الأستاذ إبراهيم بودربالة، محام وأستاذ في المعهد الأعلى للمحاماة، يدرس مادة «تقنيات المرافعة». عرف بمبادئه ونزاهته وإحترام الجميع له، وشخصياً أحترمه بشكل خاص، شغل منصب رئيس الفرع الجهوي للمحامين بتونس. وجدانه قومي عربي، يؤمن بضرورة الوحدة العربية، ويعتقد أن مستقبل الوحدة يكمن في إتباع النهج الديمقراطي، ذلك أن عصر الوحدات التي كانت تتم بالقوة (كوحدة ألمانيا ووحدة إيطاليا ) قد ولى وإنقضى، واليوم لا يمكن تحقيق أي وحدة إلا عبر الأطر الديمقراطية، وعبر الإختيارات الشعبية الحرة، ويعتقد جازماً أنه لا بد من إصلاح ديمقراطي داخل كل بلد عربي، ومن الممكن أن تكون داخل هذه البلدان أحزاباً تؤمن بالديمقراطية وتسعى نحو الوحدة بنفس الطرق. وفي مجال المهنة نادى الأستاذ إبراهيم بودربالة طويلاً لإيجاد حلول جذرية لإنقاذ مهنة المحاماة من وضعها المتردي الذي تعيشه لتستعيد صورتها المبنية على حقوق الدفاع ودورها في المجتمع. ما هو شعورك كمواطن عند قيام الثورة؟ شهدت الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي إندفاع الجماهير في حركة التحرر الوطني ضد الإستعمار، واليوم بعد نصف قرن أعتقد أن هذه الحركة الجماهيرية تكملة للحركة السابقة، لكنها تندفع نحو مقاومة الإستبداد لأن ظلم ذوي القربى أشد مرارة، وأعتقد أن وعي الجماهير بمقاومة الحكم المستبد هو تعبير إيجابي للتطلع نحو الحكم الرشيد، ولا يمكن الوصول إلى تحقيقه إلا عبر وضع آليات لحماية الحكم الرشيد بوجوب إقرار نظام ديمقراطي يؤمن بحرية التعبير، وحرية الإجتماع، وحرية تكوين الأحزاب السياسية، والإيمان بالتداول على السلطة عبر إنتخابات شفافة، والإبتعاد عن كل الطرق القديمة الممثلة في التزوير والتزييف والمغالطة، وفي إعتقادي أن الشرارة التي إنطلقت من تونس والتي وجدت صداها في بقية البلدان العربية تبشر بإنبلاج عصر جديد في الوطن العربي، تستعيد فيه الجماهير العربية كرامتها، وتكشف من خلاله الطريق الموصلة إلى حكم نفسها بنفسها دون إستبداد أو طغيان، وتزييف لإرادتها، والحصيلة المؤكدة أن بوادر الخير هذه سترجع للأمة مكانتها الفاعلة إيجابياً على مستوى الإنسانية قاطبة. ما هو تقييمك لما جرى وما هو عليه الوضع اليوم؟ أعتقد أنه منذ مدة بدأ الإحتقان يتفاقم على جميع المستويات داخل البلد في إنتظار انفجار كنتيجة حتمية لا يستطيع تحديد توقيته،ولا كيفية وقوعه،والنتيجة التي تم بها الإنفجار،تدل على العفوية والتلقائية،وإن كانت الأحزاب والتيارات السياسية التي لم تكن وراء هذه الحركة غير مقتنعة بإمكانية وقوعه، حتى أنها صرحت علناً بذلك، والدليل هو تناقض المواقف والقرارات التي تمت بصورة إرتجالية، وكانت تتسم طوال الأربع أسابيع الأولى بالتردد والغموض والضبابية، وإنعكس ذلك على كل المواقف تقريباً، حتى أن القرارات التي إتخذت بعد فرار أعلى هرم في السلطة كانت فاقدة للأسس الدستورية ( الإنتقال من فصل 56 على فصل 57 من الدستور) ثم إن الحلول المقترحة سواء على مستوى الحكومة أو على مستوى اللجان المقترحة، لم تكن واضحة، من ذلك أنه وقع الإنتقال من حكومة وحدة وطنية إلى حكومة مؤقتة، كذلك الجهات التي إقترح عليها أول الأمر الإنضمام إلى الحكومة فضلت عدم المشاركة لضبابية الرؤية، ثم إلى حد الآن لم تحدد الحكومة المؤقتة السقف الزمني لعملها، أما في خصوص اللجان المقترحة فما عدا تسميتها وتسمية رؤسائها، لم يقع تحديد صلاحيتها وبرامجها، ومدى إلزامية قراراتها، وماهي طرق عملها، ثم هل أن النتائج التي سوف تتوصل إليها ستعرضها على الحكومة المؤقتة؟ أم على هيئة شعبية ممثلة لكل مكونات المجتمع السياسي والمدني، ثم ما هي وضعية مجلس النواب ومجلس المستشارين؟ هل ما زالت لهم الصلاحيات الدستورية المناطة بعهدتهم، أم أنه سحبت منهم تلك الصلاحيات، خاصة ونحن نعلم كل العلم أن هذين المجلسين مدينين لشخص الرئيس السابق، حتى أن هناك بعض أعضاء مجلس المستشارين قدموا إستقالتهم (الهادي بكوش والشادلي العياري) والذين أكدوا أنه وقع تعيينهم رغم أنفهم، لذلك إعتقدوا أن الحكومة التي غيرت تسميتها من حكومة وحدة وطنية إلى حكومة مؤقتة، ينبغي معاضدتها شعبياً بهيئة تسهر على الدفاع عن مكتسبات الثورة، وتكون هذه الهيئة العين الساهرة ضد محاولات الإلتفاف مهما كان نوعها، لكي لا نرجع إلى حالة تشبه الحال التي كنا عليها قبل 14 جانفي ماهو الحد الفاصل بين الحرية والفوضى؟ هناك مبدأ فلسفي يقول «حريتك تنتهي حين تبدأ حرية غيرك» لذلك فإن كل التعبيرات الجماهيرية بالرغم من مشروعيتها تحتاج إلى تنظيم وتأطير حتى نتجنب الإنزلاق في الفوضى، وعلى أية حال هذه الظواهر هي ظواهر مؤقتة، وناتجة عن حالة الكبت التي كان يعيشها الشعب التونسي، وأنا متفائل بمستقبل الأيام، وأكبر دليل أنه عندما وقع إنفلات في الأيام الأولى هب المواطنون للدفاع عن أنفسهم وعن جيرانهم دون أن تكون لهم أبسط وسائل الدفاع المتطورة، وربما تلك الهيئة هي التي أفشلت خطط كانت وراء الإنقلاب الأمني، لذلك اعتقد أنه سيقوم وعي جماعي لأن الحق في التعبير والحق في التظاهر يجب أن يكون منظماً حسب الحد الفاصل بين حرية التعبير وإحترام القانون. هل يحق للمتهمين بالفساد إختيار من سيتولى الدفاع عنهم؟ بالطبع كل شخص مهما كان الإتهام الموجه له، لديه الحرية المطلقة في إختيار من يدافع عنه، لأن هناك مبدأ قانوني متفق عليه عالمياً، وهو تمتع كل شخص بقرينة براءة إلى أن تثبت إدانته من خلال محكمة تضمن له حقوق الدفاع، وقد كرس الدستور التونسي هذه القاعدة ( الفصل 12 من الدستور) وبوصفي مواطناً ومحامياً أعتقد أن من صالح المجتمع التونسي أن تقع محاكمات عادلة تضمن لكل شخص مهما كان حقوق الدفاع، ومن المبادئ الأولى لضمان حقوق الدفاع هو حق المتهم في إختيار المحامي الذي سيتولى الدفاع عنه أمام المحكمة. وكذلك أتمنى أن تكون الهيئات القضائية بمستوى المسؤولية الوطنية، وذلك بإعطاء درس في خصوص إستقلالية القضاء، وفي خصوص التأكيد على أن المحاكمات سوف تكون محاكمات عادلة، وأعتقد أن الديمقراطيات الحقيقية التي تحترم نفسها هي التي توفر محاكمات عادلة لخصومها. هل سيحافظ الدستور الجديد على المكتسبات التي حققها دستورنا التونسي السابق؟ المبادئ العامة التي قام عليها الدستور سنة 59 تعتبر مبادئ تقدمية وعصرية، إلا انه وقع الإنحراف بتلك المبادئ، وأبرز تلك الإنحرافات وقعت سنة 1974، وهي انتخاب الرئيس مدى الحياة، ثم سنة 87 فقد الدستور كل هيبته، وأصبحت قواعده تحدد بحسب مصلحة أعلى هرم في السلطة، وترتيباً على ذلك فإن الدستور الجديد يجب أن يعبر عن طموحات «الثورة» وأهمها إقرار نظام ديمقراطي حقيقي، وأن لا يقع التلاعب مستقبلاً بقواعد الدستور، وتكليفه حسب مشيئة وإرادة المتحكم في السلطة. في رأيك هل وجود أحزاب معارضة في الحكومة هو خطوة مهمة نحو الديمقراطية؟ وجود حزبين معترف بهما هو شيء مهم، ومن قواعد الديمقراطية في المستقبل الاحتكام إلى إرادة الشعب من خلال انتخابات نيابية تشريعية، ذات مصداقية تكون فيها القاعدة خضوع الأقلية للأغلبية، وتكون فيها الحكومة خاضعة لمصادقة البرلمان عند تعيينها، ويمكن للبرلمان مساءلتها وسحب الثقة منها، عند ذلك تكون الحكومة جادة في تلبية رغبات من أسند لها الثقة في تسيير شؤون البلاد، وبطبيعة الحال تكون مهددة بفقد هذه الثقة في صورة إنحرافها عن البرنامج الذي استندت إليه لاكتساب الثقة. هل يمكن تحقيق كل المطالب؟ ارتفاع سقف المطالب يجعل الحكومة تخشى على شرعيتها، وهذا مهم. ما هو التفسير لما جرى بالنسبة الى قناة حنبعل؟ أعتقد وأن توجيه تهمة خطيرة، وقطع البث بصورة فجئية، ثم العدول عن كل الإجراءات المتخذة يدل على اضطراب غير مبرر في عمل الحكومة في تلك الفترة، ونأمل أن لا يقع تكراره مطلقاً، لأن مثل تلك الاجراءات من شأنها أن تنزع الطمأنينة من ثقة الشعب. ما رأيك في المشهد الإعلامي المضطرب اليوم؟ مشكلة الإعلام في تونس أنه خرج من عهد الظلمات، وهو في وضعية من أفاق من النوم وبصدد مسح عينيه من سبات عميق كي يستفيق ويزيل عن بصره كل الإفرازات التي كانت تحجب عنه الرؤية السليمة، من الممكن التسامح في المدة الأولى عن بعض الأخطاء المرتكبة بحسن نية على أن لا تتكرر في المستقبل.