في خضم ما شهدته ولاية القيروان من انفلات أمني وغياب مراقبة بلدية وامتداد للهجمة الشرسة على الأراضي الدولية والمناطق الأثرية لم تسلم المقابر ومقامات الأولياء الصالحين من هجمات بعض المواطنين والذي حصل في مقبرة «سيدي عرفة» وتحديدا على مقربة من مقام الولي الصالح ينذر بخطر داهم واعتداء صارخ على الممتلكات أو كما عبر البعض بقولهم «اعتداء على المقدسات». والأمر تحول حسب رأي بعض المتابعين إلى ما يشبه الهجمة المنظمة من الفوضى واتسعت دائرته لتشمل أكثر من نقطة فمنطقة صبرة المنصورية تستغيث من جهتها إثر احتلال عشرات المواطنين لمساحتها «الخضراء» وإقامة ما يشبه المساكن فوقها دونما حسيب أو رقيب بينما تبارت البقية في بيع قطع الأرض بأسعار بخسة لا تعطي قيمة لصفة الموقع الأثري والحفريات المقامة تحتها. وعلاوة على عدم الوعي مقابل دوافع اجتماعية ومادية، يبدو أن غياب الردع هو ما شجع هؤلاء على المضي قدما دون وازع أو رادع لتتحول المقابر إلى مطامع للمغيرين. وترتفع المساكن والجدران إيذانا بما يشبه «الاحتلال» والاستيطان دون موجب حق بنفس الكيفية التي عمدت خلالها بعض الأسر إلى احتلال الزوايا والإقامة فيها عوض حمايتها واحترام موقعها الروحي وقيمتها التاريخية. دون رقيب وليست هذه المشاهد سوى خاتمة لمسلسل الاستيلاء على الأملاك العمومية والخاصة الذي عرفته مدينة القيروان بشكل خاص والأدهى ومن ذلك أنه ما من جهة مسؤولة تصدت لهذه الاعتداءات بسبب خوفها من التصعيد من جهة أمام حساسية الوضع الراهن ومن جهة أخرى هو اعتياد على «غض الطرف» وعلى شهادة الزور وإخفاء الرأس في الوحل بشكل يصل حد التورط. فالمسألة ليست محدثة ولا جديدة بالجهة والتجاوزات ليست أمرا طارئا على البلدية التي تبدو متهمة بدورها في التشجيع والتحريض على الاستيلاء على الأراضي الأثرية في «صبرة المنصورية» منذ السبعينات إلى غاية ما قبل الثورة ولم تحرك ساكنا ولم تتصد لهذه الاعتداءات بأي شكل رغم ما يتيحه لها القانون لأن معظم مسؤوليها يبدو أنهم متورطون. وبالمثل تصرفت جمعية صيانة المدينة التي لا تخلو ساحتها من مثل هذه التنازلات ولتنتهج سياسة الصمت المطبق على عمليات الاعتداء على الآثار والتراث القيرواني بأشكاله المادية واللامادية لتعتبره فعلا بمثل فعل بعض أفرادها في تراث القيروان. كما لا ننسى ما فعله تجار الأسواق الفوضوية وما أحدثوه من تخريب وتطاول على الطريق العمومي وعلى الأرصفة بدعوى حق العمل والانتصاب وان كنا نطالب بتوفير أماكن لهؤلاء يعرضون فيها بضاعتهم بشكل منظم لتوفير لقمة العيش، فإن ذلك يجب أن يكون وسط فضاء مهيإ ومنظم ومرخص. مطالب مشروعة لكن! ربّما الدوافع الاجتماعية من فقر وبطالة وافتقار إلى السكن هي أهم دافع لخرق القانون والاعتداء على ممتلكات الغير. وإذا كانت هذه الأسر التي فعلت ما فعلت هي في حاجة إلى المسكن شأن الاف الأسر الأخرى التي لا تجد المأوى، فإن مثل هذه الطريقة ليست سوى بداية مشكل وليست جزءا من الحل لأن هذه الأراضي والممتلكات التي احتلوها هي لأصحابها سواء أكانت ملكا عموميا أو خاصا وسيتم طلب استعادتها وإن تطلب الأمر تدخل القوة العامة تنفيذا للقانون الذي يحجر مثل هذه السلوكات.