شهدت تونس على مدى تاريخها نكسات عديدة ولكن قابلتها ثورات كثيرة ايضا منها ما تزال تذكر ومنها ما حفظه التاريخ بإدراج النسيان. ولكن اليوم يعيش الشعب التونسي لحظة لن تنسى من تاريخه ليس فقط في ذاكرته الشعبية، ولكن في الذاكرة الانسانية قاطبة. فكيف ارتقت هذه الثورة الى مرتبة الثورات التاريخية الكبرى؟ وهل اكتملت الثورة؟ وهل تستطيع حقا الوصول الى غاياتها الاولى ومنع السطو عليها وبأي شكل من الاشكال؟ فالمتأمل يلاحظ انه على مدى 28 يوما فقط، زرع محمد البوعزيزي شهيد الكرامة ألما لدى الافراد وخاصة الشباب مثله وعموم الشعب التونسي تحول سريعا الى غضب عارم ثم الى انتفاضة متعاظمة... لامست وجدان المحرومين والمهمشين في الريف والمدينة وفي كل الجهات لأن الظلم أعمى الجميع والصبر نفذ... وقد اكتست هذه الثورة كذلك طابع المفاجأة، فقد ولدت على مدى اقل من شهر واحد وحافظت على الزخم النضالي حتى هروب وطرد الطاغية... انها ثورة حقيقية على منوال »ثورة 1789« قامت على ضمان حقوق المواطن وحرياته وكرامته قامت على الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وبعثت آمالا كبيرة في كامل الشعوب العربية بإمكاننا ان نقول ان نورها ووهجها سيجتاز القطرية الى القومية بل الى نموذج عالمي »فمن قال ان هذه الامة عقمت وشكلت فهو لا يفقه حركة التاريخ. اذن لم يبق على مستوى المصطلح شك في ان هذه الثورة التي تمّت تسميتها بثورة الياسمين هي ثورة الشهداء هي ثورة الشباب وثورة الأحرار بل هي ثورة ولادة شعب وأمة ارادتها صلبة لبناء مستقبل أفضل على جميع المستويات. نعم هي ثورة حماهيرنا الشعبية، حققت الكثير ويطول شرح هذا الكثير ولكن هل اكتملت؟ ان هذه الثورة الشبابية العارمة ومنذ اندلاعها وفي غياب الاحزاب السياسية والمجتمع المدني ما عدى الاتحاد العام التونسي للشغل قلعة النضال الوطني التي احتضنت بمقراتها بالجنوب الشرارة الاولى لانتفاضة الشعب ضد الظلم والجبروت والطغيان مثلما كان ذلك لأهالي الرديف ثم توحّد النضال ليصل ذورته بتفويض النظام الدكتاتوري الفاسد الذي سبّب القهر للعام والخاص بزبانيته مصّاصي دماء هذا الشعب وثرواته، فما كان من نتائج هذه الثورة الا مصادرة الاموال التي نهبوها واسترجاع الممتلكات المسروقة... ولقد نجحت ثورتنا في ذلك، أما ما تبقى من النظام القهري لهذه الدكتاتورية والمتجسد أساسا في بقية اشاعة وميليشياته التي بعثت الرعب في قلوب ابناء الشعب فإن نضالاته ولهيبها حتما سيحرق ويأتي على بقايا هذا النظام الدكتاتوري... لكن حذار فلا ننسى انه في خضم نضالات هذه الثورة المدنية المتواصلة يحاول البعض بتنسيق على مستوى داخلي وخارجي مفضوح وبتحالفات مشبوهة ستعريها الايام القادمة من خطف هذه الثورة المدنية الأبية وتحويلها عن تحقيق اهدافها الحقيقية بل ربما الانقلاب على نتائج هذه الثورة!؟ وللتاريخ أقول لأحرارنا من النخب والمثقفين لا بدّ من بلورة المطالب الاجتماعية في مشروع سياسي طالما انتظرته كل القوى السياسية والاجتماعية وكل أطياف المجتمع المدني عموما اذ لا ينبغي ان ننسى أبدا ذلك البيان السياسي الذي كتبه الشاب الشهيد البوعزيز بجسده عندما أقدم على إحراق نفسه فقد نبهنا الى الهدف الأسمى ألا وهو تحرير المجتمع من الدكتاتورية والطغيان والانظمة البائدة خلال اجهاض الثورة، لا لإعادة انتاج النظام القديم ولا للسطو على دماء الشهداء.