أحمد بن يحيى بن جابر بن داود، كان جدّه جابر يكتب للخصيب صاحب خراج مصر أيام الرشيد، ولم يكن لجده من ذكر في كتب التراجم، وكل ما ذكر أن أصله من الفرس، لأن المترجمين له لم يذكروا من نسبه شيئا بعد اسم جده، فلو أن أحمد كان عربي النسب لأثبت هذا ا لنسب وذكره وافتخر بانتمائه، ولكن المعروف أنه كان ينقل من اللسان الفارسي الى اللسان العربي. وفي جميع الكتب التي ترجمت له ورد اسمه أحمد، ولكنها اختلفت في كنيته فجعلته أبا جعفر وأبا بكر وأبا الحسن. ثم إن هذه المراجع لم تأت على ذكر أولاد خلفهم أحمد فكني بأسمائهم، فإن ترجمة حياته كانت مضطربة وقد رجح بعض الذين ترجموا لحياته أنه ولد في أواخر القرن الثاني للهجرة، فإن أول ما عُرف عن حياته مدحه المأمون ومن المؤكد أن ذلك كان قبل وفاة الخليفة المأمون سنة 218ه، وعلى ذلك فإن أحمد يكون قد تجاوز العشرين من سنه باعتبار أنه ما كان يتمكن من المدح إلا وقد كان له علم ونباهة. حياته العلمية ؟ نشأ البلاذري في بغداد، وفيها أخذ من علمائها في النصف الأول من القرن الثالث الهجري، وكان يجلس في حلقاتهم فيستمع الى الحديث والأدب والتاريخ والسير، وكان من أساتذته الحسين بن علي الأسود والقاسم بن سلام وعلي بن محمد المدائني، ومحمد بن سعد الواقدي. وقد ذكر ابن النديم أن أحمد كان متقنا للفارسية ولعلّه تعلّمها، أو ربما كانت لغة أجداده، باعتبار أن أصله فارسي، وقد أحاط أيضا بطرف من ثقافة الروم، ولذلك نسمعه يجادل في تاريخهم أمام المتوكل في بعض مجالسه. بعد أن شذا طرفا قيّما من علوم أساتذته في بغداد، حمل عصا الترحال وانتقل الى الشام، وهناك لزم حلقة هشام بن عمار وأبي حفص الدمشقي، ثم تنقل في بلاد الشام. واكتسب البلاذري من جولاته ثقافة واسعة كان لها الأثر الكبير في كتابه الشهير «فتوح البلدان». كتبه أشهر كتب البلاذري كتاب أنساب الأشراف في سيرة النبي ص والصحابة الأجلاء ثم العباسيين والعلويين وبني عبد شمس وبني هاشم وسائر القبائل العربية المعروفة. وللبلاذري أيضا كتاب البلدان الكبير وكتاب البلدان الصغير، وكذلك كتاب فتوح البلدان (من الجزيرة العربية الى خراسان والسند). وكان البلاذري نقديا في مؤلفاته، فهو لا يروي الأخبار وينقلها كما وردت، ولكنه بعد كتابتها يتناولها بالنقد الصريح، ويختار ما يراه جديرا بالإثبات بعد ترجيحه للخبر واستطلاع جوانبه. وكانت وفاة مؤرخنا العظيم في آخر خلافة المعتمد عام 279ه، وكان قد تجاوز الثمانين عاما.