فضيحة تعاطي كوكايين تهز ال BBC والهيئة تستعين بمكتب محاماة للتحقيق نيابة عنها    اليوم: أحمد الجوادي ينافس على ذهبية سباق 1500 متر في بطولة العالم للسباحة بسنغافورة    بطولة العالم للسباحة: الأمريكية ليديكي تفوز بذهبية 800 م حرة    برنامج متنوع للدورة ال32 للمهرجان الوطني لمصيف الكتاب بولاية سيدي بوزيد    تقية: صادرات قطاع الصناعات التقليدية خلال سنة 2024 تجاوزت 160 مليون دينار    وزارة السياحة تحدث لجنة لتشخيص واقع القطاع السياحي بجرجيس    الجيش الإسرائيلي: انتحار 16 جندياً منذ بداية 2025    عراقجي: قادرون على تخصيب اليورانيوم وبرنامجنا لا يدمره القصف    رفع الاعتصام الداعم لغزة أمام السفارة الأمريكية وتجديد الدعوة لسن قانون تجريم التطبيع    وزارة التشغيل: التسجيل في برنامج دفع تشغيل الاشخاص ذوي الإعاقة يتواصل الى هذا الموعد    بلدية مدينة تونس تواصل حملات التصدي لظاهرة الانتصاب الفوضوي    دورة تورونتو لكرة المضرب: الروسي خاتشانوف يقصي النرويجي رود ويتأهل لربع النهائي    إيمانويل كاراليس يسجّل رابع أفضل قفزة بالزانة في التاريخ ب6.08 أمتار    طقس الأحد: خلايا رعدية مصحوبة بأمطار بهذه المناطق    طقس اليوم الاحد: هكذا ستكون الأجواء    الإمضاء على اتفاقية تعاون بين وزارة الشؤون الدينية والجمعية التونسية للصحة الإنجابية    نانسي عجرم تُشعل ركح قرطاج في سهرة أمام شبابيك مغلقة    ما ثماش كسوف اليوم : تفاصيل تكشفها الناسا متفوتهاش !    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    عاجل/ تحول أميركي في مفاوضات غزة..وهذه التفاصيل..    عاجل: ما تشربوش من''عين أحمد'' و''عين أم ثعلب'' في تالة!    عارف بلخيرية رئيسا للجامعة التونسية للرقبي لفترة نيابية جديدة    829 كم في 7 ثوان!.. صاعقة برق خارقة تحطم الأرقام القياسية    خطر تيك توك؟ البرلمان المصري يهدد بالحظر!    كلمة ورواية: كلمة «مرتي» ما معناها ؟ وماذا يُقصد بها ؟    معاينة فنية لهضبة سيدي بوسعيد    في نابل والحمامات... مؤشرات إيجابية والسياحة تنتعش    اليوم الدخول مجاني الى المتاحف    جامع الزيتونة ضمن السجل المعماري والعمراني للتراث العربي    غازي العيادي ضمن فعاليات مهرجان الحمامات الدولي: ولادة جديدة بعد مسيرة حافلة    تململ وغضب ودعوات للمقاطعة.. 70 دينارا لحم «العلوش» والمواطن «ضحيّة»!    درجات حرارة تفوق المعدلات    لرصد الجوي يُصدر تحييناً لخريطة اليقظة: 12 ولاية في الخانة الصفراء بسبب تقلبات الطقس    الكاف: شبهات اختراق بطاقات التوجيه الجامعي ل 12 طالبا بالجهة ووزارة التعليم العالي تتعهد بفتح تحقيق في الغرض (نائب بالبرلمان)    البطولة العربية لكرة السلة - المنتخب التونسي يفوز على نظيره القطري 79-72    شائعات ''الكسوف الكلي'' اليوم.. الحقيقة اللي لازم تعرفها    قبلي: يوم تكويني بعنوان "أمراض الكبد والجهاز الهضمي ...الوقاية والعلاج"    بشرى سارة بخصوص مباراة السوبر بين الترجي والملعب التونسي..    قرطاج يشتعل الليلة بصوت نانسي: 7 سنوات من الغياب تنتهي    الإدارة العامة للأداءات تنشر الأجندة الجبائية لشهر أوت 2025..    عاجل/ وزارة الفلاحة توجه نداء هام لمُجمّعي الحبوب وتقدّم جُملة من التوصيات للفلاحين..    كيف حال الشواطئ التونسية..وهل السباحة ممكنة اليوم..؟!    عاجل/ شبهات اختراق وتلاعب بمعطيات شخصية لناجحين في البكالوريا..نقابة المستشارين في الإعلام والتوجيه الجامعي تتدخل..    تنبيه هام: تحويل جزئي لحركة المرور بهذه الطريق..#خبر_عاجل    زلزال بقوة 6.2 درجة يضرب هذه المنطقة..#خبر_عاجل    شراو تذاكر ومالقاوش بلايصهم! شنوّة صار في باب عليوة؟    تحذير: استعمال ماء الجافيل على الأبيض يدمّرو... والحل؟ بسيط وموجود في دارك    اتحاد الشغل يؤكد على ضرورة استئناف التفاوض مع سلطات الإشراف حول الزيادة في القطاع الخاص    "تاف تونس " تعلن عن تركيب عدة اجهزة كومولوس لانتاج المياه الصالحة للشرب داخل مطار النفيضة- الحمامات الدولي    وفاة جيني سيلي: صوت الكانتري الأميركي يخفت عن عمر 85 عامًا    أحمد الجوادي في نهائي 1500 متر: سباحة تونس تواصل التألق في بطولة العالم    كيفاش أظافرك تنبهك لمشاكل في القلب والدورة الدموية؟    الرضاعة الطبيعية: 82% من الرضّع في تونس محرومون منها، يحذّر وزارة الصحة    سهرة قائدي الأوركسترا لشادي القرفي على ركح قرطاج: لقاء عالمي في حضرة الموسيقى    بطاطا ولا طماطم؟ الحقيقة إلّي حيّرت العلماء    القصرين: منع مؤقت لاستعمال مياه عين أحمد وأم الثعالب بسبب تغيّر في الجودة    تاريخ الخيانات السياسية (33) هدم قبر الحسين وحرثه    شنوّة جايك اليوم؟ أبراجك تكشف أسرار 1 أوت!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما أشبه العدوان على غزة بالعدوان على العراق
المقاومة في فلسطين بين الآفاق والأنفاق (5/3): بقلم سالم الحداد
نشر في الشعب يوم 04 - 07 - 2009


العدوان الصهيوني: الأسباب والنتائج
أولا التدمير المنهجي
تعرض العراق سنة 2003 إلى غزو أمريكي بعد حصار طويل حرم فيه الشعب العراقي من الغذاء والدواء فسقط نظامه ودمرت مؤسساته، وشرد الملايين من أبنائه بالإضافة إلى استشهاد ما لا يقل عن 150 ألف قتيل، وكانت الأسئلة التي طرحت هي: هل كان العدوان خطة مرسومة سلفا وجاهزة أم هي وليدة تشدد النظام العراقي في دعمه للقضية الفلسطينية وحماية مصالحه الوطنية؟ وبالتالي هل كان بوسع صدام حسين أن يجنب شعبه هذه المأساة؟
وقد اتضح فيما بعد أن غزو العراق أتى ضمن الإستراتيجية الجديدة التي أعدها المحافظون الجدد لسيطرة الولايات المتحدة على العالم كقطب واحد ووحيد بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ولم يكن دور النظام العراقي غير توفير الفرصة عندما غزا الكويت واحتكر السلطة، وأقصى كل الفعاليات الوطنية فعزل نفسه جماهيريا ولم يستمع حتى إلى الأصوات الحرة الصديقة المناضلة. ومن أطرف ما رُوي في هذا الصدد هو ما حدّث به أبو بكر العطاس رئيس وزراء اليمن الجنوبي سابقا الذي اتصل بصدام حسين وطلب منه الانسحاب لأن الظرفية غير مناسبة والأعداء يتربصون بالعراق من كل الجهات، بما في ذلك الثورة الإسلامية في إيران التي خاض معها 8 سنوات من الحرب المدمرة ، وكذلك فعل ياسر عرفات وعلي صالح، فكان رده على الجميع الرفض، أما عن إيران فقال: «نحن تقاتلنا رجالا وتصالحنا رجالا وسنتعامل في هذه الحرب كرجال، ألا يقوم هذا دليلا على سوء التقدير والثقة المطلقة بالنفس وبالآخرين إلى درجة الغرور».
أعتقد أن ذلك هو السيناريو نفسه الذي حدث في غزة، فالكيان الصهيوني لابد أن يكون قد خطط منذ أن سيطرت حماس بالقوة على الأجهزة الأمنية واحتكرت السلطة وصارت في صدام مباشر وغير مباشر مع بقية الفصائل الوطنية ومكونات المجتمع المدني.
إن مختلف المصادر الفلسطينية والعالمية تكاد تتفق على أن عدد القتلى من الإسرائيليين لا يتجاوز 13 فردا وأن عدد شهداء حماس لا يتجاوز خمسين عنصرا، أما بالنسبة للشعب الفلسطيني فقد بلغ 1434 شهيدا منهم 960 من المدنيين من بينهم 431 طفلا و 114 امرأة وأكثر من خمسة آلاف من الجرحى هذا إلى جانب الخسائر المادية التي طالت دور السكن والبنى التحتية والمؤسسات الاقتصادية والتربوية ولم تسلم المستشفيات ودور العبادة. وقد استخدمت في هذه الحرب الأسلحة المحرمة دوليا مثل القنابل الفسفورية الحارقة التي تصيب ضحاياها بعاهات دائمة، بل لم تسلم من التدمير حتى مؤسسات وكالة غوث للاجئين التابعة للأمم المتحدة التي تحتوي الغذاء والدواء، وهو ما يؤكد استخفاف الكيان الصهيوني بقوانينها ومؤسساتها ورجالاتها لسبب بسيط هو أنه يعوّل على دعم القوى العظمى له وتعاميها على جرائمه لأنها تخشى أن تلصق بها تهمة معاداة السامية، وهي السلاح الفعال الذي ترفعه الصهيونية في وجه كل من يستنكر أعمالها، وأوضح مظهر لهذا الاستخفاف هو أن الجنود لم يتورعوا عن التبجح بالجرائم التي ارتكبوها مع المواطنين العزل، فكل ما في غزة صار هدفا مستباحا بل إن هذه الجرائم تحولت إلى مصدر للتفاخر تُرسم على صدور الشباب الصهيوني ولعل أفظعها الصورة التي رُسمت عليها امرأة حامل وأصابها أحد الجنود بطلقة فاستشهدت هي وجنينها وقد كُتب أسفلها قتيلان بطلقة واحدة.
إثر هذه الحرب أعلن الكيان الصهيوني أنه حقق أهدافه والتي اختزلها الإعلام الصهيوني في: «ضرب حماس ،استعادة معنويات الجيش الصهيوني وكذلك معنويات الحكومة التي انهارت في مواجهة حزب الله في جويلية 2006وتوفير الأمن للمستوطنات بإسكات صواريخ القسام». هكذا قيّم الكيان الصهيوني نتائج الحرب فكيف قيّمتها حماس؟
ثانيا تحول حماس إلى رقم رئيسي في المعادلة السياسية
أعلنت حماس أنها أفشلت مخططات العدو، فلم يتمكن من اجتثاثها ولم يكسر شوكة المقاومة ولم يحرر الجندي الأسير وأنه كان خائفا من المواجهة مما اضطره للانسحاب.
وقد تأكد هذا الانتصار من خلال اللقاءات التي انعقدت بالقاهرة بين فصائل المقاومة وما تخللتها من تجاذبات كانت محورها مواقف حماس وأطروحاتها. كما أن الدول العربية الممانعة أو المعتدلة صارت تسعى لاسترضائها، ولم تتخلف الحكومة التركية الإسلامية عن دعمها علنا غير عابئة بتهمة الإرهاب التي وُجّهت إليها، ودعت بكل وضوح إلى اعتبارها طرفا في المعادلة السياسية، وكان موقفها من القضية الفلسطينية بوابتها إلى امتلاك قلوب الأتراك ولمَ لا صناديق الاقتراع. أما إيران فهي تعتبرها الإنجاز الثاني لها بعد حزب الله.
ولم يكن نجاحها على المستوى الدولي أقل أثرا من نجاحها على المستوى الإقليمي. لقد فهمت الدول الأوروبية رسالة حماس فبادرت العديد من الشخصيات السياسية البرلمانية والمستقلة بزيارة دمشق والتواصل مع قيادتها مثل جيمي كارتر والبرلمانيين البريطانيين والأمريكان غير أن هذه الأطراف شبه الرسمية لم تشرّع وجودها ولم تعلن اعترافها بها خوفا من الكيان الصهيوني من ناحية ومجاراة للنظام العربي الرسمي بما في ذلك السلطة الفلسطينية التي لا ترغب في تضخيم حجم حماس.
ثالثا تيقظ الوعي العربي
استطاعت الحرب أن توقظ الوهج الذي كاد أن يفتر لدى الشباب العربي وأن تعيد له حماسه وإيمانه بالنصر، وهذا ما تجسد من خلال حملات الدعم المالية والصحية والمسيرات الجماهيرية التي عمّت كل المدن العربية والإسلامية فالعمق الشعبي لأية قضية هو الذي يكسبها الشرعية ويضخ فيها طاقة متجددة تمكنها من الاستمرار والتواصل مع العالم.
وقد اتضح أن الأنظمة العربية لا تسمح إلا بتحركات محدودة في الزمان والمكان، تمكن الجماهير من تفريغ شحناتها العاطفية دون أن تتحول حملات التعبئة إلى عمل استراتيجي متواصل ومن هنا لابد من التفكير في ربط النضال السياسي ضد الصهيونية والإمبريالية بالنضال الديمقراطي، فالحرية هي الخيار الوحيد لتحرير الإنسان العربي من كل المكبلات السياسية والاجتماعية والحضارية، وهذا ما لا تسمح به التحالفات بين الداخل والخارج.
رابعا حركة عالمية احتجاجية وتضامنية
قبل العدوان ومنذ الأيام الأولى للحصار حاولت العديد من المنظمات الدولية الراعية لحقوق الإنسان أن تفك التوق الذي ضربه الكيان الصهيوني على غزة، فنظمت حملات تضامنية برية وبحرية حملت الغذاء والدواء طوال ثلاثة أسابيع لم تفتأ الآلة الحربية الصهيونية تدمر تدميرا منهجيا كل ما اعترض سبيلها من بشر أو حجر ولم تخلف وراءها غير الدماء والدموع والخراب. وقد كانت هذه المجزرة كافية لتسقط الصورة النمطية للدولة الصهيونية كدولة ديمقراطية نافذة للغرب تنشر مبادئه ، فخرجت الجماهير في حركة احتجاجية عبر عواصم العالم في كل القارات من مراكش إلى إسلام باد ومن نيويورك إلى باريس إلى طوكيو وبرلين ولندن إلى جنوب إفريقيا، فهذه الحركة أعطت دفعا جديدا لمدّ تضامني عالمي ظهرت بوادره مع المنتديات العالمية، وصارت هناك قناعة بأن هذا الكيان صار من أهم عوامل التوتر وعدم الاستقرار في العالم.
وقد كانت القافلة الأوروبية التي قادها المناضل الإنجليزي جورج غالاوي والتي انطلقت من أوروبا في اتجاه غزة مرورا بالشمال الإفريقي العربي أكبر تجسيد لهذا المدّ التضامني العالمي وهو من ناحية أخرى أكبر تحدّ للأنظمة المتخاذلة والخائفة بل اتضح أن الالتزام بالدفاع عن القضية الفلسطينية صار من أبرز الخصال النضالية التي تحرك الشباب الثوري الأوروبي الذي صار يتحول لفلسطين لا للتنزه بالمنتجعات السياحية الصهيونية فيها بل للتصدي للانتهاكات التي تمارسها الآلة العسكرية الصهيونية لهدم البيوت واقتلاع الأشجار وبناء الجدار العنصري ومنع الغذاء والدواء على الشعب الفلسطيني.
وأفضل ما شهدته هذه الحرب هو الموقف التضامني والشجاع الذي سجلته أمريكيا الجنوبية التي كانت تُعتبر الحديقة الخلفية للولايات المتحدة الأمريكية، ففي السنوات الأخيرة بدأت تظهر في هذه الساحة حركات وطنية يسارية ذات مضامين اشتراكية وأبعاد إنسانية، والطريف في هذه الحركات أنها خلافا لحركات اليسار التقليدية والأوروبية بالخصوص تخلصت من العقدة اللاسامية التي كانت تكبل اليسار العالمي.
تداعيات العدوان على غزة
إن تداعيات الأحداث الكبرى هي التي يمكن أن نتبين من خلالها الأهداف الإستراتيجية التي يروم الفاعلون تحقيقها وعلى أساسها يمكن أن نقيم مدى النجاح أو الفشل. فما هي أهم تداعيات هذه الحرب؟
أولا اليمين الصهيوني يحاول الالتفاف على حقوق الشعب الفلسطيني
أفرزت الانتخابات الصهيونية أسوأ ما عرفه الكيان الصهيوني من سياسيين، سيضطر الفلسطينيون للتعامل معهم أحبّوا ذلك أم كرهوا، فقد أعلن اليمين الصهيوني بفصائله كافة أنه لا يعترف بنتائج مؤتمر أبوليس الذي اتفق على توخّي مسار سلمي ينتهي بقيام دولتين على أرض فلسطين وذهب وزير الخارجية برمان إلى أن تأسيس دولة فلسطينية يعني القضاء على الدولة الصهيونية. وقد بدأت تلوح بعض ملامح المبادرات الجديدة، ولعل أهمها:
محاولة الالتفاف على مشروع الدولتين
من المعروف أن هذا المشروع هو مشروع بوش، وقد جاء لترضية الأنظمة العربية التي ساندته في غزو العراق، وأراد أن ينهي به الصراع في منطقة الشرق الأوسط عبر ما سمّي بخارطة الطريق ووعد بإنجازه قبل أن تنتهي مدته النيابية، لكنه لم يستطع أو لم يرد إنجازه، لكن على الرغم من ضحالته فإنه ليس من مصلحة الحركة الصهيونية أن ينجح حيث أنه سيضع لهذا الكيان حدودا دولية ، وهذا ما يتناقض مع الحركة الصهيونية التي بُني مشروعها على التوسع كلما كانت الظروف سانحة.
وقبيل الانتخابات الصهيونية بدأ الترويج لفكرة التراجع عن هذا المشروع ، وقد أخذ هذا التراجع شكلين مباشر وآخر غير مباشر.
أ التراجع غير المباشر وقد تزعمه الثلاثي الحاكم: أولمرت وسيفي لفني وايهود باراك، وهو الذي تابع المحادثات حول حل الدولتين، وليس من مصلحته أن يعلن اليوم تخليه عما وافق عليه بالأمس فأتى بصيغة أخرى تقيه من هذا الحرج فرفع شعار «الهوية اليهودية للدولة الصهيونية» وفي هذا عودة «للحارة اليهودية» أو بالأحرى الغيتو guetto الذي يتحصن فيه اليهود في المدن الكبرى خوفا من الأغراب ولكنه في الظرفية الحالية يعني إمكانية طرد المواطنين غير اليهود ومنع العرب المهاجرين من العودة إلى ديارهم.
ب التراجع المباشر وقد قاده ناتنياهو وبرمان،وكلاهما كانا في المعارضة ولم يلتزما بالمشروع الأمريكي ، لذا أعلن الأول عدم موافقته على الدولتين واكتفى بدعم الأمن الاقتصادي، ومحصلته تحسين الأوضاع المعيشية لأبناء فلسطين وبذلك يتحول الهم الأول للفلسطينيين من الهم الوطني إلى الهم الاقتصادي والاجتماعي كما شأن الدول النامية.
أما برمان المعروف بتطرفه فقد نادى صراحة بالتهجير، فهو لا يرفض الدولة الفلسطينية فحسب بل وعد الإسرائيليين بجولة أخرى تأتي على الوجود الفلسطيني عن طريق ترحيل البقية الباقية إلى الأردن ومصر، ففلسطين بالنسبة له لا تتحمل إلا دولة واحدة لشعب واحد هو الشعب اليهودي، فهذه الحكومة ستعمل بكل الطرق على التخلص من مشروع الدولتين بما في ذلك الضغط على أوباما وتوخي المماطلة والتسويف في المفاوضات مع السلطة الفلسطينية وهي تعرف أنه لا أمريكا وأوروبا تستطيع أن تضغط عليها.
تضييق الخناق على قطاع غزة برّا وبحرا، وقد استطاعت أن تقنع الحلف الأطلسي بأن غزة صارت مخزنا لتكديس الأسلحة التدميرية الواردة من إيران عبر صحراء سيناء ومنها إلى القطاع. ولم تعد غزة فقط هي المستهدفة بل كذلك صحراء سيناء ، فالكيان الصهيوني يريد أن يضعها هي أيضا تحت الرقابة الدولية لحمايته من تهريب الأسلحة عبر مئات الأنفاق وهذا ما يخشاه النظام المصري الذي ازدادت مخاوفه، لذا بادر برفض هذه الرقابة متمسكا بسيادة مصر. ولا أعتقد أن الدول الغربية ستنتظر موافقة مصر فقد بدأت للتو في تكثيف تحركات بحريتها في المياه الدولية.
إحكام السيطرة على المنطقة
عمل الكيان الصهيوني على إشعار حلفائه من الأمريكان والأوروبيين بالخطر الإيراني الذي أصبح له قاعدة أخرى في فلسطين بعد أن تمكن من السيطرة على الجنوب اللبناني وها هو يتسلل إلى مصر عبر البحر الأحمر وصحراء سيناء وبلغ البحر الأبيض المتوسط بل وصل أيضا إلى المغرب الأقصى.
وسيقنعهم أيضا بأن الدول العربية عاجزة عن مواجهته، فهي أنظمة مهزوزة غير ديمقراطية تفتقر إلى الشرعية وهو وحده الكفيل بحماية مصالحها وسيضغط عليها للتعاطف معه ولدعمه في القيام بالدور التاريخي المناط بعهدته، ألا وهو نشر مبادئ العالم الحر وحماية مصالحه في منطقة غنية بثرواتها الطبيعية لكنها مضطربة سياسيا ومهددة بالسقوط في «أيدي الإرهاب الإسلامي».
وليس من المستبعد أن يحرج الأمريكان فيطلب منهم السماح له بتوجيه ضربة وقائية للمفاعلات النووية الإيرانية، ويبدو أنه امتلك بعض المعطيات عنها. وفي تقدري، فإن الإدارة الأمريكية لا تسمح له بذلك لسبب بسيط ، هو أن جيوشها ومصالحها في العراق وفي المنطقة ستتحمل تبعات الضربة الصهيونية.
توظيف سلاح المحرقة
إن آخر سلاح يشهره العدو الصهيوني في وجه العالم وفي وجه الأوربيين تحديدا عندما يلوح عليهم بعض التردد في دعمه هو اللاسامية والمحرقة، وهذا ما تبلور في المدة الأخيرة. فعندما أبدى عدد من الساسة الأوروبيين بعض الامتعاض من الوحشية التي مارستها القوات الصهيونية في غزة عادت اسطوانة المحرقة لتقرع طبولها في أوروبا وبدأت التهم توجه إلى المفكرين بل وحتى إلى رجال الدين المسيحيين مثل القس فليانو أبراهام الإيطالي والقس ريتشارد وليامسون الإنجليزي اللذين شككا في المحرقة، وأخيرا تذكروا شيخا مقعدا ألمانيا في التاسعة والثمانين من عمره جون دومانيوك يعيش منذ الحرب العالمية الثانية في الولايات المتحدة ليرحلوه لألمانيا قصد محاكمته بتهمة أنه كان حارسا في أحد المعتقلات النازية.
وعندما انعقد مؤتمر داربن لحقوق الإنسان ووقع استدعاء أحمدي نجاد لإلقاء كلمة أطلق الصهاينة صيحة فزع ودعوا إلى مقاطعة المؤتمر وسرعان ما استجابت أمريكيا ، أما ممثلو دول المجموعة الأوروبية فقد أسرعوا بالانسحاب من قاعة المؤتمر بمجرد أن قرأ أحمدي نجاد «بسم الله الرحمان الرحيم» ولم يتهجم بعدُ على الكيان الصهيوني، فهذا المعسكر غابت قيمه الأخلاقية وتجمد إحساسه الإنساني مع شلال الدم في غزة ، لكنه سرعان ما تيقظ خوفا من أن يوجه المؤتمر تهمة الإرهاب والعنصرية إلى الكيان الصهيوني، ولم يرض هؤلاء عن سير أشغال المؤتمر ولا عن لوائحه إلا بعد أن سُحبت منه كلمة فلسطين.
وعندما زار البابا راعي المحبة والسلام ونصير الضعفاء، فلسطين كان يرتعد خوفا من الصهيونية فبادر باستقبال عائلة الجندي الصهيوني الوحيد الذي أُسر في ساحة المعركة وتناسى أن يتعاطف مع عائلات 11 ألف معتقل فلسطيني أغلبهم من المدنيين من الرجال والنساء بل من النواب والوزراء، ومع ذلك لم يسلم من تهمة النازية، فقد نبشت الحركة الصهيونية في ماضيه منذ الطفولة فوجدت أنه كان في الشبيبة النازية، ومع ذلك فإن هذه الزيارة رغم طابعها الديني كانت إيجابية لأن البابا أكد ولأول مرة في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، وبهذا الوضوح معاناة الشعب الفلسطيني وحقه في إقامة دولته على أرض أجداده وهو ما لم تستسغه الحركة الصهيونية التي تريد أن تحتكر هذا الانتماء التاريخي استنادا إلى النصوص التوراتية التي تزعم أن فلسطين هي الأرض الموعودة التي وهبها الله لإبراهيم ثم لموسى.
فسلاح المحرقة واللاسامية من أمضى الأسلحة التي توظفها الصهيونية لزرع الرعب في قلوب كل إنسان حر يرفض الانصياع إليها.
وقد كان لتدخل رجب أردوغان في قمة دافوس ولكلمة محمود أحمدي نجاد في مؤتمر حقوق الإنسان في داربن حول القضية الفلسطينية صدى مؤثرا لدى شعوب المنطقة أقوى من الصدى الذي كانا لهما في الدول الأوروبية، وربما كانت النتيجة عكسية، فهذه الدول وخاصة على مستوى الأنظمة صارت أشد تعاطفا مع الكيان الصهيوني، وعادت إلى الساحة الدولية اسطوانة اللاسامية فانتاب الساسة الأوروبيين الخوف من أن توجه إليهم تهمة التساهل مع الإسلاميين الذين استغلوا الفضاءات الأوروبية الديمقراطية للترويج لمعاداة السامية.
وقد استقبلت الجماهير الإسلامية في كل من تركيا وإيران رجب أردوغان وأحمدي نجاد استقبال الأبطال، ومن الأكيد أن كليهما سيستفيد من هذا الدعم الجماهيري في الانتخابات القادمة. والسؤال هو إلى أي مدى سيتواصل دعم هذين النظامين للقضية الفلسطينية عندما تنتهي الإشكالات المحلية والإقليمية المطروحة أمامهما؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.