هذا الوليد التونسي الجديد الذي نسمّيه الآن الثّورة والشّبيه بفرخ السّمندل المولود في الأفران لأنه مولود في نار المحرقة لبائع خضار في سيدي بوزيد, في حاجة الآن إلى أن يتغذى بحليب أمّه الصّافي... نعم تمّت الولادة في شكل انتفاضة شعبية مطالبة بالعيش الكريم واحتجاجا على الأوضاع الصّعبة في البلاد, ولم تكن هذه الولادة رميا لخديج أو ولادة قيصرية أوإجهاضا قصريا, بل هي ميلاد لانتفاضة وتحوّلت إلى ثورة حين أصبحت الفسحة ممكنة للنخب التونسية لكي يصوغوا التصورات والأفكار الجديدة من أجل بناء مجتمع جديد ضمن مشروع سياسي جديد لا مكان فيه لأشباح النظام القهري البائد. وإنيّ على يقين من أنّ هذه النّخب التونسية قادرة على تحقيق هذه الثورة حين تستنفر البلاد طاقاتها الحيّة والشّريفة والوطنية بكل تلوناتها الفكرية والسياسية في الدّاخل والخارج لترسم ملامح البلد الجديد ودولته ونظامه ومستقبل أبنائه, وحين تتمثل البلاد تاريخها العريض في النضال والتحرر... هذه الثورة ليست قادمة من عدم, وإن تجلت في شكل معجزة يئس الناس قبلها من كل تغيير. هذه الثورة ليست من عدم وإنما هي نتاج تراكمات طويلة من الشعور بالقهر ورداءة الأوضاع, بل كذلك من تراكمات طويلة من النضالات الشعبية التي ترى والنضالات التي لا ترى... هذه الثورة ليست قادمة من عدم لأنها الشرط الوحيد الذي من خلاله قد تشكل الكائن التونسي طوال ترسبات وجوده وأحلامه ومخياله وذهنيته وشخصيته القاعدية أوالمركزية المنفلتة عن كل تحليل موضوعي أوعلمي, سوسيولوجي أوأنثر وبولوجي, تاريخي أوأيديولوجي.. لذلك يخطئ من يعتقد أنه قد فهم التونسيين , يخطئ من يعتقد بإمكانه أن يضع التونسيين في خانة أوتحت عنوان, يخطئ من يستعمل عناوين للشعب التونسي وصفة لحركته التاريخية الفارقة التي غيرت يأس الشعوب من تغيير أحوالها خارج الوصاية والتدويل...يخطئ من يعكس صورا وعبارات جاهزة على التونسيين وعلى ثورتهم , ويخطئ من يريد أن يقدم النصيحة للتونسيين أوأن يتنبأ بمستقبلهم. ويخطئ من يستهين بهذا الشعب المذهل وطاقته وقدرته على الرفض , ويخطئ من تغره صغر مساحة هذا البلد على الخرائط , ويخطئ من يعول على الفوضى الخلاقة وعلى «عرقنة» البلد أو «لبناتها», ويخطئ من يعول على صورة البلد مختزلة في صور الهاتف الجوال أوفي جدران ال«فايسبوك» في تهويل وتأزيم الأوضاع , لأن من ينزل إلى الشارع سيدرك عراقة هذا الشعب في المحبة والتكاتف والتسامح والتراص صفا واحدا من أجل عودة البلد إلى تألقها وقوتها وخصوبتها. نقول الشّاخصين بأنظارهم الآن إلى تونس, والمطلين على ثورتها الناشئة من وراء شاشات النفط ومن شاشات الإستعمار القديم المتجدد ومن شاشات الانقلابات العسكرية, ومن شاشات الأجوار الأشقاء جدّا جدا وحتّى من شاشات الكهوف عليهم أن يصمتوا قليلا اقتصادا في الرّيق واقتصادا في الضجيج لكي لا يزعجوا الوليد الجديد الذي فاجأ ميلاده الجميع. ونقول للخائفين من الثورة التونسية الوليدة, والمرتعدين على عروشهم والمدججين بنياشينهم والحاكمين شعوبهم من وراء الحجب لا تخشوا من عدوى هذه الثورة تدق على أبوابكم وتتربص من على أسواركم, «تصدير هذه الثورة» قد حدث بينكم منذ لحظة تدخلكم في شؤوننا فاقتصدوا قليلا في الوقاحة حتى لا تكون المأساة , مأساتكم , مهزلة.