فعلها الشعب التونسي.. حيث لم يفعلها أحد!! لم تحركه المعارضة، لم تحفزه الطائفة، ولم تدعمه الدول الغربية ولا العربية او الافريقية ولا دخلت أمريكا بدباباتها!! هذا الدرس الذي ضربه شعب أبو القاسم الشابي لم يسبق له مثيل في امتنا التي تتخلص من احتلال باحتلال آخر ومن دكتاتورية مدنية بزخرى عسكرية، ومن حاكم ظالم الى آخر جائر.. لقد أسقطت ثورة الزيتون كل النظريات المحبّطة لأمتنا والقائلة ان العرب لا يعفون كيف يثورون على طغاتهم او يهزون عروش الدكتاتوريات التي تحكمهم بالحديد والنار.. ها نحن نجبر حكامنا على إعادة حساباتهم بصروف الزمان وتقلب الأيام، وها هو أحد أعتى الطغاة يتحول الى قشة في مهب الرياح أمام عاصفة الشعب وينتقل من رئيس لمدى الحياة الى رئيس مخلوع يلوذ بالفرار أمام أول هبة شعبية... أكاد أجزم ان الفرحة التي غمرتني وأنستني لبضع الوقت نكباتنا الماضية ونكساتنا المتعددة، أفرحت ملايين العرب على طول الخارطة وأوقدت شعلة لن تطفئها ارغفة الحكام التي فرقتها بين الجياع، في محاولة لامتصاص نقمة شعوبها المندثرة تحت أساسات قصورهم الفارهة. ولن تشفع استجداءات الظالمين ولا إصلاحاتهم المزعومة من ثورة قادمة في بلد آخر.. ولن تفيدهم العمالة مع القوى الامبريالية الغربية في إسناد كراسيهم المتخلخلة.. ها هو الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين لم يكن مرحبا به في فرنسا (الصديقة) ولم يجد دعما من أمريكا (الحلوفة) أقصد الحليفة، كما لم يجد قبله شاه إيران (الشرطي الامريكي في الخليج العربي) اي ترحيب من حلفائه بعد ثورة الشعب الايراني. حتما ستظل وسائل الاعلام تكتب وتقرأ وتروي ما حدث في تونس لأسابيع طويلة وسيبقى يوم 14 جانفي يذكرنا بنصر الشعب التونسي على طاغوته وننتظر يوما جديدا يخلد فيه بلد عربي آخر ثورته البيضاء ولتكن كما الشعلة الأولمبية تنتقل من يد الى أخرى الى أن تتحرر الخارطة من سراقها والمتأمرين على شعوبها..