مدينتي راقصتني طربا، صبيحة جمعة، نعم راقصتني طربا، وجعا، ألما، جدرانها تعيد ذاكرتي لفصول الحنان ويّح ذاكرتي قد خانت آمالي وسادت صور الذاكرة مساحات الحزن والآلام، مدينتي، أيا طول صمتك، أيا لصمتك كم طال أيا لبياضكم ضمّ من تفاصيل جرائم البصمات، تُراها قد أحرقت جدرانها هجران السنون، تلك هي مدينتي أراها ترقص في انتفاضة أخيرة لا شرقية ولا غربية كزيتونة مضيئة يذكر الرحمان انتفاضة أضاءت القلوب ضياء، فكان ضياء الدرب انتفاضة وجع تنحدر أو لأقل انحدرت من سهول وجبال من هناك وراء الجبال، مسافات هي فاصلة بيننا، لكن الصوت واحد والوجع واحد والألم واحد. لكن الشهداء عديدون هم، فالشرارة أو وجع الشرارة متنقلة هي من مدينة الى أخرى، من ولاية سيدي بوزيد الى كل المدن والولايات وقد لاقوا كل أنواع الإهانة والتعسف وقوبلت احتجاجاتهم بالرصاص والقمع والضرب ومداهمات على البيوت ولا ننسى الحملات التعسفية التي شوهدت من نهب وسلب وتعدّ على الممتلكات الخاصة والعامة. هي القليل والقليل من الحقائق التي تروى بجلّ تفاصيلها في كل منطقة وفي كل ولاية رووا لنا أهالي المدينة أحداثا أقل ما أقول عنها إنّها أحداث رهيبة، إرهابية بشعة قامت بها ميليشيات بقايا تجمّع، بقايا حزب كشّر عن أنيابه أخيرا وخوفا من الثورة أراد أن يغطي أحداثا أليمة، مؤلمة نجمت عنها ثورة موجعة الى حدّ الموت والألم والفراق والحزن، رواية الثورة لم تكن من صنع الخيال، لا بل هي حقيقة عاشها الشعب ثورة قتل ترويع، حرق تعدّ على الممتلكات نهب رعب كسر خلع وكل أنواع الترهيب.. كل هذه الحقائق تُتلى هذا اليوم بحذافيرها فلم يعد للمسكوت عنه مكان هذا اليوم حقيقة وصار شعب، ثورة قامت، قدمت تستعيد الكرامة والحق: مواطن يهان، يضرب، يقتل بالرصاص، تقتحم البيوت، والآن الصوت واحد اليوم. محاكمة هؤلاء المجرمين الذين لم تركوا تكن في قلوبهم رحمة والحقيقة فالحديث عن منزل بوزيان هو حقيقة مصغرة لما حدث في كل الولايات والمدن. أهالي المدن قدموا من بعيد للتحدث عن معاناتهم ومآسيهم لم تقتلهم الكشف عن فضائح وجرائم خلفتها زياد متسخة، أياد ملوّثة كانت في يوم ما تنتمي الى العائلة المالكة الحاكمة أو لأقل هي أذيال حاكم فاسد طالت أياديهم قلوب الشعب وجيوب الشعب، سلبت ما سلبت نهبت ما نهبت وقتلت من قتلت سالت الدماء وظلت فقط أسماؤهم يحفرها التاريخ على رخامة الزمن المجيد لم يفته وأن يكون شاهدا في حقبة من الزمن الفائت والحاضر والقادم، التاريخ يعيد نفسه في تونس الثورة، تتكرّر في العديد من المناسبات بنفس التاريخ شهر جانفي، فالرجال هم الأبطال لا يكرّرهم التاريخ لكن التاريخ يكرّر شجاعتهم ومواقفهم ومبادئهم هي فقط لا غير ثورة منتفضة.