الفقر والتهميش والأوضاع الهشة ليست حكرا على المناطق الداخلية والنائية الموجودة في أعماق الريف التونسي أو صحراء البلاد التي عادة ما يتعلل المسؤولون الذين يفضلون دائما الجلوس على كراسيهم الوثيرة ببعد هذه المناطق ووعورة الوصول اليها وكثرة مشاغلهم للتنقل اليها والاستماع الى مشاغل الناس والفقراء هناك، فهنا وفي قلب العاصمة وعلى بعد بضعة أمتار عما كانت تسمى وزارة الداخلية والتنمية المحلية في العهد البائد وأضع سطرين تحت عبارة التنمية المحلية... هنا تعيش ثلاث عائلات منكوبة متكونة من 10 أفراد منهم 7 أطفال تحت خط الفقر بدرجات كبرى... هنا في قلب العاصمة التي تعتبر مرآة تونس التي تعكس مدى تطورها وتحضرها شاهدنا أناس يعيشون بلا ماء ولا كهرباء ولا تلفاز ولا مذياع... عائلة تعيش الفقر المدقع والحرمان والخصاصة الى درجة لا يمكن تصديقها أو استيعابها خاصة أن أفرادها من متساكني العاصمة وليست موجودة في منطقة نائية يصعب الوصول اليها. لطيفة وليلى ووردة ثلاث أخوات لم يجدن مكانا يأويهن صحبة أبنائهن سوى ثلاث غرف مساحة الواحدة منها لا تتعدى 2 متر مربع في سطح عمارة موجودة بنهج مصطفى كمال أتاتورك والصور المصاحبة للمقال تغني عن أي تعبير. لطيفة مطلقة ووردة أرملة وليلى بقيت وحيدة وفي كفالتها طفلين في مواجهة ظروف الحياة القاسية بعد ان فضل زوجها الفرار والرجوع الى مسقط رأسه وتركها وحيدة تصارع ظلم الحياة. ثلاث نساء يجمعهن رابط الأخوة ورابط الفقر المدقع وقساوة الظروف حاولن العديد من المرات ايصال اصواتهن الى المسؤولين بداية من العمدة ومرورا بالمعتمد ووصولا الى الوالي لكن يبدو أن هؤلاء المسؤولين كانت لهم مشاغل أخرى غير الاستماع الى مشاكل الناس واعانة الفقراء والمساكين والسهر على تمتيع المحرومين من ابسط ظروف الحياة الكريمة. تقول لطيفة وهي الأخت الكبرى والألم يغلف نبرات صوتها الحزين: ورثنا هذه الغرف الثلاث عن والدتنا رحمها الله وقد كانت حارسة العمارة لمدة لا تقل عن العشرين عاما وقد أعطاها اياها مالك العمارة وهو ايطالي الجنسية على وجه الفضل وعندما تزوجنا بقينا هنا باعتبار أننا لا نملك عملا قارا أو مورد رزق يخول لنا التمتع بالحياة الكريمة وزادت معاناتي بعد أن طلقني زوجي وترك لي طفلين صغيرين واحد منهما يدرس بالسنة التاسعة أساسي وهو محروم من مراجعة دروسه كبقية التلاميذ باعتبار أننا لا نملك لا كهرباء ولا طاولة ولا حتى كرسي يمكنه الجلوس عليه وانجاز تمارينه والأمر نفسه ينسحب على أخيه الصغير الذي أصبح دائم الانقطاع عن الدراسة لأنه يشعر بالدونية أمام زملائه، وتختم حديثها بالقول ما ارجوه هو تمكيننا من منزل لائق يشعرنا أننا تونسيون لنا كرامة كباقي المواطنين الآخرين. منزل يأوينا وتدخلت وردة الاخت الصغرى لتقول لقد مللنا الانتظار وتعبنا من تقديم المطالب وقول «تو نعيطولكم» وما نرجوه الآن هو انقاذنا من هذه الوضعية المزرية وهذه المرارة التي لم نعد نتحملها وخاصة ونحن نرى فلذات أكبادنا يعيشون المهانة والذل في الوقت الذي يتمتع فيه أقرانهم من سكان العاصمة بالأكل الجيد والملبس اللائق والنظيف وتشير باصبعها نحو بيت الراحة وهي عبارة عن «عشة» بلغتنا الدارجة وقالت انظرا الى بيت الراحة فحتى الراحة في قضاء الحاجة البشرية لا يمكن أن نتمتع بها كبقية البشر فهل بعد هذا الظلم ظلم وهل بعد هذا التهميش تهميش لا أظن ذلك أبدا هكذا ختمت وردة كلامها الذي لا يريد ان ينتهي فهي تعتبر ابلاغ صوتها عبر جريدة «الشروق» للرأي العام أمنية في وقت عزت فيه الأمنيات خاصة وأن التلفزة الوطنية تجاهلت استغاثتها واستغاثة أختيها ولم يقع تصوير معاناتهن خاصة وأن أصحاب التلفزة لن يكلفهم الموضوع سوى ساعة زمن يقفون فيه على معاناة هذه العائلة المهمشة ويبلغون أصوات هؤلاء الى الشعب التونسي والى الحكومة المؤقتة ووزارة التنمية التي من المفروض ان تسارع الى تنظيف العاصمة من بؤر الفقر المدقع لاعتبارها وصمة عار على جبين تونس. منحة فقر عاجلة أما ليلى الأخت الثالثة التي لم تكن موجودة أثناء تصويرنا لوضع هذه العائلات الثلاث فقد التقيناها في سلم العمارة وكان وجهها يدل على ألم كبير وحزن دفين وهي عائدة من مستشفى صالح عزيز قالت انها تعاني المرض والارهاق والفقر الذي قسم ظهرها وجعلها غير قادرة على العمل كمعينة منزلية وبالتالي فإن ابنيها مهددان بالتشرد في الشارع والانحراف وأضافت: لقد تعبت من وضعي هذا الذي عشته طوال 15 عاما ولم يعد بامكاني المزيد من التحمل لذلك فأنا أطلق هذه الاستغاثة وأقول للمسؤولين أرجوكم جدوا لنا حلا كإسنادنا منحة فقر نستطيع من خلالها العيش بكرامة. ودعنا هذه العائلات المنكوبة ونحن نتساءل: أين كان صندوق 26-26 وأين كانت القافلات التضامنية التي كنا نسمع عنها وكان يتغنى بها النظام البائد الذي كانت مهمته الأساسية بعد بانت الرؤية نهب ثروات الشعب ومزيد تفقير الفقراء؟ وهل سيتغير وجه تونس بعد الثورة فعلا هذا ما نرجوه.