بعد قضاء سنوات في ايطاليا رجع صحبة اخوته ووالديه للاستقرار بتونس وبالتحديد بمدينة سوسة حيث استقروا بمنزل بنوه من عرق الهجرة وشيّد الابن محمد مصنعا للزربية في ضيعة أبيه التي كسبها قبل أن يولد وواصل القدر رسم حياة هذه العائلة فتزوج محمد ورزق بالبنين الى هنا كان كل شيء يوحي بالطبيعي، بحياة تشبه حياة العشرات من العائلات التونسية ولكن لم يكن في حسبان هذه العائلة أن زواج ابنتهم من ابن أخ الرئيس المخلوع سليم ابن التيجاني سيعود بالوبال وأي وبال كلّفهم مواجهة الموت والتشرّد. انتقلت «الشروق» لمعاينة ما حصل والتقت بالإبن محمد سعيد كان منهارا وهو يعيد شريط ما حصل له ولعائلته يوما بعد الثورة مصرّحا: «كنت مساء 16 جانفي موجودا صحبة عائلتي بالمنزل طرق الباب أحد الجيران الذي كانت أمي تساعده دائما وما أن فتحت له الباب حتى أشهر أمامه سلاحا أبيض آمرا إياها بتسليمه مبلغا ماليا ولحق به بعد ذلك أشخاص آخرون فما كان مني إلا إنقاذ أمي وهربت صحبة بقية أفراد العائلة تاركا لهم المنزل الذي نهبوا كل ما فيه ولم يكتفوا بذلك بل عاثوا فيه فسادا بتهشيم كل ما لم يستطيعوا سرقته وبقيت صحبة ابني وزوجتي نبحث عن أربع جدران تأوينا ونحتمي فيها من بطش هؤلاء الذين تنقلوا لمصنعي الذي شيدته بشقّ الأنفس ونهبوا كل ما فيه قبل أن يحرقوه مثلما نهبوا وخربوا مغازة أختي وأغلبية المغازات والدكاكين الموجودة في هذا الحي فكانت عملية نهب منظمة، لم أسئ الى أي شخص طوال حياتي ولم تكن لي أي خلافات والأدهى والأمر أن من دبّر كل ما حصل لي هم من جيراني وأشخاص لم يكن بيني وبينهم إلا الاحترام المتبادل أضف الى ذلك أني لم تكن لي علاقة بأي شخص سواء من عائلة بن علي أو الطرابلسي فزوج أختي مقيم بفرنسا ولم يكن يتردد على عمّه بتاتا بالعكس كان على خلاف معه ومع الطرابلسية فكل ما بنيته صحبة عائلتي كان من عرق جبيننا ومن تعب سنوات من الهجرة سبقت زواج أختي بكثير». مصنع من رماد ! اصطحبنا السيد محمد أيضا الى مصنعه الذي أصبح ركاما ورغم ذلك فقد وجدنا بعض الأشخاص لازالوا ينبشون تحت الركام ما يمكن سرقته فكانت لحظات ألم أخرى انضافت الى محمد حيث كان ينظر إليهم بألم في شعور تحول من مالك الى مملوك لا حول ولا قوة له غير الصبر، كان يتجول معنا وفي نفس الوقت يتجول في مخيلته مستحضرا ذكريات أصعب ما فيها أنها تنتمي الى الماضي القريب جدا واصفا في حسرة: «هذا منزل صغير كنت آوي إليه صحبة عائلتي لتناول الغداء، هنا كان ابني يلعب، هذه قاعة المصنع الذي حرصت أن أشغّل فيه أصحاب الشهائد ضمانا لمنتوج حرفي وهذه أركان المعمل الذي شيدته حجرة حجرة بعد أن مكنني أبي من أرضه التي اشتراها «زمن الفرنك فرنك» خسرت تعب سنوات في ليلة واحدة قست فيها القلوب واختلط فيها الحابل بالنابل وأصبحت الآن مهددا في حياتي وحياة عائلتي، تصوّر أبي في حالة صحية حرجة وإن توفي لا قدر اللّه لا مكان لي أخرجه منه.. ثقتي كبيرة في الحكومة المؤقتة في النظر في وضعيتي وانخرط محمد في ذمّ الرئيس المخلوع وفي آهات لا يشعر بألمها إلا من اكتوى بنار الغربة والتشرّد بعد الأمان والاستقرار.