كل يوم نسمع اشاعة جديدة، خطف تلاميذ، اغتصاب، جرائم متفرقة أو منظمة. ماء مسمم،وكأن الشيء الذي لا يمكن تصديقه في عالم الفوضى السياسية اليوم هو الحقائق، نجد للاشاعة فضاء واسعا وقبولا كبيرا من قبل الناس، الاشاعات التي تجري اليوم تكون أحياناً مخيفة عندما تمس المجتمع وتنشر الرعب والخوف عند مواطنين في حالة خوف مسبقة من جراء تطور الأحداث، وثانياً الاشاعة السياسية «مخطرة» لأنها تنزع القيم الأخلاقية عن العديد ممن ينسبون للسياسة، لعدم وجود مبدئية معينة، هي مجرد تكتيك حسب الظروف وطرق المصالح التي ترفع شعار «الغاية تبرر الوسيلة» وكأن الكذب شماعة توضع عليه حالات من النفاق والعنف باسم الغايات النبيلة. وقد عرفت الاشاعة السياسية منذ القدم وسميت «بالطابور الخامس» فحجم تدميره أحياناً يفوق ما يتلوه من جيوش جرارة، وحرب العراق انطلقت من اشاعة أسلحة الدمار الشامل. بل ان صحفياً يدعى بيل روبرتس نشر اشاعة عن وجود أسامة بن لادن في واشنطن، فما كان من أجهزة المخابرات الأمريكية الا أن استعانت بأساتذة القانون والاجتماع والعلوم السياسية في دراسة كيفية وضع سلاح مضاد يخنق عنق أي اشاعة كانت, ويقال إن مقتل كينيدي كان على أساس اشاعة أرست فكرة اغتياله، وفي الأردن ومصر وعمان والمغرب طالب سياسيون وحقوقيون واعلاميون تأسيس «مرصد للإشاعة» لرصد الظاهرة وتتبعها ومحاصرتها في مهدها، وتوعية الرأي العام بكيفية انتشارها خلال نشاطات سياسية كالانتخابات أو الأزمات، وهي ليست دائماً انحرافاً وشذوذاً لأنها قد تكون تعبيراً عن حاجة المجتمع للتنفس. أنا نفسي هذه الأيام أتأثر بالاشاعة وأرددها بعد سماعها وأؤكد عليها خاصة حين تحمل خبراً جيداً في وضع متعب، لكن أحياناً هناك اشاعات ضمن الصراع السياسي اليوم تسبب لي الاحباط بسبب تعكز العديد على مبدإ الاشاعة في تحقيق أغراض للمس من الشبه استقرار نحن جميعاً نتوق اليه، ضمن لعبة قذرة يلعبها بعض من ينتسبون للسياسة, وأبسط مثال حادثة الماء المسمم، قام الناس بالتهويل للاشاعة لكن بعد ذلك قام الاعلام بواجبه في محاولة كشف الحقيقة. وما يزعجني اليوم هو تمادي البعض في نشر اشاعات تزعزع ثقة المواطن في الوضع السياسي والاجتماعي، وما يحصل ماهو الا لعبة للكبار فقط، تحاول تكوين حالة من عدم الثقة والاطمئنان ما بين المواطن التونسي والحكومة، التشكيك في قدرة القوات الأمنية ومطالبها، محاولة تأجيج الصراع الليبرالي واللائيكي والديني والقومي، وتكوين صورة لدى المواطن بعدم جدوى الانتخابات فيما بعد بما أن هذه الحكومة ليست في مستوى المطلوب. فلنفترض أن بعض ما قيل صحيحاً، لا حل الآن، كل شيء في وضعه الجاري ولا تغيير أو تبديل، لنحاول أن نركب السفينة ستة أشهر لنصل لبر الأمان، لنعطي من يعمل على ايصال السفينة فرصة ولو أنهم غير محتاجين لذلك، لنلملم ما تأذى وتناثر ونحمد الله أننا خرجنا سلامات، أقول هذا وأنا أشاهد ما يجري في مصر، مصر الجميلة، مصر العظيمة تحترق، وشبابها البطولي يستشهد برصاص اخوانه، كان يمكن أن يجري هذا في تونس، لكن المثل التونسي يقول «تونس تحميها صلاحها». المشكلة اليوم في الكتابة، أحاول أن أختار الكلمات والمعاني، فقد أفرغ اعلام الفترة الماضية المفردات من معانيها، وأتمنى أن لا تحمل كلماتي خلفيات الخطاب القديم رغم أنني لم أستعمله قط، لكن صداه ما زال في الأذهان. يبقى مفهوم ومغزى الاشاعة السياسية والأمنية في تونس محاولة البعض السيئ للمساس بقدرة وتطلعات الشعب في الوصول للبلد الى الأمام , فعلى الرغم من وجود تقصير في أداء بعض الوزارات فهذا لايعني أن نرمي العصا في عملية التطور وتوقيفها, بل الأفضل هو الاستمرار والتصحيح, حفاظا من المواطن على ما تحقق له ولوطنه في الأسابيع الأخيرة, والعملية السياسية اليوم بحاجة الى دعم ومساندة الجميع لها, من أجل النهوض من تبعات الطغيان والفساد, والسير لخدمة هذا الوطن, وأما أمنيا فلا يشك أحد بأن اليوم يختلف جذريا عن الأمس عندما كان الظلم يتلاعب بأمن الأبرياء،ولقد كان للجيش التونسي وما زال، يرافقه اليوم الأمن الداخلي، الدور الأكبر في مقارعة العنف والانحراف والنهب في أغلب المناطق. ما زالت السعادة بثورتنا تغمرنا، فلا نستخف بها، علينا اليوم الحفاظ على ماتحقق والدفاع عنه حتى نستطيع أن نبني تونس الجميلة، ونؤسس حياة أفضل لنا وللأجيال القادمة. لنترك خلف ظهورنا كل الاشاعات, لأن التاريخ سوف يسطر بأحرف من نور مجد وأصالة الانسان التونسي, وكذلك سوف يستذكر التأريخ كل الشهداء واليتامى والأرامل والجرحى الذين نذروا أنفسهم من أجل الحق, فلنعمل معا من أجل محاربة طيور وخفافيش الظلام المندسين بيننا. ولنقف بوجه كل الأفكار السيئة التي تترصدنا عبر انشقاقنا وتصارعنا، ولنبرهن للعالم اجمع بأننا شعب ناضل وكافح وانتصر من أجل حياة حرة كريمة. ولنقل جملة حشاد الخالدة: أحبك يا شعب.