دعوة إلى إلى إنشاء بورصات سلعية بين تركيا والعالم العربي    عاجل/ تراجع صابة التين الشوكي بسبب الحشرة القرمزية    الشركة الجهوية للنقل بال&1704;صرين تشرع غدا الاربعاء في استغلال خط نقل بلدي جديد    عاجل/ إغلاق مطار مرسيليا الفرنسي    عاجل/ قتلى وجرحى في حريق مبنى بالقاهرة    بطولة العالم للكرة الطائرة للفتيات تحت 19 عاما - مقابلات ترتيبية - تونس - بورتو ريكو 1-3    الليلة: رياح قوية والبحر مضطرب وأمطار رعدية بهذه المناطق    فريق طبي يرقص خلال إجراء عملية جراحية!!    النجم الساحلي: جلسة عامة انتخابية يوم 24 جويلية    نقابة الصحفيين التونسيين تندد باعتقال الصحفي الفلسطيني ناصر اللّحام (بيان)    سامي الطاهري يدعو إلى ضرورة استئناف المفاوضات في القطاع الخاص    عامين مع النفاذ العاجل لشقيقة سنية الدهماني    إيران تتسلم بطاريات دفاع جويّ من الصين    معهد الرصد الجوّي يُحذّر من رياح قوية والبحر شديد الاضطراب    وزارة التجارة تعلن عن هذه الإجراءات الهامّة.. #خبر_عاجل    عاجل/ البرنامج الكامل للدورة 59 لمهرجان قرطاج..والفنانون المشاركون..    عاجل: مهرجان قرطاج يكشف عن أبرز النجوم بحفلات نارية وعروض عربية وعالمية مميزة!    أحلام على مسرح قرطاج من جديد...والتونسيون في انتظار سهرة استثنائية    وزارة الثقافة التونسية بين المحلية والعالمية: رؤية لتعزيز التبادل الثقافي واستقطاب الإبداع العالمي    ريجيم الكيتو وعلاقته بالصحة العقلية..علاج مكمل أم بديل فعّال؟    الكاف: تجميع أكثر من مليون و100 الف قنطار من الحبوب ودعوة إلى التسريع في اجلاء الصابة    علاش الكليماتيزور في الكرهبة متاعك ما يبردش؟ أهم الأسباب والحلول    صفاقس : "تركيز ملعب للكرة الطائرة بشاطئ الكازينو تزامنا مع الإحتفال باليوم العالمي للكرة الطائرة"    مسافرة وحدك؟ هاك السرّ اللي ينجّم يوصّلك لبلاصة الكلاس من غير ما تخلّصي فرنك!    وزارة التجارة تعلن عن موعد إنطلاق موسم التخفيضات الصيفية    جمعية أحباء المكتبة والكتاب ببن عروس تطلق مسابقة في كتابة الشعر باللغة العربية الفصحى    المنخفض الجوي يشتد غرب البحر المتوسط ومخاوف من الفيضانات    بفضل شراكة تونسية سعودية.. 52 طفلاً يستعيدون نعمة السمع !    انقلاب شاحنة محمّلة بالطماطم..#خبر_عاجل    Activi Sifek مع شهري عرض Ooredoo الجديد للدفع الآجل على شبكة الجيل الخامس، مليء بالمزايا الحصرية    النجم الساحلي: قائمة المدعوين لتربص حمام بورقيبة    سينر يبلغ دور الثمانية في ويمبلدون للتنس بعد انسحاب ديميتروف للإصابة    هزة أرضية بقوة 9ر4 درجات تضرب قبالة هذا الساحل..#خبر_عاجل    الحماية المدنية: إطفاء 134 حريقا خلال ال 24 ساعة الماضية    رود بالك: زرّ صغير في'' كوموند الكليماتيزور'' ينجّم يكلّفك برشة فلوس في فاتورة الضوء!    مجسّم ''الباخرة الغارقة'' يُثير الجدل في منزل جميل... والبلدية تؤكّد انه جميل وناجح    تونس: انخفاض في درجات الحرارة وتحذيرات من السباحة بداية من مساء اليوم    حادث مرور قاتل بهذه الطريق..وهذه حصيلة الضحايا..    الصباح ما يكمل كان بفنجان تاي ولا قهوة... أما شنوّة المفيد فيهم؟    علاش القطن ديما هو الحل في الصيف؟ اعرف السر!    سخانة الصيف ما عادش تعبك! 3''عصاير'' تردلك النشاط وتبردك على طول    مروان بن جمعة : المفاوضات مع واشنطن متواصلة وأجواؤها إيجابية    تونس.. ثاني دولة إفريقية تُفرض عليها رسوم جمركية ترامب بعد هذه دولة    رسميا: النادي الإفريقي يكشف عن ثالث تعاقداته في المركاتو    المنتخب الوطني لكرة السلة سيدات يواجه اليوم نظيره المصري في نهائي البطولة العربية    نتنياهو يعلن عن ترشيحه ترامب لجائزة نوبل للسلام    رئيس الجمهورية: وضع حد للفساد ودفع الاستثمار على رأس الأولويات..    طقس اليوم الثلاثاء    عاجل/ منظمة إرشاد المستهلك تدعو لإيقاف فوري للشنقال والصابو المخالفة للقانون..    عاجل/ بعد الاجراءات الاخيرة في "التوينسار": هذا أبرز ما جاء في لقاء رئيس الدولة بوزير النقل..    لماذا ألغيت مباراة تحديد المركز الثالث في كأس العالم للأندية 2025؟    تاريخ الخيانات السياسية (8): الغدر بالحسين بن علي    المهرجان الجهوي للمسرح بدور الثقافة ودور الشباب بولاية منوبة يومي 8 و9 جويلية    بكالوريا: اليوم انطلاق التسجيل في خدمة ال SMSلنتائج دورة المراقبة    شنية سرّ السخانة في جويلية.. بالرغم الي أحنا بعاد على الشمس؟    تاريخ الخيانات السياسية (7): ابن مُلجم و غدره بعلي بن أبي طالب    تاريخ الخيانات السياسية (6) .. أبو لؤلؤة المجوسي يقتل الفاروق    تذكير بقدرة الله على نصرة المظلومين: ما قصة يوم عاشوراء ولماذا يصومه المسلمون ؟!..    









العراق... كما يريدونه
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005


(الوديان الوطن القبلي)
حددت امريكا ومن غيرها؟ تاريخ الثلاثين من جوان 2004 موعدا لانتهاء عرض الجزء الاول من شريطها الهوليودي «احتلال العراق» لتنطلق مباشرة في تصوير الجزء الثاني الذي يبدو في ظاهره حكومة عراقية ديمقراطية مستقلة وفي باطنه اشباه رموز سياسية تزكيها إدارة بوش سيطبقون ديمقراطية ما بعد الحادي عشر من سبتمبر الامريكية.
وعليه فإن الجزء الثاني لا يختلف عن الجزء الاول الا في مستوى العنوان والممثلين الكومبارس .
وقد بدا ان الامريكان كعادتهم على عجلة من امرهم كلما تعلّق الامر بفتح جبهة جديدة يمارسون فيها غطرستهم السياسية والاقتصادية والعسكرية او متى اتصل الامر بالخروج من مأزق وقعوا فيه رغما عن انوفهم... ويبدو ايضا ان بوش سينصرف الآن اكثر الى نفض الغبار الذي علق بجمازته الانتخابية وهو الذي يدرك انه خسر ما يكفي من الوقت لفائدة غريمه في السباق نحو البيت الابيض او بالاحرى خليفته المستقبلي في مشروع (امركة العالم).
هذا طبعا اذا رأى فيه الصهاينة كفاءة تفوق ما توفّر لدى بوش... والظاهر ايضا ان امريكا اصبحت اليوم على يقين بضرورة تغيير شكل الاحتلال وهي التي كانت تعتقد ان قبضتها الحديدية ستطوّع العراق بضربة سحرية خاطفة يصلّي بعدها العراقيون ابتهاجا بزوال غمامة العقود الماضية وترحيبا بالحرية والعدالة برفرفان على اجنحة طائرات البنتاغون... لذلك فإن الاصرار على تاريخ الثلاثين من جوان جاء في الحقيقة تناغما مع منطق الهروب الى الأمام بعد ان تبيّن لإدارة بوش ان الاستمرار في المعركة بشكل علني يعدّ نوعا من الجنون بحكم الخسائر في العتاد والعباد وبسبب من تداعيات مشاهد العراء الأخلاقي والسياسي والعسكري في سجن «أبي غريب»... لكن منطق الهروب ذاك لا يعدّ تراجعا عمّا خطط له الامريكان والصهاينة منذ سنوات بل ان الشكل الجديد من الاحتلال سيكون الأفظع والأقسى فعراق ما بعد الثلاثين من جوان ستحكمه سلطة عراقية اجتهد الابراهيمي كما اراد له الامريكان ان يجتهد اجتهد في اصطفاء رموزها مقابل دفع حكومة المجلس الانتقالي الى الاستقالة الجماعية دون شكرهم على جزيل ما قدّموا من خدمات... وطبعا فإن تشكيلة «غازي الياور» المؤقتة ستعمل بوصاية امريكية وكيف ترى المغتربين عن عراق ما قبل التاسع من افريل 2003 ينجحون في تسيير البلاد دون مساعدة امريكا التي تعلم عن العرب اكثر مما يعلمه العرب عن ألوان ستائر غرف نومهم وألوان ملابسهم الداخلية؟
ولإضفاء الشرعية الدولية على الخطوة القادمة كلّف بوش نفسه عناء الاتصال بأكبر رؤوس اوروبا العجوز (على حد تعبير كولن باول) لاقناعهم بضرورة توحيد الاصوات حول مستقبل العراق... وقد يكون وعدهم بأن يضاعف نصيبهم من الكعكة العراقية.. وهكذا نجحت الإدارة الامريكية في تهيئة الظروف لجلسة «اعادة الاعتبار» لمجلس تركيع الشعوب لتوريطه في سايكس بيكو جديدة تغذي طموح امريكا الرامي الى ارساء «الشرق الأوسط الكبير» ولان سيناريو المسرحية جاهز منذ زمن فقد رحب «إياد علاوي» رئيس حكومة العمالة بالمبادرة التاريخية لإعادة السيادة للعراقيين في عراقهم الجديد الذي تربى رموز سلطته بين احضان الاستخبارات الامريكية ويؤكد كولن باول هذا القرار التاريخي برفض اي «فيتو» عراقي على الانتهاكات العسكرية الامريكية في ارض العراق... اما السيناريو الأفظع فهو تطوّع السلطة العراقية المنتخبة في دهاليز البيت الابيض بمزيد بيع الوطن بخيراته وحضارته وتراثه ونفطه وعلمائه الى الغرباء وسيواصلون فتح ارض العراق على مصراعيها امام شركات عالمية متعددة الجنسيات بتعلة وهمية هي إعادة إعمار العراق وبغاية مسمومة هي مزيد نهب خيرات البلاد وتركيع شعبها.
أما ملامح المستقبل فلن يكون شعارها الاستقرار في ظل رفض الشعب العراقي للمصير السياسي الذي تآمرت الدول الكبرى وعملاؤها العراقيون على اختياره، وفي ظل واقع النهب والتقتيل والتخريب الذي تورط فيها عراقيون ومرتزقة استغلوا الفوضى وتضرّر منه عراقيون لا حول لهم ولا قوة... وهي معطيات ستترك باب الفتن والفوضى مفتوحا وهو ما تريده امريكا لتعجّل بتنفيذ مشروع تقسيم العراق..
ليس ذلك فحسب، لأن امريكا واسرائىل خططتا جيدا لعراق ما بعد النكسة... «وطن» جديد اغتيل عدد كبير من علمائه ونُفي آخرون ماديا ونفسيا... هو «وطن» آخر ستتربى اجياله القادمة على صور الدمار الذي شوّه وجه عراق الحضارات والأمجاد وعلى هاجس الخوف من المستقبل المجهول فاطفال العراق انغرست في نفوسهم هستيريا من الرعب فانقلبت رسوم البراءة الجميلة في عيونهم وفي قلوبهم الصغيرة، وفي لوحاتهم الربيعية الزاهية، انقلبت الى صور للدماء والى اشلاء من الأحلام الضائعة فهل تراهم يتركونهم غدا يتلذذون بتلاوة القرآن في كتاتيبهم؟ وهل يمنحونهم حرية الاحتفال بعذوبة الحياة في رياض الاطفال؟ وهل يسمحون لهم بترديد اناشيدهم الوطنية ورسم علم العراق في مدارسهم؟ وحين يكبرون هل تراهم يدرّسون بمعاهد العراق الجديد وكلياته فروسية عنترة وحماسة ابي تمام وكبرياء المتنبي وابداعات سعدي يوسف والبياتي والسياب؟ وهل تراهم يذكرونهم بحضارات العراق القديمة وبمناراته الاسلامية؟ اما اذا راموا البحث في ذاكرة الوطن فهل تحسبهم يصادفون في متاحف العراق التي خرّبت ونهبت كنوزها غير خوذات المارينز ونعالهم الغليظة؟ وهل تظنهم يعثرون في مكتبات الوطن الجريح على موروث العراق الادبي والفكري والثقافي بعد ان فعل بها الغزاة اكثر مما فعل بها التتار قديما؟
ثم كيف ستنسى حرائر العراق صور الشرف المهدور ومشاهد الاغتصاب الجماعي للأنوثة والجمال؟ وهل تراهنّ يتحمّسن لإنجاب اطفال سيتجرّعون مرارة الحليب المستورد من ضيعات «البنتاغون»؟
يا سادتي... حرب امريكا وحلفائها، على العراق ستبدأ الآن... هي بالاحرى حرب جني ثمار العاصفة التي اجتاحت العقول والنفوس والقلوب وداست الأجساد لتشوّه كل شيء جميل... ولتحاول طمس كل شيء رغبة في تحويل كل شيء الى ركام من الحجارة الصماء تنتحب على اطلال تاريخ يريدونه ان يندثر... انها حرب من اجل استئصال الكرامة من معاقلها، حرب من اجل اجتثاث الهوية من منابتها... ان العراق الجديد هو فلسطين أخرى يريدها أعداء الأمة ان تكون الصفعة التي ترعب الأفئدة ان كانت حية طبعا وتميت كل الحواس، الا حاسة الانصات في خشوع الى موسيقى الأمركة الصاخبة.
يا سادتي انه زمن الانكسار العربي على عتبات العولمة، يقتسم الأعداء الغنائم ونتناحر نحن على فتات ما عاد يرضي المتسوّلين، ثم نستجدي عطف زعماء البيت الابيض علّهم يسمحون لنا باستنشاق الهواء اي هواء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.