالم كله، والى الكيان الصهيوني بالذات الذي يسعى حثيثاُ الى اختراق الهند سياسيا وأمنيا واقتصاديا، وأبرز الرسائل أن في الهند عددا متناميا من الرجال والنساء ما زالوا على عهد المهاتما غاندي في حمل لواء الحرية والعدالة والاستقلال، وما زالوا على عهد نهرو في نشر روح باندونغ المعادية للاستعمار والصهيونية والمطلقة لحركة عدم الانحياز العالمية. والقافلة التي انطلقت تحت شعارات من نوع « فلسطين قضية آسيوية» و «فلسطين توحد آسيا، وآسيا المتحدة قوة لفلسطين»، جاءت لتعلن «انحياز اكبر قارة لأعدل قضية» كما قال المفكر العربي الكبير منح الصلح لدى استقبال المتضامنين الآسيويين في (دار الندوة) في بيروت يوم الخميس الفائت، بل جاءت لتضم في صفوفها مناضلات ومناضلين من كل البلدان، والأديان، ومن التيارات الفكرية والمشارب والأجيال،أدركوا أن معركة تحرير فلسطين هي معركة تحرير البشرية بأسرها من رجس الاستعمار والصهيونية، فتجاوزوا الفوارق والحواجز والخلافات والحدود، فحمل المتضامنون الباكستانيون الراية من المتضامنين الهنود على الحدود المتوترة بين البلدين، واجتاز اليابانيون والماليزيون والاندونيسيون والأوزبك آلاف الأميال ليكونوا في عداد القافلة وليتلاقوا في سوريا مع اخوة من عرب آسيا من الاردن وسوريا ولبنان ودول الخليج. إن دخول آسيا على خط فلسطين عبر هؤلاء الرواد يكشف بوضوح أن الحصار الذي أراده العدو الصهيوني على غزة، يتحول الى حصار عالمي يشتد خناقه على هذا العدو، وان «المحرقة» التي جاهر ليبرمان قبل عامين بارتكابها في غزة ( متناسيا أن دولته العنصرية نفسها قد قامت على استغلال المحرقة النازية ضد اليهود على أوسع نطاق) قد تحولت الى محرقة سياسية وإعلامية وأخلاقية وقضائية للمشروع الصهيوني نفسه. وإذا كان الموقف الشجاع لدول أمريكا اللاتينية بإعلان الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967، مظهرا جديدا من مظاهر التحول الدولي لصالح الحقوق الفلسطينية الثابتة، فإن تحذيرات المسؤولين الصهاينة، بما فيهم نتنياهو وليبرمان وأخيرا موفاز، بأن هناك تحولا في العالم ضد تل أبيب، قد أكدت أن هذا العدو بات يفقد أحد أبرز مرتكزات وجوده وهي مساندة الرأي العام الدولي له «كضحية» محاطة بعدد كبير من الجلادين . قد نبدو متسرعين، إذا انتظرنا نتائج سريعة ومباشرة لهذا التحول الذي يحتاج الى زمن كي ينعكس على مستوى الحكومات أو الدول، لكن مبادرات فلسطينية وعربية على المستوى الرسمي، كما هي حال المبادرات العربية والإسلامية والدولية الشعبية والجارية على قدم وساق في كل أنحاء العالم، من شأنها ان تجعل من هذا التحول المعنوي والأخلاقي مدخلا لتحول فعلي في موازين القوى وفي المجالات السياسية والدبلوماسية والقانونية. قد يسعى العدو الى عدوان جديد لإجهاض هذه التحولات، لكن صمود شعبنا الفلسطيني ومقاومته ومساندة الأمة العربية والإسلامية وأحرار العالم، كفيل بأن يحول «المغامرة الصهيونية المرتقبة» الى أكثر من «مغامرة غير محسوبة».. وربما الى مقامرة «انتحارية». القارات كلها تتحول بشعوبها، وبعض حكوماتها، بإتجاه حقنا الفلسطيني، فهل نواكبها كفلسطينيين وعرب بما تستحق من جهد وعمل نوعي.