لقد تمحور النقاش حول الإصلاح السياسي وأهمل دور الإدارة في الإصلاح، إذ أن الإدارة باعتبارها الذراع الطولى للنظام السياسي هي المسؤولة عن تنفيذ السياسات العامة، فالعلاقة بين المواطن والدّولة تتجسد في الخدمات التي تقدّمها الإدارة للمواطن بقدر ما تكون الإدارة ناجحة وناجعة في خدمة المواطن بقدر يشعر المواطن بانتمائه إلى الدولة فالدولة هي مجموعة وظائف تسعى إلى تحقيق التضامن والاندماج المجتمعي عبر المرافق العامة. ولعلّ المواطن يتحسّس وجود الدّولة ودورها التنموي أكثر من خلال المرافق القريبة منها أي من خلال الإدارة المحلية سواء كانت هذه الإدارة تعبيرا عن التوغل الترابي للإدارة المركزية المتمثل في الإدارة اللامحورية أو الجماعات العمومية الترابية المتمثلة في البلديات والولايات التي من المفروض أن تعبر عن المصالح المحلية للمواطنين. ويمكن القول إن ما يجب التركيز عليه هو تغيير المقاربة التي يقوم عليها تنظيم الإدارة المحلية سواء كانت لا محورية أو لا مركزية بطريقة تراعي اختلال التوازن الجهوي الاقتصادي والاجتماعي لإرساء إدارة تنموية حقيقية. وفي هذا الصّدد يمكن القيام بالإصلاحات منها ما هو عاجل ومنها ما هو آجل. ونرى أن أهم إصلاح يتعلق بمؤسسة الوالي في تونس (1) ثم إعادة النظر في التقسيم الترابي للبلاد (2) وإعادة صياغة مفهوم المصالح المحلية (3). 1- مؤسسة الوالي: لقد قامت الإدارة التونسية منذ العهد البورقيبي على النموذج الفرنسي المعروف بالنموذج اليعقوبي Modèle Jacobin والذي يقوم على التركيز الشديد للقرار سواء كان على المستوى المركزي أو الترابي ومفهوم الاستعمالية L'instrumentalité أي خضوع الإدارة للسلطة السياسية وتوظيف هذه الأخيرة لمصالحها زاد عنها النموذج التونسي تداخل أجهزة الحزب الحاكم مع الإدارة المحلية فالتوغل الترابي للحزب الحاكم كان موازيا لتوغل الإدارة ترابيا حتى أن أجهزة الحزب عوّضت المصالح الإدارية المحلية في إسداء الخدمات وأضحى هنالك نوع من التماهي بين الشعبة الدستورية والعمدة وبالطبع يكون إسداء الخدمات على أساس الولاء السياسي، ويعتبر الوالي نموذجا حيّا لشطط المركزية في تونس وتداخل السياسي والإداري لذلك تتجه إعادة النظر في مؤسسة الوالي (أ) من جهة وإعادة النظر في تركيبة المجالس الجهوية من جهة أخرى (ب). أ- إعادة النظر في مؤسسة الوالي يمثل الوالي بامتياز المؤسسة التي تعبر عن إحكام قبضة السلطة السياسية على الإدارة الترابية سواء كانت اللامحورية أو اللامركزية. فالوالي يحتكر جميع الاختصاصات في الولاية فهو مستودع سلطة الإدارة المركزية في الجهة حسب قانون جوان 1975 المتعلق بتنظيم المصالح الخارجية للإدارة المركزية كما أن للوالي سلطة استعمال القوة المسلحة وهو الذي يمارس الضبط الإداري العام على مستوى الولاية كما أن يمارس رقابة الإشراف على المجالس البلدية وقد استحوذ على اختصاصات جميع المصالح الخارجية التابعة للوزارات بموجب أمر مارس 1988 المتعلق بتفويض الوزراء لسلطاتهم إلى الوالي والذي لا يمثل في حقيقة الأمر تفويضا لأن التفويض يتم من طرف صاحب الاختصاص إنما هو نوع من الإحالة Dévolution صادرة عن رئيس الإدارة المركزية (رئيس الجمهورية) لفائدة الوالي. وهو ما يجعل جميع الصلاحيات تتركز على مستوى الجهة بين يدي الوالي مما حوله إلى وزير أول محلي «Premier ministre local» حسب تعبير أستاذنا وصديقنا Ive Luchaire وهو ما ولّد ثقلا فادحا في اتخاذ القرار زاده حدّة مزاج الولاة المتميّز بالميل إلى الإفراط Excès de zèle والعبارة للعميد عياض بن عاشور، كما أن الأساس الأمني الذي يتمّ على أساسه اختيار الولاة ساهم في جمود هذه المؤسسة واستبدادها على المستوى الجهوي لذلك فإنّ من أوكد المهام والذي بإمكان الحكومة المؤقتة أن تباشرها هو إعادة تحديد صلاحيات الوالي من أجل إدخال مرونة على العمل الإداري وذلك بتعديل قانون 1975 المتعلق بتنظيم المصالح الخارجية للإدارة المركزية للحدّ من سلطات الوالي وحذف الفصل 11 المتعلق باستعمال الوالي للقوة المسلحة وكذلك إلغاء الأمر المتعلق بتفويض صلاحيات الوزراء إلى الوالي من أجل تفعيل المصالح الخارجية للإدارة المركزية مما يمكن هذه المصالح من سلطة أكثر في القرار وإعادة النظر في تركيبة اللجان الجهوية بحذف رئاسة الوالي لهذه اللجان، كما يتجه إصلاح قانون البلديات بالحدّ من رقابة الإشراف المسندة للوالي وفصل وظيفة الوالي كسلطة لامحورية وبين رئاسة المجلس الجهوي. (يتبع) ٭ الأستاذ محمد الصالح غومة (محام وباحث في القانون العام والعلوم الإدارية)