كنت تحمل ذاكرتك بين راحتيك.. تتأمّل في سطور البلاد التي خطّتها عذابات عشقك.. توقظ أغنية في البال لترحل بها في أمسيات السّمر السرمدي نحو الافاق البعيدة.. كنت تعدّ خطاك المنهكة من أوجاع الزمن.. إنّها المدينة.. البلاد.. الكون... حيث تدفعنا الرّغبة معك في أن نزور في كلّ وجع مؤجّل أجسادنا.. ففي أجسادنا يقبع حارسو الأحلام.. يعرضون على ناصية الفرح المطارد زفرات الورد المنتظرة.. فمعك.. ومن بعدك.. سنظلّ كما في كلّ السنوات التي تأبى أن تمضي تنحت للورد ابتسامات الرّبيع.. ونردّد مقولة «بابلو نيرودا» التي تعشقها الحسان اللّواتي مررن على غربتنا «الافلاطونية» {يقدرون على قطف ورد كلّ العالم لكن.. لن يقدروا على إيقاف الربيع] كنت تحسّ وتعلن أنّ جسدك المتمرّد يسافر دائما في طفولات أصدقائك ورفاق الأحلام والأوجاع المتوزّعة في فضاءات البلاد الباهتة.. تراقب ذاكرتك وهي تنسل من رأسك المنتشي بضحكاتهم وعربداتهم الأبدية الحالمة.. كنت دائما تراقب المدينة حين تلملم ذاكرتها الثّلجية.. ومن رحيق سيجارة حذرة.. كنت تنادينا {أيّها المعذّبون في ثنايا الأسئلة.. لازمن فوق زمن بروميثيوس..] كنت حاملا أزليّا لنار»أثينا» التي أهديتها أسئلتك». اقتربت من زمنها حتّى تهديك أزمنة أورثتها ايّاها غربتك.. وحين رأت المثمس جائعة في عينيك.. اقتنعت بأنّ الأحلام المؤجلة قد عادت.. أحلاما كتبناها معك على جدران المدينة الواجمة الباحثة فينا عن قصيدتها.. المدينة التي خطّت على دموعك «الإغريقيّة» زهر حنّتك الصّاعد والصّارخ في ثنايا الظلّمات [في جرح ليلك الدّامي حرشوشة عينيك املاح.. نامي يا تونس نامي غدوة السّماء تسماح..] كنت تلمح يا صديقي سليم في «غياهب» عيوننا ليالي الغجر وهي تحاكي النّجوم عن مسيرة العبث الجميل التي لن تنتهي عن أحلام الصّبايا وأغاني العاشقين الثّائرين.. عن حبّ البلاد ووشايات المخبرين. أمّا نحن فكنّا نلمح في «جنون قيثارتك» سطور التاريخ وهي تعيد ترتيب صفحات العشق على غبار ذكرياتنا.. كنّنا نلمح «بروميثيوس» المصلوب على أعلى قمّة جبل «الباند» يفكّ أغلاله «وعلى وقع نقرات أوتار قيثارتك الممزوجة بأحلام «زوربا» تكتمل صورتك فينا.. وتنسل في دلال داخل تفاصيل غربتك لتتذوّق شهد أسئلتك.. فيفيض الكلام وتتهشّم الحركة وإذا بوجهك مرآة تعكس صورة أناملك الطفولية وهي تعبث بعفويّة سيجارة.. تخجل من أن تتحوّل الى امرأة تتقن النظر في عينيك الشقيتين وقد امتلئتا بضحكات الأطفال.. وحين تصمت.. وآه من صمتك يا «أعشيري» ففي صمتك يا سليم تنهيدات أمواج البحر.. هذا البحر المدجّج بحاملات قتلة الضّحكات يتناسى كبرياءه حين يعانق كبرياء نشوتك.. ورمنسيّة «ثمنتك» كنت تجلس في مقهى «الرّكن» وأحيانا توزّع رحلتك عبر أجساد العباد.. حيث لا مواطنون يمرّون في غياب المواطنة. في مقهى الرّكن تمتزج «جعتك بقطع سكر عشقك» يا نديمي في العذاب ويا رفيق الأحلام» كنت أرقب عقارب ساعتك وهي مندهشة.. هذا الفتى الأزلي ألا يتعب حتّى ينام؟ يفيض الكلام يا صائد الأحلام.. الفتى الأزلي.. تعب.. فنام.. توحّد مع الأرق الموشوم على وجنتيه.. وراح.. ذهب «سليم البيداني» بعد ان تعب لينام.. نعم.. لينام هو الآن مدثّر بالأرض التي عشقناها فإذا هي مقبرة أحلام.. من يريد أن يحلم بعد ان تتعبه الأحلام.. يذهب كما فعل الذين مرّوا.. الناس الذين كانوا والذين ليسوا الآن.. فقد ذهبوا لينامو تحت أرض ذهب إليها «سليم» بعد أن تعب لينام.. لا نبيذ سومريّا بعد أن نام.. نم يا صديقي.. نم.. فيأتيني هاتف من السّماء.. فيلجمني صمتي.. صديقك يا «سليم ساسي». حين أتى لينام حلم حلمة طفل وقف أمام عرش الخالق وأقسم بعذابات أصدقائه بأنه لن ينام.. لن ندعَ أيّا منكم بعد اليوم أن يأتي حين يتعب لينام.. تريدون أن تحوّلوا الآخرة الى حدائق وهج وأمنيات وشهوات للنّيام؟ على صديقكم الجديد «المتجدّد» القادم إلينا لينام.. أن ينام.. قولوا له بأن لا يحرّض النّيام.. عليه أن ينام.. لا أن يزرع صباحاته زهورا ومساءه سمرا وحديثا سرّيا مع النّيام.. هو يريد أن يمنحه الألم انتصارا آخر ليعود.. يريد أن يهرّب جسده لمن خذلته الأحلام... ثمّ يردف الصوت السّمائي صارخا «أنتم أصدقاؤه».. أنتم من يحرصه على أن لا ينام... بروميتيوس نائم لدينا منذ آلاف السنين.. سارق نار الألهة «أثينا» بعد أن حلم وتعب جاء إلينا لينام.. فنام.. منذ آلاف السنين وهو مع النّيام... فمن هنا ال «بروميثيوس الجديد» الرّافض أمام الرب أن ينام.. رفعت رأسي الى السّماء، فلعلّ صاحب الصّوت يرمق دمعة.. دمعة عشق برائحة العذاب ويسترق السّمع لصرخة أضحت أسيرة حزني داخل جسدٍ، جسدي الذي لا ينام... إذا الأحلام وئدت وإذا الورد سئل بأيّ ذنب قطف علمت بلاد.. ما قتلت...