قدم المفكر أبو يعرب المرزوقي محاضرة حملت عنوان «التصوّف وأزمة الإنسان المعاصر» وذلك يوم الثلاثاء الماضي في المسرح الوطني بدعوة من هيئة أبوظبي للثقافة والتراث. وتحدث المرزوقي خلال مداخلته عن «إشكالية العلاقة بين التصوف وأزمة الإنسان المعاصر بنهجين مختلفين تمام الإختلاف، أولهما النهج التاريخي الذي يعنى بتوظيف التصوف السياسي قبولاً أو رفضاً كلاهما يكتفي بأحد وجوه ما يترتب عن التصوف دون أن يغوص إلى أعماق حقيقته وطبيعة دوره في الوجود الإنساني الفردي والجمعي، والثاني هو النهج البنيوي الذي يدرس التصوف لذاته أولاً معتبراً توظيفه السياسي أحد المترتبات عن صدام المناظر القيمية في المجالات النظرية والعملية والجمالية والجهوية والوجودية ومن ثم من حيث حقيقته التي لا ينبغي أن تقتصر على توظيفاته خلال حقب التاريخ». دور التصوّف في بنية المعركة القيمية وفي سياق حديثه حدد الدكتور المرزوقي البنية المحددة لدور التصوف هي بنية المعركة القيمية بين أطرافها الخمسة التي لا يخلو منها عمران إنساني، وقال ان «الصراع بين الفقه والتصوف وأصولهما التأسيسية وهو صراع مضاعف حول طبيعة ما يتنازعان عليه وحول ما يستمد منه من سلطان أعني حقيقة الشرائع وعلمها معنى وممارسة أو بلغة فلسفية حول القانون الخلقي وصلته بالعمل، ومن ثم الصراع بين الكلام والفلسفة وأصولهما التأسيسية وهو كذلك صراع مضاعف حول طبيعة ما يتنازعان عليه وحول ما يستمد منه من سلطان أعني حقيقة الطبائع وعلمها معنى وممارسة أو بلغة فلسفية حول القانون الطبيعي وصلته بالعلم». وواصل الحديث عن الطرف الثالث متناولاً التحالف الملحوظ تاريخياً بين الفقه والكلام ممثلين للسلطان الحاكم في الغالب وبين التصوف والفلسفة ممثلين للسلطان المعارض في الغالب، لكن هذا الحلف المزدوج لا يلغي التوتر الموجود بين عنصري كلا حديه « فالحد الحاكم لا يخلو من تنافس بين الفقيه والمتكلم والحد المعارض لا يخلو من تنافس بين المتصوف والفيلسوف». مضيفا: «من هنا قد ينقلب الأمر عندما يتوازى توظيفان متنافسان على الخارطة السياسية المحلية أو الدولية فيصبح الفقه والكلام معارضين ويصبح التصوف والفلسفة حاكمين وهذه هي الحال في الغرب منذ العصر الكلاسيكي كما يرى المرزوقي «ولعل ما يراد من موضة الإقبال على التصوف الحالية واعتباره حلاً لأزمة الإنسان المعاصر».. وقال أبو يعرب المرزوقي «إن البحث في التصوف من المنظور العقلي والنقلي يبقى مسألة أساسية في الفكر الإسلامي خاصة وفي الفكر الإنساني عامة قديمه وحديثه، ومن المعلوم أن علاقة التصوف بالدين الإسلامي نجد من يثبتها ونجد من ينفيها قديماً وحديثاً». كما تطرق لموقف الأمة الحضاري الذي أصبح منحصراً حسب رأيه في رد الفعل على المؤثرات الخارجية التي حددت خصائص الفكر والعمل عند من يقبل بها ومن يرفضها، من دون أن يكتشف الفريقان مبدأ الإبداع الكوني الذي تشترك فيه الحضارات الأصيلة كافة، موضحاً أن تطبيق هذا التوصيف على وضع تاريخنا الفكري والمؤسسي يبدو أبعد ما يكون عن التشكيك، فلا أحد يجادل في تفاقم الموقف الانفعالي والتبعية الناتجة منه في المستويين الفكري والمؤسسي. وتابع المرزوقي بالتطرق إلى المتكلمين بمنظور الأفق الجديد دون فهم كونهم من جنس الذين صنعوا الأفق القديم استندوا إلى حلف صريح مع الهجوم شبه الكوني على الحضارة الوحيدة التي ما تزال صامدة أمام تغريب العالم واستعباده بنظام العبودية الجديد أو العولمة، فبعد أن كان الغرب يستورد العبيد بالعنف بات المهاجرون يسألون الاستعباد وبات المستثمرون من العالم المتقدم في العالم المتخلف يتفضلون على المستعبدين منه بما يطلبونه من استعباد في بلدهم بنقل مؤسسات الإنتاج إليهم، ومعنى ذلك أن الحاصل اليوم في مستوى الفكر العربي لا يختلف كثيراً عما وصفه الغزالي فظنه المحدثون حرباً على الفلسفة في حين أنه كان وبصريح العبارة المبينة في مقدمات تهافت الفلاسفة مستنداً إلى التمييز بين الفلاسفة وأشباههم في مستوى المواقف وبين العلوم الفلسفية وأشباهها في مستوى المضمون العلمي.