وقعت خصخصة شركة المغازة العامة في صائفة 2007 في ظروف أقل ما يقال فيها أنها مشبوهة، فمجرد تخلي الدولة عن شركة تضخ أرباحا هامة في الخزينة العامة (حوالي 3 ملايين دينار سنة 2006 فضلا عن الاداء على الأرباح)، تشغل 2400 غالبيتهم العظمى مرسمون ومنتدبون بعقود مطابقة للتشريع الجاري به العمل ومتمركزة في غالبية جهات الجمهورية بما فيها المناطق الداخلية التي لم تنل حظها من الاستثمار. وسبقت عملية الخصخصة تجاوزات عدة رمت عرض الحائط بمقتضيات القانون. فقد قدّم العمال طلبات شراء أسهم بقيمة مليون وسبعين ألف دينار (1.070) طبقا للفصل عدد 29 من القانون عدد 9 المؤرخ في غرة فيفري 1989 الذي يعطيهم الحق بل الاولوية في شراء أسهم بقيمة مخفضة ويوزع عليهم أسهما مجانية. وتم ايداع هذه الطلبات مفصلة في قائمات اسمية في الآجال القانونية لدى الجهات المختصة مرفقة بمراسلة صادرة عن المركزية النقابية... ولم تكلف أي من الجهات الرسمية المذكورة نفسها عناء الجواب ولو بالرفض! رغم انه يمكننا اعتبار أن طلبات الشراء هي بمثابة حق شفعة في صفقة البيع... من ناحية أخرى قام المقتني بشراء المساهمات العمومية في الشركة والبالغة 76.31 ٪ من رأس المال بما قيمته 70 مليون دينار. وبغض النظر عن اعتبارنا أن هذا المبلغ يعتبر زهيدا ولا يعكس القيمة الحقيقية لأصول المؤسسة وتمركزها على غالبية تراب الجمهورية واسمها التجاري المنقوش في ذاكرة المستهلكين خلال فترة تفوق المائة سنة، فإننا نسوق المعطيات الآتية: لقد وقعت خصخصة الشركة في اطار ما أطلق عليه ب «التفويت في القطاعات التنافسية المتعثرة»، ومن السهل جدا على أي كان مهما كانت درجة اطلاعه على الشأن الاقتصادي والتجاري ان يكتشف العكس ودون عناء كما أسلفنا الذ كر. شملت القوائم المالية في ختام 2006 أي قبيل الخصخصة احتياطات مالية تبلغ 10 مليون دينار. وما أن وضعت الادارة العامة الجديدة قدميها في المؤسسة حتى عمدت الى طرد الاعضاء الفاعلين في النقابة والضغط على البعض الآخر بشتى الوسائل بعد أن تعذر عليها استمالتهم وترغيبهم ماديا... وقد يسّرت لها هذه الممارسات التفرد بأعوان عزل من أي حماية فقامت بحملة من الطرد التعسفي ضد عديد الأعوان ونقلت عددا آخر منهم بعيدا عن مقر سكناهم لاكراههم إمّا على الاستقالة او القبول بمليمات مهينة ثم الادعاء بعد ذلك بأن الطلاق تم بالتراضي فأي تراض يمكن ان يستقيم بين قوي وضعيف؟ إننا ندعو أي مراقب نزيه ان يطلع على المبالغ التي صرفت بعنوان «منحة انهاء علاقة شغليّة بالتراضي» وسيستنتج بنفسه حجم الأكاذيب التي يروجها المقتني الجديد ومرتزقته حول العدالة والنزاهة. إضافة الى ذلك قامت الادارة العامة الجديدة بطرد 407 أعوان بتعلّة الصعوبات الاقتصادية قبل انقضاء الفترة التي التزم بعدم المس من مواطن الشغل خلالها والمنصوص عليها بوضوح في كراس الشروط، ولم يؤسس هذا الاجراء على أي مبررات قانونية. فالعديد من الأعوان لم يتقدموا بطلبات كتابية في الغرض والصعوبات الاقتصادية لم يتيسر إثباتها خصوصا أن الشركة قامت باقتناء شركة «بروموقرو» بما يعادل 83 مليون دينار وشركة «باطام» و«الشركة التونسية للبلور» بعدة عشرات من المليارات... ونحن نتساءل عن الدوافع والأسس المصلحية والنفعية التي اعتمد عليها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ليوافق على هذه المهزلة ويصرف جرايات تقاعد لما يزيد عن 400 عون قبل تقاعدهم القانوني بعشر سنوات وأكثر ويعمّق بذلك من وتيرة نزيفه... من ناحية أخرى، طلع علينا الرئيس المدير العام للشركة بمغالطات فظيعة على أعمدة الصحف تفيد أن من تم تسريحهم تقدموا بطلبات كتابية في الغرض، فها نحن نتحدّاه أن يمدّنا بعدد طلبات مطابقة لعدد المسرحين... كما أصرّ نفس الشخص على المزيد من المغالطة عندما صوّر لنا الاوضاع الاجتماعية في الشركة بالجيدة وتغاضى عن ذكر اعتصام عمّالي في مستودع برج السدرية منذ ما يزيد عن اسبوع بعدما ضاقوا ذرعا بتدهور أوضاعهم، فحاول يائسا الاستنقاص من ذكائهم والتنصّل من مسؤوليته عما آلت اليه الامور وإلصاقها بأعضاء النقابة السابقة... إن انتداب 1500 عون جديد من ناحية وانخفاض أعباء الاجور من جهة أخرى يختزل بكل بساطة معاناة الأعوان الذين يجيدون القراءة والاستنتاج دون مساعدة أو تحريض من أحد. على مستوى آخر، لا يفوتنا عدم وضع الرأي العام في صورة حقيقية ما جرى مع المركزية النقابية. فبعد أن لقينا منها كل الدعم والمساندة لنضالاتنا، تراجع هذا الدعم بوتيرة غريبة ومتسارعة حسمت حسب تقديرنا الشخصي مآل الملف برمته. فلقد تضافرت جهود قسم التشريع بالاتحاد العام التونسي للشغل مع اسهامات النقابة الأساسية في صياغة بند اجتماعي يسدّ الشغورات الواردة في كراس الشروط والمتعلقة بالمحافظة على مكتسبات العمال. ومع تقدّم عملية الخصخصة، انقلب عدد من اعضاء المكتب التنفيذي على هذا المشروع الذي موّله الاتحاد بل ووصفوه بالبدعة والمسخرة. إن حجم التجاوزات التي سقنا بعضها باختصار شديد والتي لا يُتاح لمواطن عادي لا يملك النفوذ الكافي أن يقوم بها، والعلاقة التي تجمع المقتني بعائلة الرئيس المخلوع من ناحية أخرى تدفعنا دفعا الى الاشتباه بقانونية الصفقة ومشروعيتها وبالتالي الأطراف الحقيقية التي تقف وراءها... لذلك نتمسّك بحتمية تأميم هذه المنشأة المواطنة واصلاح التعديات التي تعرّض لها أعوانها كخطوة لارجاع هيبة الدولة وصون مصالحها العليا ومواردها المالية وإعادة الاعتبار للقانون والقطع نهائيا مع عهد الراشين والمرتشين. واعتبارا لأن قضية خصخصة المؤسسات التي لا تعاني من أي صعوبات تعني كل مكوّنات المجتمع، فإننا ندعو الجميع الى مساعدتنا على تأميم هذه المؤسسة حتى تعود الى سالف اشعاعها وتتحمّل دورها الاقتصادي والاجتماعي من جديد... عضوا النقابة الاساسية السابقان محمد البكّوش