يتساءل المواطنون العرب الذين أثملتهم الانتفاضة الشعبية في تونس عن امكانية تكرار السيناريو الذي اطاح سريعا بزعيم يمسك بزمام السلطة بقبضة من حديد في شمال افريقيا أو دول أخرى. وفي ظل الغضب المكتوم بسبب المعاناة الاقتصادية والقمع السياسي المستشري في العالم العربي باستثناء بعض الدول الأكثر ثراء أثبتت الأنظمة مرونتها وخبرتها الكبيرة في كبح الضغط من أجل الاصلاح. والعرب الذين يتوقون لان تسمع اصواتهم من بين من يأملون ان يتغير هذا الحال بينما يرى اسلاميون متشددون تونس مثالا لما ينتظر القادة العرب الذين يميل الغرب لغض الطرف عن افتقارهم لاي مؤهلات ديمقراطية طالما يستطيعون احتواء التطرف الاسلامي ويحاربون القاعدة. وقال مقتدى الصدر رجل الدين الشيعي العراقي ان الشعوب اقوى من الطغاة وأضاف ان الشعب التونسي طوى صفحة قاتمة بقوته الذاتية دون احتلال او تدخل خارجي. ولكن ما من أحد كان يتوقع ان تكون تونس التي تبدو مستقرة ظاهريا وتتمتع برخاء نسبي أول دولة تطيح بحاكم عربي شمولي من خلال انتفاضة شعبية. لذا الحذر مطلوب عند تقدير ما اذا كان سيثبت ان الانظمة غير الديمقراطية في دول شمال افريقيا الاخرى وبقية العالم العربي باستثناء العراق ولبنان هي بنفس ضعف نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. ونجحت الجزائر حتى الان في احتواء احتجاجات عنيفة استمرت اسابيع بسبب البطالة ونقص المساكن والارتفاع الكبير في أسعار الغذاء ويرجع الفضل في ذلك جزئيا لخفض أسعار السكر وزيت الطعام. وتحكمت عدة دول عربية من بينها ليبيا في الاسعار من خلال خفض الضرائب او تجميد قرارات خفض الدعم او العدول عنها في محاولة لتهدئة الغضب الشعبي الناجم عن مصاعب اقتصادية. وقال سعد جبار وهو محام ومحلل سياسي جزائري يتخذ من لبنان مقرا له «إذا لم تقبل التغيير سيفرض عليك .. أنها رسالة تونس للقادة العرب». وأضاف ان حكومات الجزائر والمغرب ومصر لديها قاعدة نفوذ أكبر من بن علي ولكن شعوبها تعاني من نفس المشاكل وبصفة خاصة نقص الوظائف والسكن. وقال جبار «بالطبع ينبغي ان يكون الجزائريون حذرين لكن مصر هي الاهم في هذا الصدد» وذكر ان سعي الرئيس المصري حسني مبارك لشغل منصبه لفترة سادسة أو يخلفه ابنه جمال أضحى أصعب الآن. وظل مبارك (82 عاما) نحو 30 عاما في السلطة ومن المتوقع الى حد كبير ان يخوض الانتخابات الرئاسية التي تجري في سبتمبر المقبل. ووصف احمد ابو الغيط وزير الخارجية المصري فكرة امتداد الانتفاضة على غرار ما حدث في تونس لدول اخرى بأنه «كلام فارغ». ولم يتضح الدور الذي لعبه الجيش التونسي في السقوط الاخير لبن علي ولكنه في النهاية لم يستطع او لم يرغب في سحق أعدائه بوحشية. ويبدو مستبعدا ان تنهار بسهولة السلطة في مصر والجزائر حيث قمعت قوات الأمن في التسعينيات احتجاجات لحشود غير مسلحة. والمظاهرات وحدها لن تنجح بالضرورة في اماكن اخرى فقد قمعت قوات الأمن احتجاجات ضخمة في شوارع ايران عقب انتخابات الرئاسة المثيرة للجدل عام 2009 . وقال اسلامي متشدد سابق في ليبيا طلب عدم نشر اسمه ان بلاده لديها مناعة من امتداد العدوى التونسية باستثناء منطقة بنغازي المضطربة. ويرجع ذلك بصفة اساسية لشبكة من التحالفات القبلية تدعم حكم الزعيم معمر القذافي والثروة النفطية للدولة وتباعد التوزيع الجغرافي للسكان ووعي باستعداد الدولة للجوء للعنف ضد المعارضين والمعتقلين السياسيين. ورغم ذلك يتعين على القادة العرب ان يوازنوا بعناية بين مواصلة كبت المعارضة او بدء عملية اصلاح تدريجية لتفادي حدوث انفجار على غرار ما حدث في تونس. وقال مايكل ويليس خبير شؤون شمال افريقيا بجامعة اوكسفورد «صحيح ان حكومتي مصر والجزائر بصفة خاصة لديهما خبرة كبيرة في التعامل مع هذا النوع من الاضطرابات. «لكنها (انتفاضة تونس) ستجعل المواطنين العرب اقل هيبة للسلطة. سيتشجع العرب في كل مكان . إذا تحلت الحكومات العربية بالمنطق ستبدأ الاصلاح. تونس كانت مغلقة لدرجة ان ابسط انفتاح ادى لانطلاق الضغط». واحتمال حدوث اضطراب قائم في كثير من الدول العربية ولكن في تونس فقط اطاح الضغط من أسفل برئيس الدولة. وقالت مارينا أوتاواي مديرة برنامج الشرق الاوسط بمعهد كارنيغي للسلام «من الصعب تحديد النقطة التي تصل فيها حالة عدم رضا مزمن الى عصيان مسلح كامل» بصفة خاصة في دول تفتقر لحركات معارضة منظمة. وقالت «بالطبع لا يمكن استبعاد ذلك وبصفة خاصة في شمال افريقيا ومصر وربما الاردن. حقيقة استسلام الرئيس في تونس تعطي حافزا لدول أخرى ولكن هذا لا يعني تكرار الامر».