قبل تدوين كتابي«المتلوي...شذرات من الذاكرة»كنت اتصلت بصفة مباشرة ببعض ما تبقى من المناضلين النقابيين الذين ساهموا في تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل بقيادة الشهيد الزعيم فرحات حشاد في 20 جانفي1946 مستجليا حقيقة كان قد حدثني عنها والدي(رحمه الله) مشيرا الى أن الزعيم حشاد وفي أحد الاجتماعات التي عقدها بمنزل أحد النقابيين بمدينة المتلوي وذلك سنة 1947 كان قد تحدث في رد على تساؤل أحد الحاضرين حول الخونة والأرذال الأسافل الذين كانوا يتعاملون مع المستعمر الفرنسي وأي مصير ينتظرهم في صورة استقلال تونس...مؤكدا أن هؤلاء الخونة لاقيم ولا أخلاق ولاحياء لهم وقد يجدونهم في الصفوف الأمامية عندما تستقل البلاد وهم يرددون أهازيج النضال ويعددون خصالهم وأعمالهم في الحركة الوطنية وقد يسبقون الجميع في الحصول على الوثائق ويزورونها ليظهروا للرأي العامل وللشعب الكريم أنهم«أبطال»...وهو ما تم فعلا وتجلت حقائقه وأكده المناضلون النقابيون الأوائل والقدامى... مثل هذه المعلومة المهمة جدا اتضحت أيضا صبيحة 7 نوفمبر 1987 حيث احتجب الكثيرون من الذين كانوا بمثابة الهراوات التي تنزل دون شفقة على رؤوس القوى الحية من المستقلين والمعارضين للنظام البورقيبي قبل وصول أخبار تفيد أنهم كانوا يعدون برقيات استنكار وتنديد على الانقلاب غير أنهم وبعد الاعلام عن موعد المسيرة المؤيدة للانقلاب كانوا أيضا في الصفوف الأمامية يناشدون الجديد ويشتمون القديم مؤكدين أن بورقيبة هرم وفقد صوابه ورشده ويحمدون الله أن جاء اليوم الذي رأوا فيه تونس تتطهر من الظلم والقهر والاستبداد وسبحان مغير الأحوال حيث تحولت برقيات الاستنكار والتنديد الى برقيات الولاء والتأبيد?! وتشاء الظروف الا أن يعيش الشعب التونسي مرحلة جديدة زرع بذورها ونفذها الشباب بكل وعي وحماس وتلقائية دون أن يعلم هذا الشباب أن ثورتهم يركب على صهوتها اللاهفون وراء الكراسي الوثيرة الذين يحسنون العزف على كل وتيرة وخاصة في الحالات العسيرة واليسيرة ودون إدراك أيضا أن خاطفي الثورات وملطخيها يترصدون مثل هذه الفرص ليصبحوا من المنظرين الذين يمتلكون الحقيقة والحكمة. وبين ما قاله الزعيم فرحات حشاد سنة 1947 وما حدث سنة 1956 ثم سنة 1987 قد يحصل أيضا بعد ثورة 14 جانفي 2011 خاصة أن الانتهازيين كثيرون وفي أكثر من مجال وقطاع وقد ينتهزون الثورة لفائدتهم ويلغون الشباب الذي انجز ما لم يستطع انجازه أحد...وقد يحرصون على تعميق تنظير التدمير ويؤكدون أنهم وراء هذه الثورة لاهثون وراء الثروة التي قد لا تتوزع هذه المرة بالشكل الذي يرنون اليه مهما حرصوا على ربح الوقت وتهدئة الأوضاع واستثمارها وذلك فقط لأن الشباب أصبح واعيا ومدركا كل الإدراك أن الحاضر صنعه بمفرده وبالتالي فإنه سيؤسس للمسقبل الذي يبقى أيضا له وحده وللأجيال القادمة التي لم يفكر فيها أحد بقدر ما كان الاتهام بالميوعة والانحلال والتهميش للشباب كبيرا والتشاؤم بمستقبله عميقا ولذلك فان المزايدات باسم الشباب والسمسرة بالثورة مرفوضة والا فان الأيام وحدها ستكون كفيلة بكشف الحقائق التي تبقى متأرجحة بين الشك والتعتيم والتضخيم والتقزيم والبناء والترميم خاصة أن النوايا بدأت تتضح في مفترق الثيانا أن نهاية هذه الثورة ستكون لها أكثر من بداية أخرى قد لا يعلم أحد موعدها ولا تداعياتها ولا مصيرها... فاحفظوا الثورة وصونوا الامانة...والا فان رائحة الخيانة قد بدأت تبرز هنا وهناك وتونس وشبابها لا يستحقان الا العزة والكرامة والصون في هذا الكون الذي شهد بأن ثورة شباب تونس تبقى النموذج الذي يجب أن يدرس في أكبر الأكاديميات العالمية