الحزب الاشتراكي اليساري حصل على تأشيرة العمل القانوني بعد 14 جانفي بعد أن عانى مؤسسوه والمنتمين اليه سنوات من السجن والمطاردة والعمل السري. كيف يقيم هذا الحزب اليساري الجديد ما يحدث في تونس اليوم? وكيف يتصور التجربة الديمقراطية الناشئة? الشروق التقت أحد مؤسسيه فرحات الردّاوي في هذا الحوار. كيف يقيم حزبكم ما يحدث في تونس منذ 14 جانفي وكيف تقيمون تركيبة الحكومة? سيظل يوم 14 جانفي علامة مضيئة في مسيرة الشعب التونسي لأنه مثل نقطة التحول من الأحتجاج والمطالبة الى جني النتائج والتي كان أبرزها سقوط رمز الديكتاتورية ، هذا الانجاز جاء تتويجا لنضالات كل فئات الشعب التونسي بمختلف شرائحه وحساسيته لقد مثل الأنتقال من الاحتجاج المطلبي الاجتماعي الى الطلب السياسي نقلة هامة كان قد أكد عليها الحزب الاشتراكي اليساري منذ تأسيسه. هذا المطلب الذي كان الآلية الضرورية للنهوض بالمجتمع التونسي نعني بذلك ضرورة الانتقال من الجمهورية الديكتاتورية الى الجمهورية الديمقراطية لقد توفرت للشعب ولنخبه ولأول مرة يوم 14 جانفي فرصة الانتقال الى الجمهورية الديقراطية عبر آلية مدنية سلمية وهو ما لم يتح لشعوب أخرى تعيش أوضاعا مشابهة وتنشد الأنعتاق الاجتماعي والتحرر السياسي. ان الانتقال الى الجمهورية الديمقراطية يتطلب آليات وضمانات يكون للشعب فيها كلمته من خلال مختلف تعبيراته السياسية والنقابية والحقوقية والمدنية وغيرها وبما أننا نعيش فترة انتقالية فلا بدّ من أداة تؤمن هذه النقلة فكانت الحكومة الحالية وهي حكومة مؤقتة مهمتها تصريف شؤون البلاد الى جانب اللجان الثلاث التي أوكلت لها أدوار هامة متمثلة في الاعداد للإصلاحات السياسية ومراجعة القوانين زيادة على محاسبة كل من تسبب في مأساة الشعب التونسي في الفترة السابقة. لذلك أعتبرنا في الحزب الاشتراكي اليساري أن عمل هذه اللجان لابد أن يؤدي الى الاعداد لحياة سياسية ديمقراطية والقطع التام مع الديكتاتورية والفساد والتهميش مما يجعلنا نؤكد على أن تكون هذه اللجان منفتحة على كل التعبيرات والحساسيات وشفافة في عملها وسريعة في أدائها. هناك عدد كبير من التيارات السياسية يسارية وقومية خاصة طلبت تأشيرة العمل القانوني كيف ترى انعكاس هذا على المشهد السياسي? الشعب التونسي مثقف وله نخب وقد عبر عن نضجه منذ عهد بعيد فمنذ العشرينات من القرن الماضي كانت هناك عديد الأحزاب(الحزب الدستوري الحزب الاصلاحي الحزب الشيوعي) وبعد الاستقلال تم تهميش كل هذه النخب والتعبيرات السياسية بسطوة الحزب الواحد الا أنها ظلت تناضل في المجالات النقابية والثقافية وكذلك السياسية غير القانونية ودفعت لأجل ذلك التضحيات الجسام. وبما أن من شروط الحياة السياسية الديمقراطية التعدد فلا بد أن يفسح المجال لكل راغب في العمل السياسي والجمعياتي وبما أن فرص الحوار ومجالاته بين النخب لم تكن متاحة فمن الطبيعي أن نجد التعبيرة اليسارية مثلا أو القومية مجسدة في عدة تيارات ومجموعات فالحركة الديمقراطية برمتها لم تنجح في صياغة بديل موحد وستعمل جماعات الى حين وبالنقاش وحرية الاعلام والمطارحة ستتوحد أغلب التعبيرات والحزب الاشتراكي اليساري سبق أن نادى منذ تأسيسه بوحدة اليسار ووحدة الحركة الديمقراطية وسوف لن ندخر جهدا للعمل على أنجاز هذا الطموح الذي يمثل ضمانة لمستقبل الحياة السياسية في بلادنا وضمان لنظام سياسي ديمقراطي في صالح البلاد والشعب. ما هي الأولويات المطروحة الآن في البلاد? هناك أولويات عاجلة حينية تتعلق بحياة الناس ومصالحهم الاقتصادية والاجتماعية وهذا لن يتحقق الا بضمان الأمن والحرص على حسن سير الدواليب الاقتصادية والمصالح الإدارية المختلفة وكذلك الإجراءات المباشرة لفض حالة الأحتقان في علاقة بالملفات الأجتماعية في مختلف القطاعات كالعمال العرضيين وعمال المناولة الذين لم يقع ترسيمهم ظلما والذين تراكمت مشاكلهم في عديد المؤسسات بحكم سطوة المشرفين والمسيرين السابقين أو انعدام الحوار الاجتماعي في مؤسساتهم كما أن ملف البطالة في حاجة الى تناول مجد وسريع ولا يحتمل التأجيل أضف الى ذلك حاجيات الجهات المحرومة التي رفعت في الاحتجاجات الأخيرة الى جانب ذلك لابد من اجراءات واشارات تجعل أزمة الثقة بين المواطن والحكم تتقلص وذلك بالإسراع في الاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وقطع خطوات ملموسة في مجال الإصلاح الإداري وابعاد رموز الفساد في المؤسسات والإدارات والانصات الفعلي لكل التيارات دون اقصاء أو تهميش. كيف ترون العلاقة مع حركة النهضة مستقبلا? بما أن النظام الجمهوري يضمن الحريات ويحمي ممارستها بما في ذلك حرية التعبير كما يضبط الحدود الفاصلة بين الزمني المتغير والروحاني المقدس أي الفصل بين السياسي والديني وبين الدولة والمؤسسة الدينية وبما أن النظام الجمهوري يقوم على تحويل السلطة العمومية الى سلطة دنيوية لذلك يجب أن يعاد كل ما يتصل بالمعتقد الى المجال الخاص وبذلك يوفر النظام الجمهوري إطارا ملائما لوحدة الشعب بقطع النظر عن المعتقدات المتنوعة والقناعات المختلفة بين أفراده. وتأسيسا عليه فاننا نرى أن النظام الجمهوري أقرب الى جوهر علاقته بالشعب الى مفهوم النظام المحايد حيال المعتقد أي حياد الدولة تجاه جميع الأديان والمعتقدات. لهذا نرى أن تأسيس الأحزاب على أساس ديني أو عرقي أو جهوي يمثل خطرا على الجمهورية وعلى الحريات العامة والفردية. لذلك نرى أنه على كل من يريد العمل السياسي أن يتقدم ببرنامج سياسي اجتماعي اقتصادي مدني دون توظيف الدين.