اتصل بنا المواطن التونسي السيد عمار العروسي، أصيل منطقة ساقية الداير من ولاية صفاقس ليروي لنا قصّته الأليمة مع العهد البائد الذي جوّعه وجوّع أبناءه طيلة ما لا يقل عن 22 سنة تقريبا.. ودون أن نطيل عليكم في التقديم ندخل معكم مباشرة في صلب الموضوع. يقول السيد عمار: «سنة 1989 دخلت الانتخابات التشريعية بقائمة مستقلة ظنا مني أني أمارس حقي الدستوري الذي توهمنا جميعا أنه عاد إلينا بعد 7 نوفمبر 1987. وبما أن الانتخابات أفرزت آنذاك نتائج لم تعجب النظام السابق. فقد سعى الى تزويرها وملاحقة منافسيه فيها وكنت واحدا منهم، إذ انطلقت مضايقتي في عملي بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي تواطأت إدارته مع النظام. فتم تجميد نشاطي كمراقب وسحبت مني بطاقتي المهنية.. ومن هنا انطلقت المأساة التي قلبت حياتي رأسا على عقب». البوليس السياسي والايقاف يوم 18 فيفري 1991 تم ايقافي من قبل البوليس السياسي الذي اقتادني الى منطقة الأمن بصفاقس حيث حجزت وضربت ولاقيت صنوف التعذيب لمدة أسبوع كامل. اثر ذلك نقلوني الى السجن المدني بصفاقس بتهمة «الاحتفاظ بحزب سياسي غير مرخص له..». وبعد 53 أسبوعا، أي يوم 25 فيفري 1992 خرجت من السجن بعد صدور حكم من المحكمة يقضي بعدم سماع الدعوى في حقي». رفض رغم البراءة «بعد أن أثبتت المحكمة براءتي من التهم التي ألصقت بي تقدمت يوم 29 فيفري بطلب للرجوع الى عملي مصحوبا بقرائن البراءة. لكن إدارة الصندوق أعلمتني يوم 7 ماي 1992 بقرار مجلس الادارة المؤرخ في 12 مارس 1991 القاضي برفتي من العمل بتعلة «غياب غير شرعي»!! فكيف لي أن أعلم الادارة بسبب غيابي والحال أني كنت موقوفا ومحروما من حريتي؟!». حرموني حتى من الخبز ويختم السيد عمار حديثه معنا فيقول: «منذ خروجي من السجن أجبرني البوليس السياسي على عدم مغادرة ساقية الداير وكنت مجبرا على تسجيل حضوري بمركز الأمن 8 مرات في اليوم.. اضافة الى المتابعة الأمنية 24 ساعة على 24 وفي سنة 1993 عرض علي رجل أعمال بجهة سكرة أن أتولى إدارة مصنعه ووفر لي سيارة ونزلا ومرتبا شهريا قدره ألف دينار. لكن البوليس السياسي منعني من الخروج من الساقية وبالتالي ضاعت فرصة العمل.. ومع توالي الأعوام أصبحت عائلتي تعيش الخصاصة ممّا اضطر أحد أبنائي الى الانقطاع عن دراسته والعمل عسى أن يوفر لنا الخبز. أما بقية أبنائي فصاروا معقدين أمام زملائهم في مستوى العيش الرديء الذي أصبحنا عليه.. وفي فصل الصيف حيث يتوجه التلاميذ الى الفسح يتوجه أبنائي الى حضائر البناء كي يوفروا مصاريف العودة المدرسية.. هذا غيض من فيض لقصة عذاب عشتها وعائلتي منذ 1989 دون أي ذنب ارتكبته.. فهل من ضمير حيّ يعيد لنا ما سلبه النظام البائد منا؟!».