رفضت الحكومة المؤقتة إقناع المعتصمين من المعطلين عن العمل في الحوض المنجمي عبر الحصة التلفزية التي كانت ستهتم بملف الحوض المنجمي قبل إجهاضها من قبل إدارة التلفزة وقطعها قبل نهايتها بساعة و20 دقيقة وذلك لمجرد تشخيص الواقع وإبراز الأسباب العميقة التي أدّت إلى توتر العلاقة على مرّ السنين بين السلطة العليا وأبناء المناجم قبل بروز الاحتجاجات والاعتصامات الأخيرة خاصة أن المعتصمين وغيرهم من أبناء مدن المتلوي والرديف وأم العرائسوالمظيلة كانوا على أتم الاستعداد لفك الاعتصام لو قدمت هذه الحكومة أو من ينوبها مقترحات عملية بقدر ما تكون شركة الفسفاط طرفا فيها للترفيع في عدد الذين تنتدبهم من (2000) إلى عدد أكبر فإن المؤسسات المتداخلة الأخرى على غرار شركة السكك الحديدية والمجمع الكيمياوي وغيرهما من المؤسسات الأخرى من المفروض أن تتدخل بدورها للمساهمة في فض الأزمة شأنها شأن مختلف وزارات الدولة التي وإن لم تضع يدها على هذا المستوى منذ 1956 فإنه آن الأوان للتدخل الفاعل والناجع. ومن جهة أخرى فإن المعتصمين كانوا موضوعيين في تدخلاتهم وظلوا هادئين لا يطالبون إلا بكرامة وشرف الشغل دون تعجيز للدولة ولا لأي أحد باعتبار أن نضجهم كبير ووعيهم أكبر رغم محاولات البعض من قوى الجذب إلى الوراء وجيوب الردّة إقحامهم في متاهات التخريب والعصيان والتمرّد لتلويث وتلطيخ الثورة المجيدة والخالدة. بقرة حلوب... ولكن وإذا اقترحت شركة الفسفاط تشغيل (2000) معطل عن العمل واعتبرت الرقم مهما فإن الكثيرين يشيرون في شكل ردّ نزيه إلى أن هذا الرقم كان مبرمجا منذ سنة 2008 وبالتالي على الشركة أن تعير الاهتمام وبأكثر جدية للموضوع خاصة أن الاعتصامات قد تضرّ بمصالح الشركة وبالعاملين فيها الذين عبروا ل«الشروق» عن مساندتهم التامة لهم والتناغم معهم على كل الواجهات وذلك في شكل حضاري يليق بمستوى أبناء المناجم الذين لهم تقاليدهم في الحوار والتفاوض والتلاحم كما أن «الحكومة المؤقتة» مطالبة بالإسراع في التدخل الإيجابي ومساعدة شركة فسفاط قفصة دون الاكتفاء بمقترح هذه الشركة التي ظلت بقرة حلوب تمتعت البلاد بخيراتها كما أنها ساهمت في المشاريع الوطنية وفي فضّ عديد الاشكالات التي عاشتها الدولة ككل. مقترحات عملية... وحتى لا يقع تهويل الوضعية كما كان أشار إليها أحد وزراء «الحكومة المؤقتة» فإن العدد الطالب للشغل لا يتجاوز (12000) ولا (25000) وبالتالي يمكن الرجوع إلى معمل الاسمنت الذي أبادوه والحال أن بطاقة تعريفه الفنية ما زالت في أذهان الجميع لتكون طاقة إنتاجه (2،6) مليون طن وطاقة تشغيله (1500) وذلك برأس مال يقدر ب(300) مليار وعلى مساحة (170 هكتارا) وكان قد تم وضع حجره الأساسي يوم الجمعة 24 أوت 2007 على أن تنطلق الأشغال مباشرة حتى تكون نهاية هذه الأشغال في ديسمبر 2009 ولكن تجري الرياح بما لا يشتهيه الشباب المعطل عن العمل من أبناء المناجم؟؟؟!! كما أنه يمكن بعث مكتب على غرار المكتب الشريقي للفسفاط بالمغرب حتى تتولى شركة الفسفاط احتضان المؤسسات التابعة والمتداخلة معها مثل شركة نقل الفسفاط وشركة الحراسة والبيئة وغيرها فضلا عن إمكانية بعث معهد أعلى للسلامة المهنية وآخر للهندسة المنجمية وآخر معهد وطني لصيانة المعدات الثقيلة والتي كلها قد تستوعب عددا كبيرا من المعطلين عن العمل هذا دون التحدث عن مشروع إعادة فتح منجم أم الخشب المبرمج فتحه سنة 2013 وغير ذلك من المشاريع الأخرى بما في ذلك التي تمت الإشارة إليها في 16 جويلية 2009 حين استقبل الرئيس المخلوع إطارات الولاية ككل وأعلن عن جملة من المشاريع التي كان قد استبشر بها المواطنون. ماذا لو جفت منابع الحوض المنجمي؟ واليوم وقد تعطلت لغة الحوار مع بعض الأطراف التي كانت تعتقد أنها ستحلّ المشكل والحال أن مناجم الفسفاط في أوج سخائها ماذا لو جفت منابع الفسفاط في مدن المتلوي والرديف وأم العرائسوالمظيلة...؟ وهل يمكن مجرّد التفكير في هذا الحوض المنجمي أم أن دار لقمان على حالها وستبقى كما تم إقرار ذلك منذ 1956 من قبل نظام بورقيبة البائد ثم من نظام الفساد والاستبداد لبن علي وأصهاره... في الوقت الذي يؤكد فيه المنجميون أنهم تونسيون لحما ودما وقلبا ووجدانا ونضالا وتاريخا وجغرافيا..؟ ثم هل أن هذا الحوض المنجمي الذي حرموا أبناءه حتى من التعبير عن مشاغلهم في حصة مخصّصة لهم في قناة (7) التي غيروا اسمها لتصبح القناة الوطنية (1) لتنكشف الحقيقة الواضحة التي يريد البعض من المسؤولين الإطاحة بشرعية الثورة وبإلغاء مبادئها والتعتيم على حقيقة الملف الخاص بالحوض المنجمي. إحصائيات مغلوطة...!!؟؟ ولمجرد الاشارة فقط فإن الإحصائيات التي تعتمدها الدولة على مستوى عدد السكان مغلوطة وعن قصد في مدن الحوض المنجمي وذلك لغاية في نفس يعقوب حتى تقزم أحجام مناطق هذه الجهة المناضلة والثرية بخيراتها وبالتالي لابد من إعادة الإحصاء وبكل تدقيق حتى يتم الإعلان عن الحقائق التي من المفروض أن تتوازى معها موازنات التنمية الشاملة بما في ذلك الجانب الأساسي وهو التشغيل وأيضا البنية التحتية وعنصر الصحة الذي يعتبر معضلة كبرى في الحوض المنجمي المعروف بحوادث الشغل وبالتلوث وبانتشار الأوبئة على مختلف أنواعها على غرار «السرطان» وأيضا الفشل الكلوي وأمراض العيون والقلب وغيرها... المظيلة... قف موت محدق؟!! هذه المنطقة أي المظيلة التي كانت في الاستعمار المباشر روضة غناء تحيط بها الأشجار من كل حدب وصوب ويعيش أهلها الحياة الراقية شأنها شأن بقية مدن الحوض المنجمي تتألم حاليا بشكل غريب ومريب حيث أنها أصبحت بمثابة المقبرة المنسية حيث لا حياة ولا أي شيء حتى علق أغلب أبنائها بأنه يمكن القول «المظيلة... قف موت محدق» خاصة بعد تناثر وانتشار روائع «البخارة» من المجمع الكيمياوي وفي ظل غياب كل المرافق بما في ذلك محطة للوقود والفرع البنكي وفرع «الكنام» وغيرها من الفروع الأخرى التي في غيابها يضطر أبناء هذه المنطقة المناضلة إلى التحول إلى جهات أخرى بحثا عن الحياة المؤقتة والعودة في آخر النهار للاحتجاج على الواقع المرير... كما أن أم العرائس بدورها تعيش نفس الوضعية مثل الرديف أيضا والمتلوي التي لولا موقعها الجغرافي الذي جعلها تكون في طريق مؤدية إلى ولاية الجريد وإلى الجزائر الشقيقة لربما ظلت تعيش نفس الإشكال ولذلك كانت كثيفة السكان ولكن أغلبهم من المعطلين عن العمل ومن الذين يلهثون وراء «الحرقان» إلى إيطاليا دون مبالاة بالموت التي لن تكون بشكل أو بآخر أشد من موت البطالة والأمراض والوعود الواهية والكاذبة. انفلات أمني وموقف مشرف للقوى الحيّة وبشكل أو بآخر فإن الانفلات الأمني الواضح والجلي في الحوض المنجمي بصفة خاصة مهّد لقوى الجذب إلى الوراء للتحريض على مزيد التهميش وإثارة نعرة «العروشية» المقيتة وحتى إلى محاولات التخريب و«البراكاجات» وحتى اختطاف الأطفال وتعميق الترهيب بكل أشكاله وبالتالي من المفروض التدخل العاجل والسريع حتى لا تبقى وضعية وأزمة الحوض المنجمي في حالة قد تكون كل سبلها مغلقة خاصة أن بعضهم يحرض حتى على الخصومات مع العملة ومن أجل الحرص على التأكيد بأن هذا الحوض المنجمي مهمشا إلى أبعد الحدود والحال أن عديد القوى الحية ظلت متصدية لكل هذه الظواهر المقيتة ولا تنادي إلا بالانسجام والتلاحم والتقارب في كل شيء بما في ذلك وجهات النظر بعيدا عن كل النزعات القبلية أو غيرها خاصة أنهم يؤمنون بأن الحوض المنجمي الذي عبثت به عصابات النظامين البائدين السابقين يبقى في قرة عين كل من تكحلت عيناه بالفسفاط وتنفس الفسفاط وعاش في هذه الجهة ورأسه مرفوع رغم الظروف الصعبة والعسيرة جدا.. جدا.