سليانة: توقّعات بتراجع صابة حب الملوك في مكثر    570 مليون دينار لدعم الميزانيّة..البنوك تعوّض الخروج على السوق الماليّة للاقتراض    عاجل/ أمريكا تستثني هذه المناطق بتونس والمسافات من تحذير رعاياها    سيف الله اللطيف ينتقل الى الدوري الهولندي الممتاز    نابل: اندلاع حريق بمخبر تحاليل طبية    اليوم.. حفل زياد غرسة بالمسرح البلدي    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الجمعة 17 ماي    اغتيال قائد في سلاح جو حزب الله بضربة للكيان الصهيوني    إتحاد الفلاحة : كتلة أجور موظفي إتحاد الفلاحة 6 مليارات و700 ألف دينار    البرازيل تستضيف نهائيات كأس العالم لكرة القدم    مراسل قنوات بي إن سبورت "أحمد نوير" في ذمة الله    القصرين: وفاة شاب في حادث مرور    سيدي بوزيد: وفاة كهل وزوجته في حادث مرور    قابس: عدد الأضاحي تراجعت هذه السنة    بعد تسجيل الحالة الرابعة من نوعها.. مرض جديد يثير القلق    مباراة الكرة الطائرة بين الترجي و الافريقي : متى و أين و بكم أسعار التذاكر؟    إسبانيا تمنع السفن المحملة بأسلحة للكيان الصهيوني من الرسو في موانئها    حريق بمستودع بين المروج 6 ونعسان    الخارجية : نحو إبقرام إتفاقية مع الدول الإفريقية بخصوص المهاجرين .. التفاصيل    هام/ مناظرة لانتداب 34 متصرفا بالبريد التونسي..    يصنعون ''مواد المسكرة محلية الصنع القرابا'' و يقومون ببيعها بمدينة أم العرائس    اتحاد الفلاحة: أسعار أضاحي العيد ستكون باهضة .. التفاصيل    عاجل : الكشف عن مصنع عشوائي لتعليب المنتوجات الغذائية و الأمن يتدخل    كأس أوروبا 2024: كانتي يعود لتشكيلة المنتخب الفرنسي    تونس : 80 % من الشباب ليس له مدخول    انتخاب تونس عضوا بالمجلس الوزاري الإفريقي المعني بالأرصاد الجوية    ذهاب نهائي رابطة ابطال افريقيا : الترجي يستضيف الاهلي برغبة تعبيد الطريق نحو الظفر باللقب    النائب طارق مهدي يكشف: الأفارقة جنوب الصحراء احتلوا الشريط الساحلي بين العامرة وجبنيانة    الجزائر تواجه الحرائق مجدّدا.. والسلطات تكافح لاحتوائها    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يدعم انتاج الطاقة الشمسية في تونس    روعة التليلي تحصد الذهبية في بطولة العالم لألعاب القوى لذوي الاحتياجات الخاصة    محيط قرقنة اللجنة المالية تنشد الدعم ومنحة مُضاعفة لهزم «القناوية»    نجاح الأسرة في الإسلام ..حب الأم عبادة... وحب الزوجة سعادة !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    خطبة الجمعة...الميراث في الإسلام    اعزل الأذى عن طريق المسلمين    التحدي القاتل.. رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً    الشرطة الفرنسية تقتل مسلحا حاول إضرام النار في كنيس بشمال غرب البلاد    منها الشيا والبطيخ.. 5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    التوقعات الجوية لهذا اليوم…    الاطاحة بمنحرف خطير بجهة المرسى..وهذه التفاصيل..    الصحة العالمية.. استهلاك الملح بكثرة يقتل 10 آلاف شخص يوميا في أوروبا    عاجل: لأول مرة: تونس تصل المرتبة الثانية ضمن التصنيف الدولي للبيزبول    دخول مجاني للمتاحف والمواقع الأثرية    ارتفاع عجز الميزان الطاقي    الناطق باسم وزارة الداخلية: "سيتم تتبع كل من يقدم مغالطات حول عمل الوحدات الأمنية في ملف المحامي مهدي زقروبة"    توقيع إتفاقية قرض مجمع بالعملة لدى 16 مؤسّسة بنكية محلية لفائدة تمويل ميزانية الدولة لسنة 2024    تفكيك شبكة في صفاقس، تقوم ببيع محركات بحرية لمنظمي عمليات الإبحار خلسة    باجة: باحثون في التراث يؤكدون ان التشريعات وحدها لا تكفي للمحافظة علي الموروث الاثري للجهة    توزر: تظاهرة احتفالية تستعرض إبداعات أطفال الكتاتيب في مختتم السنة التربوية للكتاتيب بالجهة    وزارة الثقافة تنعى المطربة سلمى سعادة    صفاقس تستعدّ للدورة 44 لمهرجانها الصيفي    عاجل: "قمة البحرين" تُطالب بنشر قوات حفظ السلام في فلسطين..    سيدي بوزيد: انطلاق الدورة 19 من مهرجان السياحة الثقافية والفنون التراثية ببئر الحفي    عاجل: متحوّر كورونا جديد يهدّد العالم وهؤلاء المستهدفون    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حقائق عن تجاوزات العهد السابق: نائب بمجلس النواب يتآمر على أمن الدولة!!
نشر في الشروق يوم 04 - 02 - 2011


الأستاذ عبد الرؤوف بوكر المحامي
يوم 30 أفريل 1991 على الساعة الحادية عشرة ليلا طرق باب منزلي ضابط في الشرطة السياسية يدعى (أر) وأعلمني بأني مطلوب الى مصالح أمن الدولة بتونس العاصمة يوم الغد لمقابلة السيد (ح.ع)، وفعلا انتقلت من الغد باكرا من سوسة الى العاصمة وتوجهت بكل عفوية الى وزارة الداخلية.
وعندما تقدمت من أحد الحراس أمام الوزارة للسؤال عن مكتب المسؤول الأمني الذي عليّ مقابلته لم يخف الحارس استغرابه من جهلي وأشار علي بالتوجه الى مبنى مجاور بشارع الحسين بوزيان لا يحمل أية لافتة أو علامة مميزة وكان يقف أمامه عون بالزي المدني.
أعلمته بأني مدعو لمقابلة السيد (ح.ع) فتوجه الى باب البناية وضغط على زر ففتح الباب فدخلت واستقبلني عون مدني يحمل سلاحا أعلمته بالموضوع فرفع سماعة الهاتف الموضوعة على مكتب صغير وبعد حديث قصير في الهاتف أعلمني أن السيد (ح.ع) متغيب (كان ذلك اليوم هو عيد الشغل!) وأن السيد (ح.ب) هو من يعوضه وأن علي أن أصعد الى الطابق العلوي.
هنالك أدخلني أحد الأعوان الى مكتب صغير أتذكر جيدا أن شباكه الوحيد كان بلوره داكنا معتما لا يرى من خلاله شيء جلست وحيدا وانتظرت والباب مغلق مازلت أتذكر الى الآن حالة الضيق والاختناق التي تملكتني في ذلك المكتب. بدت لي مدة الانتظار كعام سمعت خلالها صياحا وربما أنينا. ازدادت حالة الضيق التي انتابتني..
نودي علي في ما بعد لمرافقة العون الى مكتب به ثلاثة أشخاص علمت فيما بعد من باب الاستنتاج أن الشخص الذي يجلس وراء المكتب هو سي (ح.ب) وهو من كبار جهاز الأمن السياسي.
قال سي (ح.ب): لا بد أنك تعلم أننا نعرفك معرفة جيّدة فأنت محام معروف في سوسة وزوجتك قاضية وهي أخت الهادي البكوش ولك نشاط سياسي. فحدثنا عن علاقتك بصهرك وماذا يعرف عن المدعو أحمد المناعي صديقك.
سألته عن أسباب هذا البحث وهل أني مستدع بوصفي شاهدا أو متهما وأشرت ببقية ثقة أني عضو بمجلس النواب وباللجنة المركزية للحزب. وقلت إني لم أفهم حقا أسباب هذا الاستدعاء المستعجل وأنه بودّي أن أعلم ماهو المطلوب مني بالتحديد.
أجاب سي (ح.ب) بكثير من الصلف والجبروت أنه هو من يطرح وأنه لا فائدة في نظره من أن أفهم وأن المطلوب هو الاجابة بدقة ربحا للوقت وتوفيرا للجهد (ما تعباناش معاك). قلت له إن علاقتي بالسيد الهادي البكوش عائلية أما أحمد المناعي فإنه لا تربطني به علاقة خاصة، بل هي علاقة سطحية.
ولاحظت أنه لا يبدو لي أني خرقت القانون فيما أتذكر وعلى كل فإني مستعد للمساعدة فيما يتعلق بالصالح العام بحكم موقعي السياسي وفي حدود ما أعرفه.
كنت أتحدث بلهجة أردتها هادئة بقدر ما يسمح به تواجدي في ذلك المكان الرهيب وكنت خلال الاستنطاق أحاول طمأنة نفسي بالقول بداخلي إن حصانتي البرلمانية في ذلك الوقت ربما تمنع الأعوان من تعنيفي أو إيقافي وإني شخص غير نكرة وبالتالي قد يفكر أعوان الأمن السياسي أكثر من مرة قبل الاعتداء عليّ أو إهانتي.
ولكني لم أكن مطمئنا بالكامل ولا متفائلا فتجاوز القانون وخرقه بدأ يطل برأسه في ذلك الوقت مع حملة الاعتقالات التي طالت الاسلاميين. واستدعائي لمصالح أمن الدولة بتلك الطريقة المهينة وغير المشروعة لم يكن يدفع على الاطمئنان.
جوابي الى سي (ح ب) لم يعجبه في ما يبدو ولكنه تمسّك بشيء من الهدوء صائحا «إن الأجوبة الفضفاضة لا تفيدني ولا تفيدك. كرّرت له أن علاقتي بالهادي البكوش علاقة عائلية بحتة وهو يتجنب عادة الخوض في السياسة لا سيما في المدة الأخيرة بعد خروجه من الوزارة الأولى فالنظام أحاله على التقاعد وهو أقرّ العزم على مغادرة الساحة السياسية وهو على كل حال مقيم في تونس أما أنا فأقيم بسوسة وفرص اللقاء به نادرة ولست مطلعا على ما يقوم به وافترض أنه لا يقوم بأي نشاط سياسي بسبب تقدمه في السن وإقالته من الوزارة الأولى أما أحمد المناعي فإنه اتصل بي في بعض المناسبات قصد مساعدته على تحرير قانون أساسي لشركة خاصة طال الحديث مع المحققين وكان مساعدا «سي (ح ب) يحثاني على التعاون والمساعدة حتى لا يغضب سي (ح ب): ونريح الوقت والتعب».
لم أتزحزح عن خط دفاعي وفي الأخير فقد سي (ح ب) أعصابه ورفع صوته قائلا «لا تحملنا على استعمال وسائل أخرى معك وأنت تقول انك عضو في مجلس النواب حدثنا عن مقابلة أحمد المناعي مع الهادي البكوش في سبتمبر.
لاحظت أنه يتعمد الحديث عن السيد الهادي البكوش دون استعمال عبارة «سي» التقليدية تماما كعند حديثه عن أحمد المناعي وهو بذلك إما يتعمد الاستفزاز أو أن ذلك من باب الضغينة لم أعلق على ذلك تفاديا لأي مشاكل فأضاف محدثي: معلوماتنا تقول إنك أنت من هيّأ لهذه المقابلة بين الطرفين فحدثنا عن دورك في كل ذلك وقل لنا الواقع فأنت تعلم أنه بإمكاننا الوصول الى الحقيقة.
لاحظت أنه أخطأ في تاريخ المقابلة فقد قال إن أحمد المناعي تقابل مع السيد الهادي البكوش في سبتمبر والواقع أن المقابلة حدثت بالفعل في شهر أفريل 1991.
أجبته في الحال: في شهر سبتمبر كنت منشغلا بمرض خطير ألمّ بوالدتي وكنت دائم الذهاب الى المصحة حيث كانت تقيم ولهذا فأنا لست على علم بالمقابلة وبالتالي فإني لم أنظم أية مقابلة بين المناعي والسيد الهادي البكوش وعلى كل فإن أحمد المناعي واحد من الاسلاميين المعتدلين ولا خوف منه على أحد.
هنا لم يتمالك سي (ح ب) أعصابه فضرب بقبضة يده على المكتب الذي يجلس إليه وصاح في وجهي: أحمد المناعي معتدل هو ثم من هو معتدل في الاخوانجية! ومن أين لك أن تعرف أنه من المعتدلين لو لم تتحدث معه في السياسة!
أجبته: وهل أن الحديث في السياسة ممنوع وأنا لا أنكر أني تحدثت معه أحيانا في الشؤون العامة وهذا ليس عيبا وعلى كل فإني كنت أحاول استدراجه لأن يكون من صفّ النظام وليس معارضا له وأظن أن ذلك في فائدة البلاد.
طال السجال بيني وبين المحققين وكاد أن يؤول الى ما لا تحمد عقباه لاصراري على موقفي وكنت مقلا في الكلام مشيرا بين الفينة والأخرى الى صفتي كعضو في مجلس النواب وكوني أعمل كمحام منذ سنوات طويلة ولذلك فإنه لا يعقل ان اخرق القانون او أن أتعدى على الأمن العام.
وفجأة سمعت ضوضاء خارج المكتب وفتح الباب فقام سي (ح ب) من مكتبه على عجل وسلم بحرارة على الشخص الذي دخل المكتب وأدى من حوله التحية بغاية الاحترام والأدب.
وكان الداخل الى المكتب هو (م ع الق) كاتب الدولة للأمن الوطني في ذلك التاريخ. كنت شاهدته في بعض المناسبات العامة واعرفه عن بعد جلس كاتب الدولة للأمن الوطني الى المكتب بدل (سي ح ب) وتوجه الي بصوت عال في شيء من التهديد المبطن والترغيب في نفس الوقت: يا بوكر بودنا ان تساعدنا وأنا انصحك بذلك لمصلحتك فهذا افضل لك ولنا. هناك أمور خطيرة في هذه القضية خطيرة جدا وأنت أمامك المستقبل اخرج من هذه القضية انصحك بأن لا تفكر الا في نفسك في مصلحتك قل لنا ما تعرف واذهب في حال سبيلك لا تتعب أنت ولا تعبنا معاك. لم تعجبني طريقته في الحديث واستهجنتها لكن لم أعلق تفاديا للمشاكل.
لم اتزحزح عن هذا الموقف متعلقا بالأمل الضعيف ان أعوان الأمن السياسي ربما لا يجرؤون على تعنيفي على الأقل قبل اسقاط الحصانة البرلمانية عني.
عند هذا الحد أمر كاتب الدولة للأمن الوطني باحضار احمد المناعي وبعد لحظات جاؤوا به وكان في حالة سيئة جدا لا يستطيع الوقوف على قدميه وبدا لي انه تعرّض الى التعذيب الشديد شكا حالته وطلب تمكينه من المعالجة لم التفت اليه مطلقا كنت غاضبا منه اذ تيقنت انه هو الذي ورطني في هذا المأزق الخطير وازدادت مخاوفي عند مشاهدة احمد المناعي على تلك الحالة. غضبت منه شديد الغضب لأني كنت ساعدته قبل سنوات على انقاذ ابنه وعدد لا يقل عن 35 شخصا أصيلي بلدة الوردانين من السجن قلت في نفسي ما جزاء الاحسان الا الاحسان!!
حضر المناعي وأصر عند استنطاقه على كوني مكنته من ربط الصلة مع السيد الهادي البكوش وقابله وتحدثا عن الوضع السيء الذي أصبحت عليه البلاد وعن تكوين جبهة معارضة للنظام مع المرحوم محمد مزالي والحبيب المكني وهو احد الوجوه الاسلامية في الخارج وأصر على ذلك في مواجهتي فندت مزاعمه وقلت لكاتب الدولة للأمن الوطني انه لا علم لي بأية مقابلة بين أحمد المناعي والسيد الهادي البكوش وبالتالي فعلى حد علمي لا يمكن ان تتواجد هذه الجبهة المعارضة الا في ذهن احمد المناعي وعلى كل فان الجميع يعلم اني كنت على خلاف عميق مع المرحوم محمد مزالي عندما كان وزيرا أول (يراجع في هذا الصدد كتاب: نصيبي من الحقيقة للمغفور له محمد مزالي).
أما الحبيب المكني فلم يسبق لي أن قابلته ولو مرة واحدة فكيف يعقل ان أساهم من قريب أو بعيد في تكوين جبهة في هذه الظروف؟
أصر كل واحد منا على موقفه أمر كاتب الدولة للأمن باعادة أحمد المناعي الى حيث كان رفع يديه الى السماء قائلا سوف انصرف الآن وسوف أتركك بين يدي سي (ح ب) وأعوانه وهم يعرفون كيف يتصرفون معك لاقناعك حتى تتعاون معهم.
ولما خرج كاتب الدولة استمر الكرّ والفر بيني وبين المحققين الى وقت متقدم من ذلك اليوم قال سي (ح ب) ان تصريحات احمد المناعي هي حجة على أنك لا تريد المساعدة وفي الأخير تولى أحد أعوانه تحرير محضر في الغرض امضيت عليه بعد تغيير امضائي عمدا في كل صفحة.
أمرني سي (ح ب) بالانصراف قائلا في الوقت الحالي يمكنك ان تعود من حيث أتيت سوف نعاود الاتصال بك في ما بعد لنرى هل غيرت رأيك. فكّر مليا في عواقب عدم التعاون معنا.
ثم كان ان استدعيت امام لجنة النظام بالحزب وطولبت ببيان موقفي من الحركة الاسلامية ومن المعارضة ووقع استيضاحي عن اسباب نقدي في عدة أوساط للوضع العام في البلاد وأسباب غيابي عن المناسبات الرسمية التي ادعى اليها وخاصة عن قيامي بالمرافعة عن السيد محمد الشملي احد الوجوه الاسلامية في الساحل.
أجبت لجنة النظام بما رأيته مفيدا ملاحظا انه سبق لي المرافعة في عدة قضايا سياسية في العهد السابق دون ان يقع مضايقتي (قضية حركة الوحدة الشعبية عام 1977 قضية النقابيين عام 1978) (يراجع في هذا الصدد كتاب المرحوم الحبيب عاشور: حياتي السياسية والنقابية) ثم كان اعلامي بإجراء مراجعة جبائية بحقي وهي مراجعة اعتبرتها ظالمة ودون وجه حق وصادف ان أردت السفر الى فرنسا صحبة زوجتي وابنيّ وبعد ان أتممت الاجراءات في المطار وقبل اقلاع الطائرة بدقائق ناداني احد أعوان الامن بتعلة التثبت من أوراقي وهكذا غادرت الطائرة ومنعنا من السفر.
ولما عدت الى مسكني اتصلت بكل من اعرف من المسؤولين للاحتجاج على اجراء غير مبرر ومن حسن الحظ فقد رجع بعض العقل الى أحد المسؤولين فتدخل لفائدتي وأمكنني السفر بعد ذلك ولما عدت من الخارج أجبرني أعوان الامن على البقاء في المطار عدة ساعات بدعوى التثبت من امكانية دخولي الى البلاد (هكذا بكل بساطة!) والتثبت من طريقة مغادرتي للبلاد.
احتججت على ذلك وبعد عناء طويل سمح لي أعوان الامن بالدخول الى البلاد شريطة تسليم جواز سفري اليهم. رفضت ذلك رفضا قاطعا وانتهى الامر بتمكينهم من رقم هاتفي الشخصي(الذي لم يكن يصعب عليهم الحصول عليه وراء ظهري) وصادف ايضا انه لما أردت تجديد جوار سفري رفض طلبي وصادف ان بقيت لمدة سنوات دون جواز سفر رغم تدخل عميد الهيئة الوطنية للمحامين لمساعدتي ولم أتمكن من جوازي الا بعد مغادرة عبد الله القلال لوزارة الداخلية ومجيء السيد محمد جغام إليها.
بسبب هذه المعاناة طيلة سنوات أنهيت علاقتي بالنظام في أواسط التسعينات بعد ان فقدت كل أمل في النظام ويئست من القائمين عليه.
هذه المعاناة تعرض الى بعض أطوارها أحمد المناعي في كتابة الحديقة السرية للجنرال بن علي الصادر بباريس عام 1995.
ومؤلف الكتاب أحمد المناعي أصيل الوردانين من ولاية المنستير كان خبيرا لدى الأمم المتحدة وترشح للانتخابات التشريعية عام 1989 كمستقل وهو معروف بميولاته الاسلامية.
ويذكر أحمد المناعي في كتابه انه وقع ايقافه في أفريل 1991 وتعذيبه تعذيبا قاسيا وقد عثر أعوان الأمن الذين فتشوا مسكنه على رسالة قديمة كان ينوي ارسالها الى المرحوم محمد مزالي فوقع تعذيبه تعذيبا وحشيا لحمله على القول بأن الرسالة موجهة الى السيد الهادي البكوش ويؤكد ان الغاية هي توريط السيد الهادي البكوش في مؤامرة ضد النظام ويشير الكاتب الى استنطاقه من طرف كاتب الدولة للأمن الوطني بمعيتي بشأن المقابلة التي اجراها بترتيب مني مع السيد الهادي البكوش. وكانا قد تحدثا فيها عن الوضع السيء في البلاد عام 1991 والكاتب يتحدث بإطناب عن ضروب التعذيب التي تعرض إليها عن علاقته مع بعض ضباط الجيش في إطار تلك المؤامرة المزعومة كما أنه تعرض إلى المكافحة التي أجراها كاتب الدولة للأمن الوطني بيني وبين أحمد المناعي ويؤكد حرفيا أن أعوان الأمن دفعوه إلى اتهام السيد الهادي البكوش بجميع جرائم العالم (هكذا حرفيا حسب قوله) والسيد أحمد المناعي يعترف أنه للإفلات من التعذيب ومن التهديد بعذاب أقسى اضطر إلى توريط عدد من أصدقائه في تلك المؤامرة المزعومة وهو يتحدث بالجملة عن حوادث مرور عادية كانت في الواقع جرائم قتل متعمد وعن الملفات القضائية المختلفة ضد معارضين للنظام بتهم باطلة تمس بالشرف والحياء والأفلام المصطنعة عن ممارسات جنسية شاذة اختلقت اختلاقا ضد بعض المعارضين.
لم اعلم فيما بعد رسميا بإغلاق ملف المؤامرة المزعومة وكل ما علمته أن أحمد المناعي أطلق سراحه وغادر إلى الخارج حيث ألف كتابه عام 1995 ولم أتمكن إلى اليوم من معرفة الأسباب الحقيقية وراء إطلاق سراحه إذ إني غير مقتنع إلى الآن بالمبررات التي ساقها في كتابه بشأن سراحه.
المهم أن «الماكينة البوليسة» توقفت عند حد استنطاقنا إذ لم يقع إجراء أية محاكمة فيما بعد. والراجح أن بن علي كان في حربه على الإسلاميين يسعى إلى إظهار حركتهم كحركة معزولة لا سند لها لدى بقية الأطراف السياسية في البلاد وبالتالي فإنه اقتنع أن المؤامرة المصطنعة من قبل الأمن السياسي وبتدبير من أطراف متنفذة من السلطة إذ ذاك ربما يكون لها تأثير سلبي لو أعلنت للعموم وربما تكون أيضا قد خشي من الآثار السلبية على النظام نتيجة محاكمة وزير أول سابق بتهمة التآمر على أمن الدولة.
وقد يكون آثر أيضا أن يبقى الملف على حاله مفتوحا دون محاكمة ليظل دائما سيفا مسلطا على الرقاب يمكن إعادة فتحه في المستقبل عندما تستوجب مصلحة النظام إعادة إثارة الموضوع من جديد.
وما لم يذكره أحمد المناعي في كتابه وما يعلمه هو وعدة أشخاص آخرين مازالوا إلى الآن على قيد الحياة والحمد & أنه تقدم إلي في صائفة 1987 والبلاد تكتوي من حملة شرسة على الإسلاميين وكال لي الثناء ذاكرا أنه يعرفني عن طريق السماع كدستوري متفتح وان مواقفي في مجلس النواب مشرفة وفي الأخير أشار إلى أنه في حاجة إلى مساعدتي إذ أن وضع ابنه القاصر والسجين ضمن مجموعة من الإسلاميين من الوردانين يقض مضجعه ويفسد عليه حياته آملا أن أعينه بقدر الإمكان رغم دقة الظرف.
بعد أيام التقيت بالسيد الهادي البكوش وكنت أعلم حق العلم أنه كان ممتعضا في ذلك الظرف من وضع البلاد وخلال حديثي معه أدركت أنه مقتنع بأن التصعيد مع الإسلاميين ليس في مصلحة أحد وأن الحكم بالإعدام على الشيخ راشد الغنوشي ورفاقه الموقوفين سوف يكون له عواقب وخيمة على البلاد.
وعدني السيد الهادي البكوش ببذل ما يمكن. وكان أن تمكن من الحصول على الإفراج على سراح مجموعة الوردانين من الإسلاميين (نحو 35 شخصا) ولم يكن ذلك أمرا هينا وأهالي الوردانين ما زالوا يذكرون ذلك جيدا وكان أن نجا الشيخ راشد الغنوشي من حبل المشنقة وأطلق سراحه ورفاقه مباشرة اثر 7 نوفمبر.
بعد هذه الوقائع التي تعود الى عام 1987 أظهر لي السيد أحمد المناعي كثيرا من المودة وأكد لي اعترافه بالجميل لكل من ساهم في انفراج الوضع العام ثم غاب عن الأنظار في الخارج.
ولم ألتق به إلا خلال 1991 وكانت الأوضاع قد تغيرت في البلاد من النقيض الى النقيض فبعد الانفراج خلال السنوات الأولى من التغيير تلبدت الأجواء وقام النظام باعتقال العشرات من الاسلاميين.
عندما التقيت بالسيد أحمد المناعي خلال 1991 لم أتردد في مفاتحته بأن الوضع العام في البلاد سيء بالكامل وأني في خلاف مع النظام لانتهاكه الصارخ للمبادئ التي جاء من أجلها والموثقة في بيان 7 نوفمبر وهو ما يستدعي استفاقة جماعية ويتعين على كل المخلصين المساعدة في ذلك دون مزيد تفصيل من طرفي.
من هذا الحديث نسجت خيوط مؤامرة مزعومة لقلب النظام!! ومن مقابلة وحيدة أجراها مع السيد الهادي البكوش اختلقت هذه المؤامرة.
وفي الواقع كنت غاضبا على أحمد المناعي في توريطنا في تلك المؤامرة المزعومة رغم المساعدة التي لقيها من طرفنا وخاصة لخطورة التهم المختلقة ضدنا وهي تهم تستوجب العقوبة القصوى.
ربما يكون عذره أنه وقع تعذيبه قاسيا وأنه وقع حمله على توجيه تلك التهمة من طرف البوليس السياسي.
وللموضوعية أقول إن بعض ما جاء في كتاب السيد أحمد المناعي لم يكن دقيقا ولا صحيحا وبعض ما جاء في ذلك الكتاب هو نتيجة استنتاج متسرع لشخص عاش خارج البلاد سنوات طويلة.
من ذلك وعلى وجه المثال ما قال بشأن صديق طفولته وزميل دراسته علي الصرياطي، إذ استبعده أحمد المناعي من قائمة الفاسدين ومدحه مديحا ملفتا للنظر كما مدح أيضا بعض المتنفذين في النظام في ذلك الوقت والذين لا يستحقون في الواقع لا اطراء ولا مديحا ومهما يكن من أمر فإن مزية الكتاب أنها فضحت ومنذ أواسط التسعينات نظام الاستبداد والفساد الذي كان قائما في بلادنا.
كل تلك التجاوزات الخطيرة في حق العباد والبلاد تراكمت مع مضي الوقت وكانت وقودا للثورة المباركة التي دكت صرح الظلم والفساد.
فعسى أن يحافظ كل واحد منا ومن موقعه على مكتسبات هذه الثورة المجيدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.