بقلم الأستاذ محمد الأزهر العكرمي بعد أن رأيت عودة سي الهادي البكوش المكثفة للواجهة السّياسيّة والإعلاميّة، خلال الحوارات التي اجريت معه وأهمّها ذلك الذي نشر على صفحتين من جريدة «الشروق» بتاريخ 30 جانفي 2011.. وقيل في ديباجته انه «يمسك بالخيوط الخفيّة للتّجمّع» وبأنّه أحد مراكز الحركة النّشطة لإعادة بناء التّجمّع.. الذي اعتبره «وريث الحركة الوطنيّة ووريث حزب نضالي» لينتهي إلى القول: «الآن سأساهم في أي بناء للحزب يقوم على هذه المبادئ، واعتقد أنّ الأمر يحتاج إلى شيء من التأني». قرّرت بعدئذ أن أخصّص هذه المساحة الأسبوعيّة للدّردشة مع الواليّ، والوزير، والوزير الأوّل السّابق، ثمّ عضو اللّجنة المركزيّة للتّجمّع، وعضو مجلس المستشارين مع بن علي على امتداد الرّحلة.. ولأطرح جملة من الاستفهامات والأسئلة ... .دفعا في اتّجاه تثبيت ثقافة الحرّيّة.. وسيادة الدّيمقراطيّة..وحتى لا نلدغ ثلاث مرات.. لا سيّما والحوارات التي تجريها «الشّروق» هذه الأيّام مع رموز النّظام السابق، مثل أحمد فريعة، والحبيب عمّار، ومنصر الرويسي وغيرهم لا تختلف في شيء بمناسبة أيّ سؤال يطرح.. فالكلّ يسعى ليثبت أنّه كان غير راض عن سياسة بن علي.. وبأنّه صاحب مواقف بطوليّة لم يعرفها الجمهور .. وبأنّه شخص الواقع.. ونبه الى العواقب.. وبأنّه يبارك الثّورة.. مع الغمز بمناسبة وبغيرها إلى عدم الإقصاء.. وضرورة المصالحة.. بعد الثّورة.. إلاّ أنّي سأتوجّه إلى سي الهادي بالسّؤال عن فرضيّة استمرار بن علي في الحكم إلى سنة 2014؟ وعن إذا ما تمّ له أن نقّح في الأثناء الدّستور وألغى شرط السّن.. وفاز بولاية 2014/2019. هل كان سيقول شيئا أو يفعل شيئا من موقعه كعضو بمجلس المستشارين؟؟ أو كمواطن تونسي شريف يغار على وطنه، ولا يحبّ الاستبداد والنّهب الذّي تحوّل إلى آليّة محكمة في نظام حكم بن علي ؟ ولندفع بالسّيناريو أكثر.. ونسأل عن ردّ فعله فيما لو دفع التّجمّع «بالسّيّدة الفاضلة» إلى الرّئاسة بعد زوجها؟ هل كان سيستقيل من اللّجنة المركزيّة مثلا؟ أو من مجلس المستشارين؟ وفيما لو طلبوا منك تزكية ترشيح الرّئيس أو الرّئيسة ؟ هل كنت ستقول لعبد العزيز بن ضياء لا؟ سي الهادي ضرب الحوض المنجمي على مدى سنة كاملة، وعومل النّاس كما كان الحال في جنوب افريقيا زمن الابارتايد، من المظيلة، إلى المتلوّي، وأم العرائس، فالرّديّف.. كانت قوات البوب، والبوليس السّرّي تنكل بالشّباب المتعلّم، اعتقالا، وتعذيبا، وسجنا بأحكام جائرة، تأتي ملخّصة بالفاكس من مدير المصالح العدليّة الذي لا يقل صيته القمعي عن علي السّرياطي، لينطق بها قضاة فاسدون، وسط عويل الأمّهات والزّوجات أمام المحكمة الابتدائيّة أو محكمة الاستئناف.. كان بإمكانك أن تقوم حتّى بزيارة لترى أحوال الرّديّف أو المظيلة التي خرجت من التاريخ بمجرّد أن جاء الاستقلال؟ ولمّا كانت المواقف السّياسيّة التي تمنح صاحبها الشّرعيّة والحكمة تقتضي حدّا أدنى من التّضحية.. التّضحية التي تبدأ بتقديم الاستقالة.. إلى رفض التّكليف بمنصب، ولو تحجّجا بالسّن والوضع الصحي.. إلى تبنّي موقف يظهر عدم الرّضا عمّا يجري، وانتهاء، بإصدار بيان وتجميع النّزهاء والمناضلين الذين قلت إنّهم موجودون في التّجمّع ، للاحتجاج على الانحراف بالسّلطة.. في إطار سياسي بحت لم نكن نطلب أن يتطرق الى الهبر، والنهب والسلب الذي كان يتمّ أمام ناظريك وعلى مسامعك.. ألم يكن بمقدورك أن تقول حتّى في حزامك الضيّق أنّ ليلى الطّرابلسي ليست فاضلة ؟ وكل ذلك درجات دنيا مقارنة بالاعتصام، واضراب الجوع الذي مارسه أناس لم يكونوا جوعى ولا محتاجين لغير الحرية، من أمثال احمد نجيب الشابي، وراضية النصراوي، وسهام بن سدرين، وعبد الرؤوف العيادي، وعياشي الهمامي، وقادة انتفاضة المناجم وغيرهم ممن اخذتهم الغيرة على بلادهم ؟؟ صحيح أن ذلك كان سيكلّفك العداوة مع الدّكتاتور وزوجته وأصهاره.. إلاّ أنّه وبنفس القدر سيجلب لك شرعيّة شعبيّة عارمة.. ووقتها ستكون الثّورة في حاجة إلى خبرتك، وتجربتك وسنّك، وستحتاج (أي الثّورة) إلى الحكمة التي تتطلّب قبل كل شيء قول الحق في وقته.. طيب.. وعندما قتل الناس في سيدي بوزيد، وفي منزل بوزيّان، وبعد ذلك في الرّقاب، ثم في تالة، والقصرين، وقبلي، وتطاوين، والوردانين.. ألم يخالجك أي إحساس بفضاعة ما يجري؟ ولو افترضنا أنّ رئيس حزبك لم يهرب في 14 جانفي واستعاد زمام الأمور.. ثمّ جاء إلى مجلس المستشارين.. وخطب واصفا الثورة بأنّها مؤامرة حاكها متطرّفون وعملاء للخارج، وأوغل في النّعوت والأوصاف القذرة.. هل كنت ستمتنع عن التّصفيق.. والاستمرار في التّأييد ؟ ولو افترضنا أنّك أحجمت عن التّصفيق واكتفيت بالصّمت .. أو ليس السّكوت عن تلك الجرائم تواطؤا؟؟ ولو افترضنا أيضا أن الثّورة فشلت وجاءتك ذات الصّحفيّة لتجري معك حوار 30 جانفي، هل كنت ستقول ما قلته ؟ هل كنت ستدلي بشهادة تنص في الحد الادنى على انّ ما مارسه النظام الأمني كان من قبيل العنف المفرط؟ لا أعتقد ذلك يا سي الهادي ، واسمح لي أنك جزء من نظام بن علي إلاّ إذا كنت تصرّ على الضحك على عقولنا.. لسبب بسيط واحد، هو أننا لسنا على درجة الغباء التي تتوقعنا عليها.. وأن تقنية العودة مع كل نظام بغض النظر عن نوع الشرعية التي يستند إليها لا يمكن أن تنجح دائما.. واسمح لي أن أقول لك إن خلافك مع بن علي إن كان هناك خلاف أصلا، لا يتجاوز المصلحة الشخصية الضيقة ولا يمكن أن يرتقي إلى الخلاف حول الحرية، والديمقراطية، والفساد المالي، والإداري، فبن علي جردك من رتبة وزير أول ونزل بك إلى رتبة عضو في مجلس المستشارين يجلس جنبا الى جنب مع ذوي الاحتياجات الخاصة الذين اترفع عن ذكر اسمائهم.. وكان يعرف(أي بن علي) إلى حدّ اليقين أنه لا حول ولا قوة لك، وإن عّينك على رأس معتمدية، لن تجرأ على عدم الخضوع ، لأن كل من تربى في الحزب الاشتراكي الدستوري بعد 1974، وبعد ذلك في التجمع الدستوري الديمقراطي استأصل الخلية المسؤولة عن الرفض وقول الحق من دماغه، ونقل صلاحياتها إلى الخلية المشرفة على التضحية بالقيم في سبيل المصالح الشخصية...