إذا شاءت الظروف أن يكون الحوض المنجمي محلّ أنظار الرأي العام العالمي في سنة 2008 وذلك بعد انتفاض أبنائه على الاستبداد والفساد والتجاوزات التي قلّصت التنمية في جهة المناجم الثرية بفسفاطها وثرواتها الباطنية وأغلقت أبواب التشغيل أمام أبناء المساهمين في الحركتين الوطنية والنقابية قبل 1956 والمدعمين لحركة الاقتصاد والبناء والتشييد بعد خروج الاستعمار الفرنسي وذلك باهداء البلاد عصارة أفكارهم ولبّ شبابهم رغم الظروف القاسية للعمل في الدواميس وغيرها، فإن مناطق هذا الحوض المنجمي المتكونة من المتلوي والرديف وأم العرائس والمظيلة ظلت في تراجع سريع ومستمر حتى أصبحت بمثابة المقابر المهجورة نتيجة للتلوث البيئي والفقر المدقع الذي يتجلى في كل مظاهر الحياة وذلك بسبب القمع والاستبداد والفساد وتوجيه خيرات هذه الجهة المنجمية الى بعض الجهات الأخرى وبعض الأرصدة الخاصة سواء لعائلة الرئيس المخلوع وأصهاره أو لزبانيته وذلك بنسب متفاوتة وحجم الأحجام والمراكز والقرابة.. كما أن «الدولة» بمختلف وزاراتها لم تعر أي اهتمام لهذه الجهة المنجمية تاركة شركة الفسفاط لتقوم بدورها عوضا عنها والحال أن هذه الشركة وعلى مرّ السنين ظلت تذر الرماد على العيون وتعزف على أوتار متعدّدة لتحمي تجاوزاتها المتعدّدة على غرار أوتار «العروشية والحزب الحاكم وبعد أطراف النقابة»، مقابل لا مبالاتها الواضحة تجاه مناطق الانتاج التي حولتها الى مناطق صناعية لا يُستطاب فيها العيش وهو ما ولّد الضغط سنة بعد أخرى ومهّد للانفجار الذي تجلت حقائقه سنة 2008 وتواصلت الى يومنا هذا رغم القمع والاستبداد ورغم بعض الاجراءات الوهمية والديماغوجية للرئيس المخلوع مما جعل الوضع يكون منتفضا وبشكل كبير جدا خلال الأيام الأخيرة حيث الاعتصامات والاضرابات والاضطرابات والاحتجاجات والمطالبات بردّ الاعتبار لهذا الحوض المنجمي الذي أعطى الكثير لتونس ولم يجن من ذلك غير البطالة المفزعة للشباب وللأوبئة والأمراض الناتجة عن المواد الكيميائية الفسفاطية ولفقدان أبسط الضروريات الحياتية التي تترجم استقلال البلاد منذ (55) سنة.. هذه الاضطرابات والاحتجاجات الأخيرة أفرزت عديد المطالب التي ينادي بها شباب المناجم لعلّ أهمها التوازن الجهوي والتشغيل والتنمية واسناد نسبة من مرابيح المؤسسة التي بعثت منذ (1897)، أي منذ 114 سنة كاملة للمناطق المنجمية وذلك في شكل تنمية اضافية لمدن المتلوي والرديف وأم العرائس والمظيلة عساها تلتحق بركب المدن الأخرى بما في ذلك التي لم يكن لها أي حجم في فترات سابقة وذلك على كل الواجهات الاقتصادية والاجتماعية. كما يطالب أبناء المناجم ببعث ولاية تهتم بالمناجم تكون لها الخصوصية المنجمية والصناعية وأيضا الفلاحية باعتبار أن الفسفاط أهم عنصر يمكن أن يدعم الفلاحة كسماد فاعل خاصة أن التربة طيبة وصالحة لكل أنواع الفلاحة بمختلف زراعاتها. فهل تستجيب «السلطة» الجديدة لذلك أم أن الوضع سيبقى على حاله وتبقى العاصفة مستمرة والنار تشتعل حتى وإن تم اخمادها لفترة خاصة أن الجهة المنجمية وعلى مرّ السنين كثيرا ما تنطلق منها شرارة الثورة سواء قبل 1956 أو بعده مثل شرارات 1959 و1962 و1969 و1973 و1978 و1980 و1984 و1989 و1994 و2000 و2005 وأيضا 2008 فضلا عن المساهمة الفاعلة في ثورة 14 جانفي 2011